الإثنين, 28-ديسمبر-2009
الميثاق نت - شائف الحسيني شائف الحسيني -
وعند السؤال من سكن هذا الحي؟، ومن أجل ماذا شيد وما العبرة الثقافية للإشادة فيه؟، فإن المرء لايجد فيه ما يمسك وكان مرتبطاً بتطور المجتمع آنذاك حيث كان الشعب في الجنوب يعيش حول عدن في بيوت من الصفيح وفي حالة من البؤس والمعاناة التي لاحدود لها، بينما المستعمر ينعم بكل ملذات الحياة في ذلك الحي وغيره، ثم أن المتحدث -للأسف- لم يكن في ذلك الزمان النضالي قد خلق، فكيف يتغنى ويشيد ويطنب بما لم يلمسه ولم يره إذا لم تكن تلك سوى ثقافة الأزمة وأزمة المثقف وقد أنبرى شخص آخر ومكان آخر على نفس السياق ليقول على سطر الصحف كلاماً أكثر مرارةً وأشد خطراً على وحدة الشعب تحت عنوان »توضيح للحراك« قائلاً: »فقد كان الوضع في عهد بريطانيا أفضل من الآن وكنا نسميه احتلالاً، فماذا نسمي هذا الوضع الأسوأ وهل يعقل بأن نسميه وحدة وهو أسوأ من الاحتلال«.. ثم يضيف: »أن الصراع بين طرفين الشمال والجنوب‮ ‬وهذا‮ ‬قاعدة‮ ‬الحوار‮ ‬وأتمنى‮ ‬على‮ ‬الأخوة‮ ‬الذين‮ ‬يخافون‮ ‬الاصطفاف‮ ‬الشمالي‮ ‬ضد‮ ‬الجنوب‮ ‬أن‮ ‬يدركوا‮ ‬بأن‮ ‬ذلك‮ ‬موجوداً‮ ‬من‮ ‬الناحية‮ ‬الباطنية‮ ‬وان‮ ‬اظهاره‮ ‬هو‮ ‬قوة‮ ‬لنا‮ ‬وضعف‮ ‬لهم‮«.‬
ثم ينحدر بخطابه إلى المطالبة من جميع قبائل آل فضل بأن يباركوا هذه الخطوة السياسية الرائعة »الحراك والتي ستحافظ على وحدة آل فضل بكل تأكيد«.. (3) د. محمد حيدره مسدوس، توضيح للحراك مقال نشر في صحيفة »الوسط« العدد (261) الأربعاء 28 أكتوبر 2009م.
هذا هو جزء من خطاب صادر عن شخص كان فيما مضى مناضلاً أممياً جسوراً في الجبهة القومية يدعو لوحدة اليمن ووحدة العالم كله، هو الآن بدلاً من أن يزرع الورود في طريق هذا الجيل والأجيال القادمة ويقدم رؤية وطنية لحل الخلافات والمشاكل القائمة كمناضل وطني معروف إذا به يقوم عبر هذا التفكير بغرس شتلات الحروب والفتن بشكل مثير ولا أخلاقي أيضاً، ولا يهمه بعد أن يغادر الحياة من سيبقى ومن سيموت.. هذه هي ثقافة الكراهية وإلاّ لو لم تكن هذه الكراهية لكان حل المشاكل تحت سقف الوطن الواحد أمراً ممكناً وعملياً ومنطقياً ومعقولاً خاصةً وهذا القيادي الكبير يعلم أن الجنوب من أقصاه إلى أقصاه كان مشيخات وسلطنات لايزال البعض يحلم بالماضي ويسعى جاهداً إليه فهو بهذه الدعوة يمزق الوطن الواحد وهو يبدأ بالجنوب قبل الشمال وماذا يقول المرء في هذا التناقض بين فكر الاستنارة في الماضي وماهو حاصل اليوم‮ ‬من‮ ‬ظلامية‮ ‬سوى‮ ‬ما‮ ‬قاله‮ ‬الشاعر‮: ‬
يتمنى‮ ‬المرء‮ ‬في‮ ‬الصيف‮ ‬الشتاء
فإذا‮ ‬جاء‮ ‬الشتاء‮ ‬أنكره
ليس‮ ‬يرضي‮ ‬المرء‮ ‬حال‮ ‬واحد
قتل‮ ‬الإنسان‮ ‬ما‮ ‬أكفره
لقد أبرزت الأزمة الأخيرة خطاباً لايليق بمثقفين يحملون في عقولهم أفكاراً مناطقية وتمزيقية وماضوية لتعبئة الناس بالحقد والضغينة ضد بعضهم البعض عبر هذا التفكير المتدني الذي شمل اتجاهات ومشارب فكرية مختلفة ومتناقضة تسير على هذا النسق من التفكير الظلامي وإلاّ ماذا يعني أن نسمع ونرى اليوم كيف تحول شخص يؤمن بالعالمية الإسلامية وكان زعيماً فيها إلى مطالب ملحاح بالانفصال بهدف إقامة سلطنة على جزء من المجزأ، إذا لم يكن ذلك فلماذا اضاع فكرة الوحدة الإسلامية وأبدلها بالتجزء على هذا النحو المشين..
