فيصل الصوفي -
< يجهد أحد كبار رجال الدين نفسه في تكرار الحديث عن أن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم مرسل من عند الله، وأن القرآن الكريم كتاب الله المحفوظ، وكأن مثل هذه المسلَّمات العقدية مشكوك فيها وتحتاج إلى أدلة تدعمها من خارجها.. والعجيب أن الرجل يستخدم نتائج العلوم التجريبية المتغيرة لاثبات رسالة الرسول وصحة القرآن، فيقول مثلاً إن العلم الحديث أثبت أن الشمس تدور حول نفسها دوراناً مستمراً، وهذه الحقيقة العلمية وردت في القرآن قبل أن يصل إليها العلم بعد ألف وأربعمائة سنة من نزول الوحي القرآني، مستدلاً بالآية القرآنية »والشمس تجري لمستقر لها« وهو استدلال خاطئ،لأن هناك فرقاً بين »تدور« و»تجري«، وأسخف من هذا المنطق قول أحدهم إن القرآن الكريم سبق العلماء في اكتشاف »الذرة« مستدلاً بالآية »ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره«.
إن هذه الطريقة في التفكير والخلط بين الدين المطلق والدنيوي المتغير تورط الوحي الإلهي كما قال محمد الغزالي، وهي- حسب سيد قطب- تدل على هزيمة فكرية لدى أصحابها الذين يشعرون أن القرآن بات بحاجة للعلوم الحديثة لكي تدعمه، ثم إذا كانت تلك هي معجزات القرآن العلمية فإنها لم تعد معجزة مادام البشر قد أتوا بمثلها، فالأصل في المعجزة أنها مستمرة ولاتتكرر، فلو تمكن إنسان من إحياء الموتى فلن تعد لعيسى عليه السلام معجزة، والقرآن معجزة من حيث لايُؤتى بمثله.
إن كثيراً من النظريات وما يقال إنها حقائق علمية عرضة للتعديل والانهيار، وسأضرب لذلك مثالاً لواقعة طازجة، فقبل نحو شهر ونصف كشف علماء أمريكيون عن أصول كائن قديم يختلف عن سلالة الشمبازي ويعتقد أنه الجد الأول للبشر خلافاً لنظرية داروين، بينما كان أصحاب الاعجاز العلمي في القرآن ومنهم - مصطفى محمود - رحمه الله- قد تأولوا آيات القرآن لتعطي مدلولاً يناسب نظرية داروين، فإذا كانت نظرية داروين قد انهارت بالاكتشاف الجديد فما مصير الآيات القرآنية التي قالوا إنها قالت بما قاله داروين قبل ميلاده بألف وثلاثمائة سنة؟
إن هؤلاء الذين يلهثون وراء العلوم الفلكية والعلوم التجريبية لينتزعوا منها مؤيدات للقرآن والسنة ينطلقون من بداية خاطئة وهي المتمثلة في الخلط بين علوم الدنيا والعلم الديني، وهو خلط متعسف لأن لكل علم منهما مصدره الخاص ومنهجه ومجالاته الخاصة.. الأول يحصل بالعقل والثاني بالوحي.. الأول دنيوي متغير والثاني ديني مطلق لايتغير.. الأول ميدانه المعامل والتجربة والجسد والبيئة، والثاني ميدانه النفوس والإيمان والسلوك القويم.{