الإثنين, 16-أكتوبر-2006
محمد علي زيد -
لم نكن في يوم من الأيام نود الولوج في مداخل ومتاهات المماحكات السياسية إلا أن هناك أموراً أدت بنا إلى هذا المنحى، فكما يطرح الجميع أن مهنة الصحافة يجب ان تتصف بالنزاهة والحيادية وعدم الالتفات للأمور التي تؤثر على الصحيفة وعلى كُتابها، وان تحرص خاصة »المعارضة‮« ‬أن‮ ‬تظهر‮ ‬في‮ ‬أحسن‮ ‬صورة‮ ‬بحيث‮ ‬إنها‮ ‬تمثل‮ ‬الطرف‮ ‬الآخر،‮ ‬والنظر‮ ‬إلى‮ ‬الأمور‮ ‬المحايدة‮ ‬بنظرة‮ ‬خاصة‮ ‬تختلف‮ ‬عن‮ ‬الأمور‮ ‬التي‮ ‬تنسب‮ ‬إلى‮ ‬الأحزاب‮ ‬أو‮ ‬الأشخاص‮ ‬ذوي‮ ‬الأهمية‮ ‬أو‮ ‬الجماعات‮ ‬وغيرها‮.‬
إلاّ أن الواقع في الحقيقة لايثبت ذلك فللأسف لايتم التعامل إلاّ مع الطرح الذي يوافق هوى أصحاب الصحيفة أياً كانت، فنحن العرب لانؤمن مطلقاً بفكرة الرأي والرأي الآخر، حتى في أبسط صورها التي هي من أحكام الشريعة، أو ما نسميه نحن (مبدأ الحوار والتفاوض فيما بيننا بالهدوء والعقلانية) فعندما يطرح موضوع لايتم الانصات لغيره ولا السماح له بالنشر في الصحيفة المعينة لأنه يخالف فكرها أو توجهها.. ونحن نعيب على الآخرين ضيق الصدر وعدم السماح بالكلام والتعبير عن الرأي وخنق الحريات وهذه المسألة متأصلة فينا كجزء من أعضائنا الجسدية‮ ‬حتى‮ ‬في‮ ‬أهم‮ ‬منابر‮ ‬الرأي‮ ‬والحرية‮ ‬وهي‮ ‬الصحافة‮.‬
ومما أتعجب له أنا أن كثيراً من الناس يتعاملون مع كثير من الأمور بسلبية خاصة التي تتعلق بأمور تهم الناس جميعاً فالناس لايعجبهم شيء فهم يطالبون بأشياء وينتقدون عدم وجودها، وعندما يتم السعي لايجادها ينتقدون هذا التوجه لأنهم أصبحوا مرضى بحمى النقد والانتقاد، فالناس عندما ينتقدون الحكومة بعدم اهتمامها بالبحث العلمي وبالسعي لامتلاك التكنولوجيا المتطورة أو حتى النووية، عندما يرون الدول المتقدمة تقوم بهذا الأمر، وعندما تتوجه الدولة لهذا الأمر ولو بشكل غير الذي ينبغي أن يكون عليه بمراحل، إلاّ أنه بمجرد الإعلان عن هذا‮ ‬التوجه‮ ‬يسارع‮ ‬الناس‮ ‬فوراً‮ ‬إلى‮ ‬الانتقاد‮ ‬والتهكم‮ ‬سواءً‮ ‬بمعرفة‮ ‬أو‮ ‬بجهل‮ ‬دونما‮ ‬قياس‮ ‬لأهمية‮ ‬مايقولونه‮ ‬وجدواه‮ ‬وتأثيره‮ ‬سلباً‮ ‬وإيجاباً‮ ‬عليهم‮ ‬وعلى‮ ‬مستقبل‮ ‬أولادهم‮ ‬فيما‮ ‬بعد‮.‬
لأنه في حياتنا ومع ضغط الواقع لم نعد نميز بين ماهو مفيد أو غير مفيد وأصبحنا نضيق حتى بأنفسنا فأصبحنا نتعامل مع أي شيء بروح الناقد الدائم دون توقف تحت الشعار »النقد لأجل النقد«، ولم نعد نميز هل نوظف نقدنا بما نستفيد كلنا من هذا النقد، أم مجرد نقد لمهاجمة الطرف الآخر وطمس واحباط أي عمل حتى لو كان فيه فائدة لنا، فنحن نريد ماءً صحياً للشرب ونريد كهرباء ونريد مستشفيات جيدة ودواءً ممتازاً ورخيص التكلفة ومتوافر، ولايمكن لأمور كهذه وهي رئىسية بالإضافة إلى الحاجات الأساسية ونحن ننتقد كل شيء حتى مايصب في هذا الأمر، فلماذا إذاً نطالب بهذه المشاريع ونحن بمجرد أن تصرح الدولة أنها ستنفذها نسارع إلى نقدها والهجوم عليها حتى لاتقوم بتنفيذها لكي نقوم بعد ذلك ونهاجم الدولة بأنها لم تنفذ هذه المشاريع لأنها لاتريد أن تنفذها مع أننا ساهمنا بشكل كبير في الوقوف ضد هذه المشاريع بمجرد‮ ‬التصريح‮ ‬عن‮ ‬هذه‮ ‬المشاريع‮.‬
