الميثاق نت - فيصل جلول- الميثاق نت

الخميس, 28-يناير-2010
فيصل جلول -
حسناً فعل السفير البريطاني في صنعاء عندما أكد أن بلاده خرجت من اليمن بدون رجعة وان عصر الاستعمار انتهى، وحسناً فعل عندما قال: إن هدف بلاده في مؤتمر لندن هو العمل على أجندة يقترحها اليمنيون والمشاركون في المؤتمر، يبقى الالتزام بهذا النوع من الاقوال رهناً بما يقرره المؤتمر الذي صار دعاته والمشاركون فيه على علم بوجوب اتخاذ قرارات تحت سقف التأكيدات المذكورة.
من جهة ثانية ربما على اليمنيين أن يطرحوا أمام الدول المانحة ما طرحوه قبل سنوات من امكانية الاشراف على تنفيذ المشاريع بوسائلهم الخاصة وعليه يصبح بوسع الطرف المعني ان يتولى مشروعاً تنموياً ويتابع تنفيذه أو يتحقق من انجازه بالشروط المنطوية في عقد المنحة وبهذه الطريقة يمكن لتراكم المشاريع المنجزة بعيداً عن الفساد أن يفيد قطاعاً واسعاً من السكان تحت سقف السيادة اليمنية، ولابد من التشديد على هذه النقطة لان الشعب اليمني بكافة مكوناته لا يرضى بانتهاك سيادة بلاده تحت هذه الذريعة أو تلك.
واذا كانت التنمية في اليمن توفر حلاً للعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب اليمني فهي لا تنطوي على حلٍّ سحري لمشكلة "الارهاب" كما يعتقد العديد من المحللين والدارسين الأجانب، وربما على مؤتمر لندن أن يقارب هذه الظاهرة بالنظر إلى جذورها المعقدة وعناصرها المركبة ومن بينها الشعور الشامل لدى العرب والمسلمين بأن ما يسمى ب"المجتمع الدولي" لا يقيم وزناً لقضاياهم ومطالبهم ويوفر الدعم والحماية المطلقة لاسرائيل ويعينها على انتهاك الحقوق الفلسطينية والعربية، واذا كان "الارهابيون" يستخدمون الوسائل الخاطئة في الرد على هذا الظلم فإن هذا لاينفي الظلم ولا يحجب بيئة الغضب التي تتسع يوماً بعد يوم في بلداننا.
موجز القول: إن القرارات التي تخرج من مؤتمر لندن تكون مفيدة بقدر ما تحترم مشاعر اليمنيين وتتعاطى معهم بوصفهم شركاء كما قال السفير البريطاني وتحترم سيادتهم الوطنية على اراضيهم وتبتعد عن الغطرسة، واذ يعترف السفير البريطاني بوجود مشاكل مضرة للطرفين اليمني والدولي فإن الضرر المشترك يستدعي حلولاً مشتركة وقرارات متناسبة بعيدة عن الاملاءات ومنطق افعل كذا ولاتفعل كذا.. ألم يقل السفير ان عصر الاستعمار قد ولى؟
الجاذبية التركية
يرحب الرأي العام العربي يوماً بعد يوم بالصراخ التركي في مواجهة الكيان الصهيوني، وتزداد شعبية رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في كل مرة ينهر فيها ممثلاً اسرائيلياً في ملتقى دولي أو يؤنب مسؤلاً آخر إثر ضربات عسكرية في غزة أو يطلب اعتذاراً صهيونياً علنياً جراء اهانة لحقت بسفيره لدى "الكيان" أو يحذر من التعرض العسكري لإيران، ويتصاعد التأييد العربي لتركيا عندما تتقارب مع سوريا وتلغي التأشيرات لمواطني عدد من الدول العربية أو عندما تقول: لا لغزو عسكري جديد في الشرق الاوسط وتمانع الدولة الأعظم في العالم في عدد من القضايا المتصلة بالمنطقة جريا على موقفها من الحرب على العراق عام 2003.
وتشهد تركيا تظاهرات اقليمية مؤيدة للقضية الفلسطينية شأن "مؤتمر القدس الدولي" الذي عُقد قبل ثلاث سنوات في اسطنبول، وتنتج القطاعات الفنية في هذا البلد أعمالاً جريئة مناهضة للدولة العبرية وتلغي حكومة اردوغان مناورات عسكرية مع الكيان الصهيوني وتستبدلها بأخرى مع سوريا ولا ينحصر الصراخ التركي في الدفاع عن القضية الفلسطينية فهو يطال أيضاً العراق، حيث يصر الأتراك على وحدة اراضي هذا البلد ورفض الانفصال الكردي ويعبرون عن تأييدهم المطلق للوحدة اليمنية ويناهضون الانتهاكات الاسرائيلية للاراضي اللبنانية ...الخ، كل ذلك يلهب الرأي العام العربي الذي صار اشبه بالصبية المغرمة التي تقول لشريكها في لحظة تجل: يمكنك الآن أن تقول لي أي شيء فاصدقه دون تحفظ أو شك.