وكيف‮ ‬أن‮ ‬لشاعر‮ ‬يدفع‮ ‬ليقول‮ ‬شعراً‮ ‬متفاخراً‮ ‬في‮ ‬يوم‮ ‬المصالحة‮ ‬الجنوبية‮..‬
باقولها‮ ‬من‮ ‬صدق‮ ‬يحنق‮ ‬من‮ ‬حنق
لازم‮ ‬براميل‮ ‬الشريجة‮ ‬يرجعين
إن‮ ‬جاءت‮ ‬بريطانيا‮ ‬رحبنا‮ ‬بها
وإن‮ ‬جاء‮ ‬اليهودي‮ ‬مرحب‮ ‬به‮ ‬مرتين
وإذا‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬ثقافة‮ ‬المأزومين‮ ‬وصراخ‮ ‬المجانين‮ ‬وطموح‮ ‬السلاطين‮ ‬فماذا‮ ‬تسمى‮ ‬إذاً؟
وهؤلاء المتمصلحون من أعداء الشعب اليمني الواحد ومفرقون وحدته يدعون لذلك في ظل مايتبجحون به عن ثقافة التسامح والإخاء في جزء من الوطن مرددين الآيات القرآنية: »إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون« صدق الله العظيم.
‮»‬ولتكن‮ ‬منكم‮ ‬أمة‮ ‬يدعون‮ ‬إلى‮ ‬الخير‮ ‬ويأمرون‮ ‬بالمعروف‮ ‬وينهون‮ ‬عن‮ ‬المنكر‮ ‬وأولئك‮ ‬هم‮ ‬المفلحون‮« ‬صدق‮ ‬الله‮ ‬العظيم‮..‬
هذه عناوين لمصالحة سميت الجنوبية ولكنها لم تصدق مع مضامين الآيات القرآنية ولن تكن صادقة لا مع الجنوب ولا مع الجنوبيين لأن الذين رفعوها يخالفون أوامر الله في الصلح فكيف تتصالح هنا لإثارة فتنة هناك؟ الصلح أمر جيد ولكن لأجل الوطن كله »إنما المؤمنون إخوة« شاملة‮ ‬على‮ ‬عموم‮ ‬المسلمين‮ ‬والمؤمنين‮ ‬وليس‮ ‬على‮ ‬نفر‮ ‬منهم‮ »‬لاخير‮ ‬في‮ ‬كثير‮ ‬من‮ ‬نجواهم‮ ‬إلاّ‮ ‬من‮ ‬أمر‮ ‬بصدقة‮ ‬أو‮ ‬معروف‮ ‬أو‮ ‬إصلاح‮ ‬بين‮ ‬الناس‮ ‬ومن‮ ‬يفعل‮ ‬ذلك‮ ‬مرضاة‮ ‬الله‮ ‬فسوف‮ ‬نؤتيه‮ ‬أجراً‮ ‬عظيماً‮« ‬النساء‮ (‬114‮).‬
وقال‮ ‬رسول‮ ‬الله‮ ‬صلى‮ ‬الله‮ ‬وسلم‮ ‬عليه‮ »‬ألا‮ ‬أخبركم‮ ‬بأفضل‮ ‬من‮ ‬درجة‮ ‬الصلاة‮ ‬والصيام‮ ‬والصدقة‮ ‬قالوا‮ ‬بلى‮ ‬يارسول‮ ‬الله‮ ‬قال‮: ‬إصلاح‮ ‬ذات‮ ‬البين‮« ‬رواه‮ ‬الترمذي‮.‬
لذلك فسرت كل الأمور على عكس ماهي عليه الآيات القرآنية والتراث والتاريخ فاستخدم الدين هنا كغطاء لإثارة فتنة هناك واستخدم الدين وسيلة غير مشروعة وتفسيرات مغلوطة فلم تكن تلك الدعوة نابعة من عقول تعرف المعاني القرآنية التي هي موجهة لجميع الناس وليس لنفر منهم »واتقوا‮ ‬فتنة‮ ‬لاتصيب‮ ‬الذين‮ ‬ظلموا‮ ‬منكم‮ ‬خاصة‮ ‬واعلموا‮ ‬أن‮ ‬الله‮ ‬شديد‮ ‬العقاب‮« ‬الأنفال‮ (‬25‮).‬
وما يؤسف له أن الدين والثقافة هنا التي عنوانها الوحدة والإخاء والترابط والمحبة توظف في غير محلها فهؤلاء الذين يمتدحون الاستعمار اليوم ويدعون إلى إعادة تشطير الوطن قد تناسوا تضحيات أبناء الجنوب من أجل التحرر وإزالة الظلم الذي عم أرجاء البلاد وجعل من الجنوب سلطنات مغلقة بعضها ضد بعض يعمها الفقر والبؤس، ويخدعون الشباب اليوم ممن لم يروا بؤس المراحل الماضية وماكانت عليه الأوضاع في مغالطة تاريخية أوصلت هؤلاء إلى الإشادة بالمستعمر والسلاطين وهي حالة استثنائىة لم يسبقهم إليها أحد من الناس في العالمين العربي والإسلامي‮..‬