وربما وأنا أتدرج هنا في حديثي عن النقد والصحافة هو عنوان لموضوع حزّ في نفسي وهو البحث العلمي وبرامجه التي تضيع بين عدم اهتمام الحكومة بالبحث العلمي وعدم وعي الناس والمعارضة لخطورة هذه القضية ليس في اليمن وحدها فحسب بل والمنطقة العربية برمتها، ولليمن خصوصيتها‮ ‬طبعاً‮- ‬أي‮ ‬مشروع‮ ‬علمي‮ ‬يعلن‮ ‬عنه‮ ‬نسارع‮ ‬بالهجوم‮ ‬عليه‮ ‬والتهكم‮ ‬عليه‮ ‬حتى‮ ‬تسحب‮ ‬فكرته‮ ‬تماماً،‮ ‬المهم‮ ‬أننا‮ ‬نريد‮ ‬هذا‮ ‬المشروع‮ ‬ولانريده‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬واحد‮.‬
ولم يقتصر الأمر على دولتنا فحسب بل صرنا ننتقد أي برامج علمية أو مشاريع (برامج نووية لدول أخرى مثل مصر وإيران وباكستان وكوريا الشمالية)، ونجدد دائماً القوي الغاصب مثل (إسرائىل مثلاً وأمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول) السائرات في نفس الركاب حتى لو عطس أحد هؤلاء‮ ‬لرأينا‮ ‬عطسته‮ ‬غير‮ ‬عطستنا،‮ ‬نرى‮ ‬ترابهم‮ ‬غير‮ ‬ترابنا‮ ‬برغم‮ ‬أن‮ ‬معظم‮ ‬علمائهم‮ ‬ومهندسيهم‮ ‬من‮ ‬بلداننا،‮ ‬وهم‮ ‬ساهموا‮ ‬بدورهم‮ ‬في‮ ‬اظهار‮ ‬هذه‮ ‬المدنية‮ ‬التي‮ ‬تبهرنا‮ ‬وتعمي‮ ‬أبصارنا‮.‬
لقد تابع الجميع في الفترة الماضية الانتخابات الرئاسية والمحلية في اليمن والصراع السياسي القائم بين الأحزاب السياسية المتنافسة.. وكان من ضمن برامج الأخ علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية سعي اليمن إلى توليد الكهرباء بالطاقة النووية باعتباره مرشح المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم).. وباعتبار أن الموضوعين مهمين لأي دولة من دول العالم سواءً طرحت هذه القضايا بجدية أم طرحت للسخرية، ولكننا للأسف الشديد نفتقر إلى أدنى معايير التقييم والتمييز بينما يجب أن ينقدوا إذا طرح أمر علينا أو مشروع نحتاجه كيف نتناول عملية النقد فيه، فكما أسلفت أصبح كل همنا هو النقد لأجل النقد.. فقد لوحظ أن هناك هجوماً شديداً على هذا الموضوع بالذات ربما يخشى المهاجمون أن تصبح اليمن فعلاً تمتلك تكنولوجيا نووية!! أو تساعدها أن حصلت علىها في حل مشكلة الكهرباء والاطفاء التي تشغلنا يومياً صباحاً ومساءً.. لأن هذا لو حصل سنفقد أشياءً كثيرة ننتقد بها الوضع القائم.. وبدل السعي إلى تغيير الوضع السيئ إلى الأحسن ومحاربة الفساد والتعاون فيما هو مفيد لنا جميعاً، ومحاربة كل ما يضرنا جميعاً، أصبح التعامل فقط، مجرد نواحي اعتبارية فردية سواءً للأحزاب أو الشخصيات الاعتبارية‮ ‬التي‮ ‬تقف‮ ‬وراءها‮.‬
