ناجي عبدالله الحرازي -
تابعت بشغف ماكتب عن مؤتمر أو إجتماع لندن حول اليمن والذي إستضافته الحكومة البريطانية أواخر الشهر الماضي ، وقد أدهشنى الكثير مما تضمنته المقالات التي كتبها بعض الأساتذة والزملاء ممن تابعوا من بعيد أو عن قرب (من لندن) أعمال أو تفاصيل ذلك اللقاء القصير المثير
ومن بين تلك المقالات أدهشتني متابعة الأخ العزيز العميد الركن على حسن الشاطر رئيس تحرير الغراء "26 سبتمبر" في مقاله المنشور في موقع الصحيفة يوم الثلاثاء التاسع من فبراير الجاري .
العزيز الشاطر ، وهو أسم على مسمى – بشهادة جميع من تتلمذوا على يده – ومنهم العبدلله – أو رافقوه في مسيرته الإعلامية – أثبت بما لايقبل الشك أنه خبير لا يشق له غبار وهو يتابع كل ما يتعلق بالشأن اليمني في الداخل أو في أي مكان من العالم.
فهاهو في مقاله المذكور يدرك أهمية ذلك الحدث ، أهميته بالنسبة لجيراننا وشركائنا في التاريخ والحاضر والمصير ، وأهميته بالنسبة لأصدقائنا في أنحاء العالم .
ويدرك أيضا ما يجب علينا – الطرف اليمني - القيام به في المرحلة المقبلة
فلقد توصل إلى نتيجة مفادها أن مؤتمر لندن جسد حقيقة الشعور بالمسؤولية الإقليمية والدولية إزاء الأوضاع اليمنية وإزاء الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي؛ وأن هذه المسؤولية نابعة من واقع اقتناعهم بطبيعة الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية التي تربطهم باليمن، وبعدم السماح أو القبول بأي تدهور أو انحدار نحو مرحلة الفشل والانهيار الذي يمثل في حساباتهم المستقبلية ما يشبه انفجار برميل من البارود تحت بحيرة النفط الدولية وقنوات وخطوط نقله إلى العالم ..
كما إستنتج أن مؤتمر لندن لفت نظر العالم إلى حقيقة الأوضاع اليمنية المعقدة ، ووضع تصورا لبحث وتحليل مصادرها وأسبابها الحقيقية وضرورة معالجتها ، مع إقراره بصوابية الخيارات الوطنية والنهج الواقعي الذي تتعاطى به القيادة اليمنية مع إشكالاتها الداخلية. فقد أكد اللقاء على أهمية دعم هذه الخيارات وهذا النهج في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية ، وذلك إستنادا إلى ما ورد في البيان الختامي للمؤتمر الذي نص على:
(وقد جدد هذا اللقاء التأكيد على وحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله. والالتزام بعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وكان من الواضح أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تمضي به الحكومة اليمنية يعتبر أساساً للاستقرار والرخاء على المدى الطويل.. وتم الاتفاق على ضرورة اتباع نهج شامل وبدعم قوي من المجتمع الدولي )
العزيز الشاطر إعتبر أيضا أن مؤتمر لندن مثّل محطة مهمة في مسيرة التعاون والشراكة بين اليمن والدول المانحة والداعمة له، وأنه شكل فرصة لهؤلاء الشركاء للتعبير العلني المشترك عن مدى قلقهم من التحديات التي يواجهها اليمن منذ فترة ليست بالقصيرة وما آلت إليه أوضاعه العامة وبالذات الوضع الاقتصادي ، حيث أعربوا عن استعدادهم لدعم اليمن ومساعدته في معالجة إشكالاته مع احترامهم لوحدته وسيادته واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وهنا أجد نفسي ، وقد كنت واحدا ممن تسنى لهم متابعة ذلك اللقاء عن قرب في لندن ، أتفق مع العزيز الشاطر في أن مؤتمر لندن مثل بكل المقاييس محطة مهمة وقوة دفع ضرورية لعملية الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تعتبر شرطاً موضوعياً مهماً لنجاح المعالجات المطلوبة خلال المرحلة القادمة.
كما أتفق أيضا مع طرحه بأن المطلوب منا كيمنيين أن نرتقي بتفكيرنا ومواقفنا وسلوكنا إلى مستوى التحديات التي يواجهها وطننا، وأن لا نفوت مثل هذه الفرصة التاريخية وهذا الموقف والاهتمام الدولي بشؤون اليمن، وأن نكون حريصين على تحويلهم إلى شركاء فاعلين في مساعدة بلدنا على الخروج من أزماته وإشكالاته المعقدة .