فإذا كان ذلك العهد عهد رخاء ويتباكون عليه فلماذا ثار شعب الجنوب ضده وقدم التضحيات تلو التضحيات حتى نال الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، ولماذا لم يتذكروا أولئك الأبطال وتلك البطولات التي تحولت مهجلاً شعبياً يردده البدو والحضر تفاخراً وتمجيداً بأولئك الأبطال الذين‮ ‬سقطوا‮ ‬في‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬عدن‮ ‬عندما‮ ‬جاء‮ ‬المستعمر‮ ‬لاحتلالها‮ ‬عام‮ ‬1839م‮.. ‬
‮»‬يا‮ ‬عزيبي‮ ‬وسلامي
‮ ‬ويا‮ ‬أهل‮ ‬البان‮..‬
كلٌ‮ ‬حيثه‮ ‬ولا‮ ‬مخلوق‮ ‬يتقدم
لما‮ ‬قد‮ ‬النار‮ ‬تشعل‮ ‬من‮ ‬جبل‮ ‬شمسان‮« (‬4‮) ‬د‮. ‬سلطان‮ ‬بن‮ ‬محمد‮ ‬القاسمي،‮ »‬الاحتلال‮ ‬البريطاني‮ ‬لعدن‮ ‬صـ350،‮ ‬طبعة‮ ‬أولى‮ ‬1991م‮«.‬
بدلاً من ذكر ميزات المستعمر الذي حرم الشعب أبسط حقوقه في التعليم والصحة والعمل والأرض، وللتأكيد على الافتراءات التي يروجها البعض ويزيف التاريخ وينشر الأباطيل والمغالطات وجر الشباب إلى متاهات لا طائل من ورائها، ويجدر بنا التذكير هنا ببعض ما نشر عن صحفية عربية وكاتبة مرموقة عند زيارتها إلى عدن والجنوب في يناير 1973م كصحفية تستطلع مجريات هذه الثورة العظيمة وما حققته من انجاز وطني في الاستقلال والتحرر من الاستعمار، استقبلت في مطار عدن من قبل وزارة الإعلام آنذاك وكان اسم الذي استقبلها ورافقها -وكررت ذكر اسمه- هو »فضل« الذي وصفته بأنه أحد مناضلي الجبهة القومية والذي يتميز بالنقاء الثوري وحب الوطن وأنه -كما وصفته- يتألم من المعاناة التي يعيشها الشعب ومن مخلفات الاستعمار والسلاطين فتقول: »ونحن في السيارة من مطار عدن إلى فندق »كرستيان« كان فضل صامتاً لم يفتح فمه إلاّ حين اقتربت السيارة من شارع تبدو فيه بيوت التنك والفقر المروع قائمة خلف بيوت عصرية حديثة وبدت الأبنية الحديثة في هذا الإطار الكثيف من الفقر الذي لم أرى لمظاهره مثيلاً.. قال فضل بحرارة: »هذه الأبنية كانت قبل الثورة للانجليز ولعملائهم وخلفها يعيش شعبي كما ترين‮«.. (‬5‮) ‬صـ126‮ ‬غادة‮ ‬السمان‮.. ‬رحيل‮ ‬المرافي‮ ‬القديمة‮- ‬الساعتان‮ ‬والغراب‮- ‬طبعة‮ ‬خامسة‮ ‬بيروت‮ ‬1983م‮.‬
»ونحن نسير بالسيارة خارج عدن بصعوبة شديدة قال فضل: الاستعمار لم يكلف نفسه عناء شق طريق واحدة بين عدن وبقية المحافظات، مايزال الناس في الريف ينظرون إلى السيارة على أنها دابة«.. (6) صـ132،133- نفسه.
