نبيل عبدالرب -
مع تقديري لحساسية وجود رأي مخالف تجاه رفع الدعم الجزئي مؤخرا عن المشتقات النفطية، بل وربما فتحه شقا في جدار سد وراءه سيل جارف من الشتائم مكبوتة لدى البعض.. فإنني وجدت نفسي مدفوعاً للإدلاء برأي ربما بسبب غثيان من تسييس مبالغ فيه لهكذا مسألة.
وأتفهم كم وعمق الانفعالات لدى ذوي الدخل المحدود- وأنا منهم- عندما تلامس السياسات العامة لقمة العيش. وبذات الوقت أؤمن بالحاجة الماسة للموضوعية وإعمال العقل في ظروف تبدو غير طبيعية.
دعونا من السياسيين ومكايداتهم واستعدادهم لاستخدم أي شيء في معاركهم المفتعلة بما في ذلك استغلال قوت الناس حطبا في تلك المعارك، ووضع كل طرف للوطن في لفافة خاصة.
لا ينكر عاقل الأثر الاجتماعي لرفع الدعم عن المشتقات النفطية لناحية ارتفاع أجور النقل والتأثير في كثير من السلع برفع أسعارها كون النفط مُدخلا لعديد منتجات بينها المحاصيل الزراعية. وانسحاب ذلك على اتساع رقعة الفقر، وما يفرزه من مشاكل اجتماعية أخرى.
والسؤال المطروح هو: هل ستتغير الصورة خلال المدى المنظور إذا لم يتم رفع الدعم؟
ما يبدو من خلال المؤشرات الاقتصادية الحالية أن الصورة قد تكون أسوأ، وأن جرعة رفع الدعم حقنة مؤلمة الآن، غير أنها ضرورة لعلاج جسم اقتصادي يترهل ولا يبعد عن الانهيار إلا خطوات قليلة.
وبالنسبة للنفط تحديداً بلغ ما التهمه دعم المشتقات النفطية خلال خمس سنوات بدءاً من 2004م ما يقارب تريليوني ريال، أي ما يعادل عشرة مليارات دولار وهو مبلغ يفوق مخصصات مؤتمر لندن الأول بشأن اليمن، ويكفي لحل مشكلات تنموية أساسية في البلد. وما يزيد الطين بله أن فئة محدودة من سماسرة النفط استولوا على نسبة كبيرة من دعم المشتقات النفطية عبر التهريب. حسب تصريحات رسمية.
ومن سوء حظ البلد أن ميزانيتها تعتمد في إيراداتها على النفط بنسبة تتراوح بين 65% الى 70%، ويمثل 90% من صادراتها. ما يعني أن النفط يمثل عنصراً أساسيا في تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات (صادرات وإيرادات الدولة من السلع والخدمات مع الخارج) وبالتالي توفير عائداته لاحتياطي نقدي من العملة الصعبة.
وفي ظل تراجع الإنتاج النفطي توازيا مع عدم التنمية المخططة للموارد غير النفطية وازدياد الاستهلاك المحلي للنفط تتواتر التوقعات الاقتصادية بأن يصبح النفط اليمني سلعة غير قابلة للتصدير خلال سنوات معدودة قادمة.
وكل هذا يعني بلغة الاقتصاديين اختلال في ميزان المدفوعات لصالح الواردات مقارنة بالصادرات، ينعكس على تقلص الاحتياطات النقدية من العملة الصعبة ومن ثم عدم قدرة البنك المركزي على التحكم في سعر الريال، وانحدار قوته الشرائية وبلفظ آخر ارتفاع جنوني للأسعار سيذهب بمعظم اليمنيين الى خانة الفقر المدقع وما يترتب عليه من تداعيات مدمرة وكارثية تصير مقارنتها بآثار رفع الدعم مقارنة ظالمة.
وحتى يكون المرء منصفا فإن الحكومة ينبغي ألا تكتفي برفع الدعم فقط كإجراء إرضائي للبنك والصندوق الدوليين، والدول المانحة، بل إنها مطالبة أولا بإصلاحات إدارية حقيقية تستوعب المال المتحصل من رفع الدعم في رفد شبكة الضمان الاجتماعي بمبالغ تسد حاجات الفقراء الأساسية تخفيفا للآثار الاجتماعية المتوقعة، مع إعادة النظر في الأفراد والعائلات المستحقة للضمان بطرد خطاف الخبز من أفواه الفقراء. الى جانب زيادة مخصصات التنمية واستخدامها في القطاعات الواعدة والبنية التحتية. وقبل هذا وذاك تملك الإرادة والجدية والجرأة للدخول في مغامرة قطع أيدي الفاسدين الممدودة دائما، وهي مغامرة لا تقل ضرورة عن رفع الدعم.