د. عبدالعزيز المقالح -
من تكرار القول ونافله، الحديث عن القتل والبطش المستمرين على الفلسطينيين وارتفاع وتيرة العدوان الصهيوني الوحشي عليهم في شهر رمضان، وما في ذلك من تحد سافر لمشاعر المسلمين واحتقار لوحدة المشاعر التي تمثلت في الصوم وما يفرضه من تضحيات ويحض عليه من تعاون ومشاركة لا في تخفيف معاناة الجياع والمحرومين فحسب وإنما في رد الظلم والقهر عن الأبرياء الذين يتعرضون صباح مساء للقتل والترويع والدمار دون توقف ولاخوف من رادع دولي أو عربي أو إسلامي أو إنساني.. واللافت والمثير أن الصمت هو كل ما جاد به شهر الصوم تجاه مايحدث في فلسطين، على امتداد الأرض الإسلامية التي التزمت الصوم والصمت وأقامت حاجزاً بين ظاهر الفريضة وباطنها.
لقد نسي المسلمون أو تناسوا أن أولى معارك المسلمين، معركة بدر، كانت في مثل هذه الأيام، وفي الأجواء الرمضانية الموحية بالزهد والتقشف والاستعداد للتضحية.. وأكبر الظن ان الفرائض الدينية صارت لدى الغالبية من المسلمين ضرباً من المحاكاة والتقليد ولم تعد كما كانت وكما ينبغي أن تكون تعبيراً عن شعور داخلي حي يدفع إلى التفاعل الصادق مع كل مايهم الأمة الإسلامية وما يتعرض له أبناؤها أو تتعرض له مقدساتها، ولو لم يكن ذلك هو الحال لما كان هذا الصمت ولما خفتت أصوات الاستنكار وهي أضعف الإيمان عن إدانة الأعمال الوحشية المتواصلة في غزة والضفة على أيدي أبناء قتلة الأنبياء وبمباركة واضحة من البيت الأبيض الذي لم يعد الحاكمون فيه يتحرجون من أن تظهر أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء لكي تشهد لهم الصهيونية بحسن السيرة والسلوك.
لقد كان الأشقاء في فلسطين- قبل دخول رمضان بشهور وأيام- يتعرضون لحصار قاسٍ وقاتل وكانوا يواصلون معه صومهم الإجباري قبل أن يهل شهر صوم الفريضة، ثم زادت سطوة هذا الحصار وقسوته مع بدء رمضان، فما الذي فعلته الدول العربية والإسلامية، وما الذي فعلته الأحزاب والمنظمات العربية والإسلامية؟ وأين اختفت الأصوات العالية التي كان لها في مثل هذه المناسبات صولات وجولات؟ إن الأوضاع- كما قرأنا واستمعنا- من تقارير المراقبين الدوليين تنذر بأسوأ الاحتمالات، وزاد الطين بله أن الأنظمة العربية التي تقيم أحسن العلاقات مع الكيان الصهيوني لم تتقدم خطوة واحدة نحو إنهاء هذه العلاقات أو التهديد بإنهائها للتخفيف من الضغوط القاسية على شعب طالت معاناته وأشتد به البلاء كما لم يحدث من قبل.
لقد صدرت- قبل شهر الصوم- عن الكيان الصهيوني، كما صدرت عن البيت الأبيض إشارات توحي بقيام انتفاضات غاضبة على مستوى الوطن العربي تعاطفاً مع مايحدث في فلسطين والعراق، وكانت لهم في »تل أبيب« وفي »واشنطن« حساباتهم وتخوفاتهم، لكن هاهو شهر الصوم يقترب من نهايته والشوارع العربية والإسلامية خالية إلاَّ من المتسكعين والشباب الطائش الذي يعاكس المتسوقات ويبدد طاقته وحيويته في الجري على الأقدام من شارع إلى آخر ومن ميدان إلى آخر، وكلما زادت الصورة بؤساً ووحشية في كل من فلسطين والعراق اكتفى الشارع العربي والإسلامي بالتزام مزيد من الصوم والصمت.
وحتى لاتصل بنا الكلمات إلى قاع اليأس وتتجه سهام النقد والتجريح للواقع العربي والإسلامي إلى مالانريد، ينبغي إمعان النظر في الصورة المشرفة للمقاومتين الفلسطينية والعراقية وما تسفران عنه كل يوم من معارك هي وحدها الكفيلة بهزيمة كل مخطط من شأنه أن يوهم أعداء الأمة والممعنين في إذلالها، انه ليس هناك جزء في الوطن العربي يمكن أن يصبح لقمة سائغة أو مكاناً آمناً للغزاة أو للاحتلال الاستيطاني.