فقد قدمنا وجهة نظرنا ندافع بها عن هذه القضية إلى إحدى صحف المعارضة »الوحدوي« تعليق على مقال نشرته حول ذات الموضوع وكنا نأمل التعامل مع الموضوع بحيادية ودون النظر إلى الناحية السياسية (فأنا لست حزبياً) وقد وضحت لهم هذا، ولكنك يا صاحبي بين قوم عرب فلابد أن تخضع‮ ‬القوانين‮ ‬العرب،‮ ‬وهي‮ ‬لاتقبل‮ ‬الرأي‮ ‬الآخر‮ ‬مع‮ ‬إدعائها‮ ‬هذا‮ ‬وانتقادها‮ ‬لمن‮ ‬يكبح‮ ‬الحريات‮ ‬ويكمم‮ ‬الأفواه‮ ‬ويصادر‮ ‬الكلمة،‮ ‬ويحجر‮ ‬على‮ ‬الكتابة‮ ‬والقلم،‮ ‬وعندما‮ ‬تصل‮ ‬إليهم‮ ‬كقضاة‮ ‬ينزلون‮ ‬بك‮ ‬عقوبة‮ ‬أقسى‮ ‬مما‮ ‬سبق‮.‬
وكان عنوان المقال هو: (هل من حق اليمن أن تمتلك تكنولوجيا نووية؟؟) وكا ن رداً على آخر مقال صنديد يهاجم فيه هذا المشروع، والذي يسعى المهاجمون له أن يتخبط لكي يفشل؟!! لماذا؟ لاندري هل تعمل هذا أحزاب إيران المتنافسة فيما بينها؟! هل تعمل هذا أحزاب باكستان المتنافسة‮ ‬فيما‮ ‬بينها؟‮! ‬هل‮ ‬تعمل‮ ‬هذا‮ ‬أي‮ ‬أحزاب‮ ‬دولة‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬الدول‮ ‬والتي‮ ‬لديها‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬البرامج‮ ‬فيما‮ ‬بينها؟؟‮ ‬لاندري‮ ‬لماذا‮ ‬لايجيبنا‮ ‬هؤلاء‮ ‬المهاجمون؟‮.‬
وإلى الآن والمقال له أكثر من شهرين لم ير النور ويبدو أنه لن يراها برغم طرحه قبل الدعاية الانتخابية للرئاسة وبرغم خوف القائمين على الصحيفة أن يكون سبباً في فوز مرشح المؤتمر صاحب الفكرة (الرئىس علي عبدالله صالح).
فقد‮ ‬فازوا‮ ‬برغم‮ ‬ذلك‮ ‬لم‮ ‬يخرجوا‮ ‬المقال‮ ‬من‮ ‬السجن‮ ‬الذي‮ ‬لديهم‮ ‬ومازال‮ ‬حتى‮ ‬الآن‮ ‬مصادرة‮ ‬كلمته‮ ‬ولم‮ ‬يفرج‮ ‬عنه‮ ‬حتى‮ ‬بكفالة‮ ‬ودون‮ ‬أبداء‮ ‬الأسباب‮ ‬إلا‮ ‬بحجة‮ ‬الانتخابات‮ ‬وقد‮ ‬انتهت‮ ‬وحسمت‮ ‬ولم‮ ‬يفرج‮ ‬عنه‮ ‬حتى‮ ‬الآن‮.‬
هل ياترى نحن بهذه الطريقة نسلك الطريق الأمثل ياترى ماذا نريد؟! وهل نعرف ماذا نريد بهذه الطريقة أو بهذا التعامل مع كل قضايانا؟! ونشغل الناس والرأي العام وفي نهاية الأمر نكون كمن (ذهب إلى البحر وأعادهم عطشانين).. لماذا لانركز جهودنا على العيوب الحقيقية ونقوم‮ ‬بمهاجمتها‮ ‬وحث‮ ‬الدولة‮ ‬على‮ ‬استقصاءها،‮ ‬والسعي‮ ‬في‮ ‬النواحي‮ ‬الإيجابية‮ ‬لما‮ ‬فيه‮ ‬مصلحتنا‮ ‬جميعاً،‮ ‬مع‮ ‬وجود‮ ‬المعارضة،‮ ‬ولكن‮ ‬الطرح‮ ‬يكون‮ ‬سليماً‮ ‬وهادفاً‮ ‬ويضع‮ ‬يده‮ ‬على‮ ‬مكمن‮ ‬الجرح‮.‬
وفي‮ ‬الختام‮ ‬نتوجه‮ ‬إلى‮ ‬فخامة‮ ‬الأخ‮ ‬رئىس‮ ‬الجمهورية‮ ‬وأقول‮ ‬له‮ ‬أنني‮ ‬أقدم‮ ‬له‮ ‬مبادرة‮ ‬علمية‮ ‬وتكنولوجية‮ ‬تساعده‮ ‬في‮ ‬حل‮ ‬مشكلة‮ ‬الطاقة‮ ‬الكهربائية‮ ‬في‮ ‬الريف‮ ‬والحضر‮.‬

‮❊ ‬مركز‮ ‬الدراسات‮ ‬والبحوث‮ ‬اليمني
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:06 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1297.htm