د. علوي عبدالله طاهر - المال مال الله، والاغنياء مستخلفون فيه، وهم وكلاء الله في الأرض، ينفقون المال على أنفسهم وعلى من يعولون، وعلى مجتمعهم كي يرقى ويتطور بطريقة هادفة سليمة.
ومما لاشك فيه ان للغني حريته في التصرف بماله، ولكن هذه الحرية تنتهي عند اصطدامها بحرية الافراد والجماعة، فليس للغني الحق في أن يبعثر امواله على الشهوات والملذات، فهو ان فعل ذلك اعتبر في الاسلام من السفهاء، وعند ذلك يتدخل الشرع فيحجر عليه امتثالاً لقوله تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياماً" "النساء:5".
لقد اعتبر الاسلام في هذه الحالة المال مال المجتمع، ونسبه اليه، وذلك في قوله تعالى: "أموالكم التي جعل الله لكم قياماً" ولم يقل اموالهم.. واعتبر القرآن الكريم المبذرين اخوان الشياطين، وذلك في قوله تعالى: "ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا" "الاسراء:27".
وفرض الاسلام قيوداً في تصريف الاموال، وامر بمراجعة مال الغني كل عام لكي يؤخذ منها الزكاة حتى تنفق في المصارف المحددة شرعاً، لأنه بالزكاة يعين المؤسر المحتاج، ومنها يدفع القادر حاجة من لا يجد شيئاً.
وما دام الاسلام يعتبر المال في يد الاغنياء ليس إلاّ وديعة الله استخلفهم في حفظه وادارته وتوزيعه، فإنه قد رسم لهم طريقاً واضحة المعالم في انفاقه، قال تعالى: "آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" "الحديد:7"وقال في آية أخرى: »وآتوهم من مال الله الذي آتاكم« »النور:33".
ولذلك حارب القرآن في الانسان خلق الشح الذي يمنع من التراحم، والبذل ومساعدة الضعفاء، قال تعالى: »ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون« »الحشر:61".
والرسول الكريم يقول: "اياكم والشح فإنما اهلك به من كان قبلكم، امرهم بالقطيعة فقطعوا، وامرهم بالبخل فبخلوا، وامرهم بالفجور ففجروا".
وبمقدار ما يرغب القرآن الكريم في الانفاق ويبشر المنفقين بحسن العقبى عند الله، فإنه في الوقت نفسه يشدد النكير على الكانزين البخلاء الذين يظنون ان الدينا اعطيت لهم وحدهم، فإذا شبعوا لا يفكرون بجوع الجائعين.
واذا اكتسوا لا يخطر ببالهم معاناة العراة البائسين والمحرومين.. ولذلك فرضت الزكاة لتكون ركناً اساسياً من اركان الاسلام، لتقوي بها آصرة المحبة بين المسلمين، فإذا شاع هذا الركن في المجتمع الاسلامي زادت الألفة فيما بين الاغنياء والفقراء، واكتمل نسيج المجتمع.. ففي الزكاة تنتفي الفوارق الاجتماعية، وبها يقضى على البطالة.. غير ان الاسلوب المتبع في الوقت الراهن لاخراج الزكاة من شأنه اذا ما استمر ان يخلق فئات طفيلية غير منتجة، تعتمد على ما يأتيها من مال الزكاة عن طريق التسول والاستجداء، متخذة في ذلك وسائل شتى، لاستدرار عطف الناس ومن ذلك اتخاذ الاطفال وسيلة غير شريفة لخداع الناس، وقد يلجأ بعض من لا ضمائر لهم الى احداث اعاقات في الطفل لاستعطاف الناس.
وللخروج من هذا الاسلوب السائد في اخراج الزكاة نوصي اغنياء المجتمع بدعم المشروعات العامة التي يعود نفعها لصالح المجتمع، ودعم الجميعات الخيرية التي تقدم خدماتها للمحتاجين من ابناء المجتمع، والمساهمة في بناء المؤسسات التي تقدم خدمات لفقراء المجتمع، فلماذا لا يسهم الاغنياء في دعم المستشفيات ودور ايواء العجزة والمسنين؟
ولماذا لا يدعمون الجمعيات التي تحمي حقوق الاطفال وترعى مصالحهم؟ ولماذا لا يساندون الأسر المنتجة لتعتمد على نفسها في كسب لقمة عيشها بدلاً من انتظارها لأموال الزكاة والصدقات.. وقد جاء في الاثر "لئن تعلِّمني كيف اصطاد سمكة خير لي من ان تطعمني كل سمكة".
|