»وتوغلنا في الريف وكف فضل عن إلقاء محاضراته وبدا شارداً وكئيباً ووصلنا إلى أبين كل المشاهد التي تطالعنا في الريف أطفال حفاة وشبه عراة يركضون وسط الطبيعة عزلاً كبقية كائناتها«.. (7) نفسه صـ133 .
‮»‬بؤس‮ ‬لا‮ ‬حد‮ ‬له‮ ‬تذكرت‮ ‬بحقد‮ ‬وأنا‮ ‬أرقب‮ ‬الأطفال‮ ‬العراة‮ ‬وأجسادهم‮ ‬النحيلة‮ ‬كعصافير‮ ‬الشتاء‮ ‬الجائعة‮ ‬تذكرت‮ ‬الكلاب‮ ‬السمينة‮ ‬المدللة‮ ‬في‮ ‬جنيف‮ ‬المربوطة‮ ‬أمام‮ ‬دكاكين‮ ‬باعة‮ ‬اللحوم‮«.. (‬8‮) ‬صـ134‮ ‬نفسه‮.‬
‮»‬خرجت‮ ‬من‮ ‬متحف‮ ‬كريتر،‮ ‬لاحظت‮ ‬أن‮ ‬تماثيلها‮ ‬كلها‮ ‬ترتدي‮ ‬الأحذية‮ ‬وتذكرت‮ ‬الحفاة‮ ‬في‮ ‬شوارع‮ ‬عدن‮ ‬وحزنت‮« (‬9‮) ‬صـ136‮ ‬نفسه‮.‬
»وأخيراً بدت لحج غارقة في الرمال فيها حزن صخري جاف وأعمدة من الغبار المضاء، تنتصب بين أزقتها الشمس... وشعرت بدوار وبدأت الأشياء تهتز، الدكاكين الصغيرة الفقيرة والأقمشة المعروضة والزنانير الجلدية الحاملة للرصاص وصور عبدالناصر المعلقة خلف أغصان القات الأخضر والعنزات كنت أتعثر بها، وانحرفنا عن الطريق العام إلى الأزقة الأكثر فقراً من الفقر وطاردونا بعض الأطفال وكانوا فرحين برؤية فضل وسألهم السائق كيف تعرفوا عليه قال أحدهم ساخراً منا شفناه »بالدرزان«، التلفزيون..
‮»‬طفلة‮ ‬صرخت‮ ‬وهي‮ ‬تتأمل‮ ‬ثيابي‮ ‬بدهشة‮ (‬ياسين‮ ‬علينا‮) ‬فتبع‮ ‬الأطفال‮ ‬ورددوا‮ ‬ياسين‮ ‬علينا‮« (‬10‮) ‬صـ141،142‮ ‬نفسه‮.‬
إن هؤلاء- جميعهم- العائدون إلى الماضي لمواجهة مشاكل الحاضر مثلهم مثل ذلك الأحمق الذي جدع أنفه نكاية بوجهه.. أو أنما يحصل في حاضرنا هو كما قال عنه ذات مرة وفي موضوع آخر الدكتور ياسين سعيد نعمان رعاه الله ويعطيه الصحة وطول العمر »إننا نتألم للواقع المؤلم الذي‮ ‬أصبح‮ ‬ينتج‮ ‬هذه‮ ‬الثقافة‮ ‬القبيحة‮ ‬في‮ ‬بلد‮ ‬الحكمة‮ ‬والإيمان‮« (‬11‮) ‬صحيفة‮ »‬الثوري‮« ‬1998‭/‬4‭/‬16م‮.‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-13154.htm