الإثنين, 18-يناير-2010
الميثاق نت -  جميل‮ ‬الجعدبي -
لم يعد مرغوباً من وزارة الداخلية- وأبصار العالم شاخصة نحو بلادنا- إعلان كل صغيرة وكبيرة ترتبط بوظيفة أجهزة الأمن ومهامها اليومية، وما قد يتعرض أداءها من حوادث تقع في كل زمان ومكان، ولا تقابل بهذا الصخب الإعلامي غير المسبوق الموجه نحو اليمن، مغلفاً باهتمام‮ ‬دولي‮ ‬مفاجئ،‮ ‬وصحوة‮ ‬مريبة‮ ‬لايجب‮ ‬الانسياق‮ ‬وراءها‮ ‬بحسن‮ ‬نية،‮ ‬ولا‮ ‬حتى‮ ‬استباق‮ ‬مراميها‮.‬
{ وليس من المنطق أن نتهم الآخرين وتحديداً وسائل الإعلام الخارجية بالمبالغة في تناول الأحداث الأمنية في بلادنا وتضخيمها، ونحن نعلن صبح مساء عن مصرع وإصابة (30) من عناصر القاعدة في معسكر للتدريب هنا.. و(34) في اجتماع هناك.. وضبط (4) في وكر هنا.. وملاحقة (6) في مخيم هناك.. وتضييق الخناق ورصد تحركات آخرين، وضبط لغم هنا وخلية نائمة هناك.. ونعلنها حرباً مفتوحة على مدار الساعة ضد عناصر القاعدة في الجبال والسهول والوديان والصحارى، ثم نتهم الآخرين بالمبالغة والتهويل من شأن تواجد القاعدة في اليمن..!!
{ يتوجب علينا بداية ترشيد خطابنا الإعلامي وتحديداً فيما يتصل بالجانب الأمني، طالما وأن أجهزة الأمن لاتقوم بملاحقة وضبط عناصر القاعدة بالنيابة عن أحد، ولسنا ملزمين بتقديم جرد يومي لأحد بنتائج حروبنا على مدار الساعة مع من يفترض ويشتبه أنهم «قاعدة».
ولا أعتقد أن جعل «المعركة مفتوحة» و«على مدار الساعة» إلى هذا الحد من التضخيم الرسمي كما لو أنه امتحان إجباري لإثبات تعاون حكومتنا مع شركاء مكافحة الإرهاب لمواجهة آفة عالمية عجزت عنها الدول العظمى في مناطق وتجارب سابقة، فمن شأن هذه الإعلانات المتتالية لضرب ومحاصرة وضبط وشل حركة عناصر القاعدة، خدمة هذا التنظيم الدولي من حيث لاندري، بتلقّي عناصره في اليمن دعماً لوجستياً، وما إعلان المدد والعون القادم من الصومال إلاّ مثال حي للنتائج السلبية للمبالغة في الشفافية لجهود مكافحة الإرهاب في بلادنا.
{ الإفراط في الاحتفاء بإعلانات التأييد والدعم الدولي القادم من واشنطن وبريطانيا والغرب بشكل عام لبلادنا حتى لو اقتصر على جانب المعلومات وتعزيز قدرات وحدات خفر السواحل ووحدات مكافحة الإرهاب يُخشى ان يجلب هو الآخر نتائج سلبية، يوحي في أخفها ضرراً كما لو أن اليمن تحارب القاعدة بالوكالة عن أمريكا وبريطانيا، وبالتالي يعزز أطروحات من يزعمون الجهاد ضد الكفرة، وليس بعيداً أن يساهم هذا الحشد المعنوي في خلق مناخ للتعاطف مع المستهدفين، وربما انخراط عناصر جديدة طواعية في صفوف «المجاهدين الجدد» خاصة في ظل ارتفاع معدل البطالة‮ ‬لدى‮ ‬أوساط‮ ‬الشباب،‮ ‬وبذلك‮ ‬نكون‮ ‬ساهمنا‮ ‬في‮ ‬تقوية‮ ‬شوكة‮ ‬التنظيم‮ ‬بدلاً‮ ‬من‮ ‬إضعافه‮..!‬
{ الشفافية التي تميزت بها وزارة الداخلية مؤخراً دون بقية الوزارات لاتبدو مستحبة في ظل تربُّص دولي بكل ما فيه من إساءة لليمن ونهش في الجسد الواحد والنسيج الاجتماعي، وتنفير للاستثمار وضرب السياحة، وإعاقة التنمية بشكل عام، فضحايا الألعاب النارية واستخدام السلاح، وضحايا حوادث المرور، وحوادث الثأر ونزاعات الأراضي، كفيلة لوحدها بتصوير البلاد وكأنها نهر من الدماء، وبيئة مرهقة لعزرائيل، فما بالنا وقد توسعت وامتدت جبهات المواجهات من صعدة شمالاً إلى شبوة شرقاً إلى باجل غرباً و«على مدار الساعة»..!!
{ فليس مطلوباً إذاً- في ظل تداعي قوى التطرف والقوى الاستعمارية- من موقع وزارة الداخلية على شبكة الانترنت تحديث أخباره على مدار الساعة بكل شاردة وواردة بجرائم القتل، ونزيف الدماء وأصوات الرصاص، ويكفي للإشادة بالقائمين عليه ما يقدم من خدمات متعلقة بمصالح الناس‮ «‬جوازات،‮ ‬أحوال‮ ‬مدنية،‮ ‬مرور‮.. ‬الخ‮» ‬أسوةً‮ ‬بمواقع‮ ‬وزارات‮ ‬الداخلية‮ ‬في‮ ‬دول‮ ‬الجوار‮ ‬والدول‮ ‬العربية،‮ ‬وذلك‮ ‬حتى‮ ‬لاتسيئ‮ ‬إلى‮ ‬بلادنا‮ ‬بدون‮ ‬قصد‮ ‬بالمساهمة‮ ‬في‮ ‬رسم‮ ‬صورة‮ ‬وانطباع‮ ‬سيئ‮ ‬يراد‮ ‬تكوينه‮ ‬عن‮ ‬اليمن‮.‬
{ وإذا كنا اليوم ننفي عن بلادنا تهمة أن تكون «ملاذاً آمناً للإرهاب» بهذا الصخب والإسهاب في إعلان تفاصيل التفاصيل، كإعلان ضبط من قام بإسعاف جرحى عمليات المواجهة مع عنصر في القاعدة، بنفس التهمة والاشتباه في من عالجهم، وربما نعلن غداً القبض على من زارهم إلى المستشفى وكله إلى ظهر «القاعدة».. فإن ما نخشاه مستقبلاً- في ظل مجتمع تقليدي مترابط- ان نجد أنفسنا ملزمين بإعلان فتح المواجهات مع المجتمع بأسره على ذمة نفس التهمة، وسنحتاج سنوات لنفي تهمة أن تكون بلادنا «بيئة ملائمة لتدريب عناصر القاعدة».. وبعدها نواجه تهمة «مناخ مناسب لتصنيع متفجرات القاعدة»، وغيرها من التهم التي لن تنتهي ولن نستطيع نفيها عن بلادنا، بقدر ما سنتقن طوال هذه الفترة، وبهذا الصخب والجنان الحاصل، رسم أسوأ صورة مغلوطة عن اليمن بتهويلنا من الداخل..!!

jadaby500@hotmail‭.‬com
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-13525.htm