والملفت في هذا المسار السياسي الطاريء أنه طوى خلال فترة زمنية قصيرة صفحات أليمة ظلت مفتوحة لعقود طويلة بين العرب والأتراك وهي مستمدة من مخلفات السلطنة العثمانية ومن الحرب العالمية الأولى والغاء الخلافة الاسلامية وما تخللها من دعاوى التتريك والعلمنة والرد عليها بسياسات التعريب والتشدد القومي العربي وما رافقها من خلافات حدودية ومائية مع سوريا والعراق.
والثابت في هذا المسار التركي أنه ليس مبنياً على قطيعة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ولا يرمي إلى قطع العلاقات مع اسرائيل ولا يعني كما يزعم البعض أن انقرة شرعت ظهرها لأوروبا أو أنها ترد على العقبات التي تعترض اندماجها الاوروبي بالاندماج الشرق اوسطي. ولا يمكن ربطه جوهرياً وحصرياً بالتيار الاسلامي الناهض في هذا البلد رغم اهمية الاسلاميين وجرأتهم وحيويتهم في انتهاج سياسة خارجية قومية تصالحية مع المحيط التركي المفتوح على فضاءات استراتيجية عديدة ومتنوعة ومهارتهم في الدفاع عن مصالح بلادهم حيثما تكون وبالوسائل المناسبة لهم.
وينسى الذين يتحدثون عن انتقال السياسة الخارجية التركية من التحالف الوثيق مع الغرب إلى الشرق الأوسط أن انقرة مابرحت عضواً فاعلاً ومؤسساً للحلف الاطلسي وأنها جزء لا يتجزأ من هذا الحلف الذي يدير الحرب في افغانستان وتشترك في القوات الدولية في لبنان ذات الغالبية الأطلسية وهي ملتزمة بالسقف الاطلسي الذي يحكم علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب، ولا ينتبه هؤلاء إلى أن الانفتاح التركي على العالم العربي هو جزء من انفتاح أكبر يطال المحيط التركي برمته من روسيا على البحر الاسود إلى إيران وبلغاريا وجورجيا واذربيجان وارمينيا وقبرص واليونان.
والواضح أن الجاذبية التي تتمتع بها تركيا لدى الرأي العام العربي ناجمة ايضاً عن تلكؤ الدول العربية عن الاضطلاع بالقضايا العربية المركزية وضعف ارادتها في مواجهة التحديات التي تواجه العرب، فعندما يغيب المحور العربي من الطبيعي ان يحضر غيره وعندما تتخاذل الجامعة العربية وتمتنع عن سحب مبادرة السلام بعد طول اهمال واهانة اسرائيلية فمن الطبيعي ان تتحول مشاعر الرأي العام العربي نحو طرف مسلم يجرؤ على الصراخ بوجه الغطرسة الاسرائيلية ويقول لقادة اسرائيل ما لا يجرؤ بعض العرب على قوله.
ربما على العرب المهتمين بصعود الدور التركي في فضائهم وفي فضاءات اقليمية اخرى ان يدركوا ان هذا الدور بني طوبة طوبة على الشراكة مع اصحاب القرار في هذا العالم وليس على التبعية لهم، فالشريك وليس التابع يمكنه ان يقول لصاحب القرار أريد هذا ولا اريد ذاك هنا مصالحي وهنا مصالحك، ولكل الحق بالدفاع عما يخصه، ويمكن للشريك وليس التابع الصراخ بوجه القوي من موقع الند ويرسم له الحدود بين ما ينبغي وما لاينبغي. والشريك وحده يمكنه ان يحمي مصالحه وأمنه ومستقبل شعبه في عالم تسوده الذئاب.
قبل خمسة قرون تولى الاتراك شؤون العالم الاسلامي ومن ضمنه العالم العربي، وقد تم لهم الامر بعد قصور العرب عن تولي شؤونهم وايكالها لمماليكهم، وها هم الاتراك بعد خمسة قرون يرفعون صوتهم عالياً بعد احتلال العراق وتمادي الصهاينة في اهانتنا والعبث في منطقتنا ويقولون لمن يرغب: الشرق الاوسط ما كان ولن يكون فضاءً مشرعاً الى ما لانهاية للعربدة الصهيونية.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-13702.htm