كما أتفق مع إستنتاجه بأن مؤتمر لندن هو إحدى الوسائل الفاعلة لإنقاذ اليمن ، على إعتبار أن الخارج لا يمكن له أن يكون بأي حال من الأحوال وتحت أية ظروف بديلاً للعب دور اليمنيين أو أن يحلّ مكانهم باعتبارهم المعنيين والمسؤولين أولاً وأخيراً عن معالجة قضايا وطنهم .
ذلك أن أي شكل من أشكال العجز أو الفشل الذي قد يظهر من قبلنا نحن اليمنيين في استثمار هذا الدعم ، سيفتح المجال واسعاً أمام التدخلات الخارجية والقرارات الدولية والمشاريع والخيارات الانتقائية التي تعالج مشاكل وطننا بمعزل عنا وربما بما لا يتفق مع إرادتنا ومصالحنا، وقد يجعلنا عرضة للتمزيق والتفتيت الممنهج .
كما لفتني أيضا مقال الأخ العزيز نصر طه مصطفى الذي طالعته في أكثر من مكان ، وقد كان ضمن الوفد الذي رافق الأخ رئيس مجلس الوزراء ، والذي إعتبر فيه أن تواجد وزراء خارجية الدول العربية الأهم بالنسبة لنا في اليمن وهي دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن إضافة إلى وزراء خارجية الدول الأكثر أهمية في العالم (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها) – هذا التواجد – أكسب إجتماع لندن أهمية بالغة ، جعلته يصفه ب " اجتماع نوعي يتميز بالكيف لا بالكم".
العزيز نصر لاحظ أن الحديث عن القاعدة وخطرها وضرورة ضربها مثل الجزء البسيط جداً من أحاديث الوزراء المجتمعين ، بينما توزع الجزء الأكبر من أحاديثهم جميعاً بين الحديث عن ضرورة دعم الأوضاع الاقتصادية لليمن وعدم التدخل في شئونه وحث حكومته على المضي الجاد في استكمال البناء المؤسسي بمفهومه المتكامل للدولة عبر إنجاز برامج الإصلاح المختلفة...
كما لاحظ أن الوزراء تحدثوا بتعاطف كبير وحرص نادر وتفهم واعٍ لظروفنا – ظروف اليمن - يليها إشارات ورسائل واضحة مفادها "أن عليكم في اليمن إعادة النظر في أساليب إدارتكم للشأن العام حتى تتمكنوا من استيعاب ما يمكن أن يسفر عنه اجتماع فبراير للمانحين في الرياض واجتماع مارس الخاص بإنشاء مجموعة أصدقاء اليمن...
العزيز نصر إستنتج بثقة لا تقبل الشك : إن الاجتماع كان انتصارا دوليا غير مسبوق لليمن ووحدته واستقراره ، وفي الوقت ذاته تعامل مع النظام القائم كنظام وطني بيده عمل الكثير لإصلاح الأوضاع.
وأختتم مقاله بعبارات إستعادها من خاتمة مقال سابق كان قد كتبه قبيل السفر إلى لندن ، وجاء فيها :
ومع إدراكنا أن هذا المؤتمر ليس مؤتمر مانحين ولن يقدم مساعدات اقتصادية لكنه يمكن أن يكون مفتاحا لدعم حقيقي وجاد لليمن في قابل الأيام، وهذا سيعني بالتأكيد أن نعيد النظر في الكثير من آليات أدائنا الإداري والاقتصادي على المستوى الوطني خلال الفترة المقبلة لنكون أهلاً للتعامل الكفؤ مع كل أشكال الدعم والتعاون المتوقعة
فهل سنعيد النظر بالفعل في أدائنا الإداري والإقتصادي ، ونثبت لخصومنا – قبل حلفائنا- أننا أهل للثقة ؟ وهل نتمكن من إقناع الأشقاء والأصدقاء ممن يشغلهم مثلنا مستقبل اليمن وأجياله المقبلة ، بأننا نريد بالفعل إصلاح ما أفسده الدهر ، وبالتالي أن نفتح صفحة جديدة مشرقة في تاريخنا ، بحيث تنتهي هذه المرحلة المتأزمة من تاريخ اليمن !!!
أسئلة كثيرة لاشك أنها تنتظر منا الإجابة ونحن نتابع إستحقاقات مؤتمر لندن وما سيتبعه