ناصر محمد العطار -
منذ الأزل وعبر مختلف العصور والأزمنة تعارف الناس على أن إرادة ومصالح الجماعة مقدمة وفوق مصالح الأفراد، وهذا ما أكدته جميع الرسالات السماوية وكُرّس منهجاً وسلوكاً في المواثيق والاعراف والدساتير والقوانين، وتجلى بوضوح في المجتمعات التي تطبق الرسالة السماوية والمواثيق الانسانية والتي حذت حذوها في الاعتراف بحقوق وحريات الأفراد باعتبارهم متساوين في الحقوق والواجبات والمجسدة بالممارسة الديمقراطية التي عُرفت بأنها الأداة التي تمكن الشعوب من حكم نفسها بنفسها، ولم يتغير هذا المفهوم منذ العصر اليوناني وحتى اليوم رغم التطورات المتنامية لآليات ووسائل تكريس الديمقراطية منهجاً وسلوكاً وصولاً إلى التعددية السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني وتعدد صور وأشكال الأنظمة السياسية مثل »النظام الرئاسي، النظام البرلماني، النظام المختلط« والأنظمة الانتخابية مثل »نظم الأغلبية العددية، والنظم النسبية، والنظم المختلطة«، ولأن الشعب اليمني قد مارس الديمقراطية قديماً بالشورى، وفي الوقت الراهن بدأ بممارستها وبالتحديد مع قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م.. فأخذ بالنظام السياسي الذي يجعل من الشعب صاحب السلطة ومصدرها الوحيد، والنظام الجمهوري يقوم على التعددية السياسية والحزبية بهدف التداول السلمي للسلطة وكفالة حرية التعبير والرأي والرأي الآخر والانتخاب والترشح لكافة المواطنين بالتساوي واعتبار الانتخابات هي الطريقة الوحيدة التي يتم من خلالها ممارسة كافة الحقوق للمواطنين والأحزاب من خلال انتخابات حرة ومباشرة ووفقاً لنظام الفائز الأول أحد الأنظمة العددية والأكثر شيوعاً بين الدول الديمقراطية .. الخ.
وما يؤسف له وما بات كابوساً لدى أبناء الشعب هو استمرار تلك الاعمال والانشطة والتي لا تنحصر في أعمال التمرد والإفساد والحرابة فحسب بل ما هو أفظع من ذلك والمتمثل بتمادي أحزاب اللقاء المشترك في أنشطتها المعادية للوطن ومصالحه كونها إلى جانب مؤازرتها وتشجيعها لارتكاب تلك الجرائم مثلها مثل اعمال الممولين والمخططين من الحاقدين والطامعين بالوطن ، فإنها تعد أيضاً من الأعمال الخارجة على الدستور والقوانين الرافضة للديمقراطية بكافة صورها وأشكالها القديمة والمعاصرة والحديثة لأنها قد دلت على فاعليها من رموز ومرجعيات تلك الأحزاب الذين مازالوا مشدودين لمفاهيم وثقافة الأحزاب الشمولية التي جعلت صوت الحزب فوق صوت الشعب، أو عندما تعتبر نفسها هي من تملك الوصاية الدينية أو القومية.. الخ.
وتجلى ذلك بوضوح في تزكية واصطفاء نفسها على بقية الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وبحسب ما تدعيه بأنها صاحبة الحق في كل شيء، لأنها ممثلة بمجلس النواب وهذا ما تجسده في جميع اتفاقاتها التي تقود المؤتمر معها لوضع الاتفاقات التي أصبحت فعلياً من الأدوات والوسائل المعيقة لتمكين الشعب من ممارسة حقوقه الدستورية.. ولأن الشعب قد شهد وتابع العديد من الاتفاقات ابتداءً بالاتفاقات التي أبرمت في مايو 1993م والتي بموجبها شكلت الحكومة الائتلافية، ثم ما اعقب ذلك حتى إعلان الانفصال صيف 94م، وتوالت الاتفاقات قبل وبعد إجراء أي استحقاقات دستورية، ومع أن المؤتمر الشعبي قد اعتبر طرفاً في تلك الاتفاقات وحمل على عاتقه مسؤولية تنفيذ بنودها وفي المقابل تحميله تبعات إفشال تنفيذ بعض البنود التي تهربت أحزاب اللقاء المشترك عن تنفيذها، إلا أن الأكثر تعقيداً وتأثيراً على الشعب ومصالحه هي تلك الأنشطة التي تمارسها أحزاب اللقاء المشترك منذ بداية العام 2007م وحتى اتفاق فبراير من عام 2009م وما تمارسه هذه الأيام فإلى جانب سعيها إلى خلق الأزمات والمنغصات التي يمر بها الوطن لتشويش الرأي العام ومعاداة مؤسسات وسلطات الدولة وبقية أطراف العمل السياسي، فإنها أيضاً أصبحت حجر عثرة وسداً معيقاً أمام محاولة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها لترحل إلى إبريل 2011م، فبدلاً من الجلوس على طاولة الحوار مع المؤتمر ووضع آليات تنفيذ بنود اتفاق فبراير 2009م تسعى ظاهرياً إلى التذرع بحوارات لقضايا مطاطية والتباكي باسم الوطن وبعض الأحزاب.. أما باطناً فقد امتنعت عن الاتفاق على تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والطعن في أعمالها دون أسباب إلا لأنها شكلت وفقاً للدستور والقانون من قبل مجلس النواب ويرون أن يستمر الوضع المشلول في عمل اللجنة العليا للانتخابات كما لم يتقدموا بمقترحات لتعديل شكل النظام السياسي أو النظام الانتخابي وذلك ما كانوا يهتفون ويدندنون له دوماً، وحين رضخ المؤتمر ووافق على القائمة النسبية سعت أحزاب اللقاء المشترك الى التمرد وعدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
وتلك الممارسات لا تعتبر ولا تلتزم بحقوق الشعب وتنصب على إيجاد أوضاع حتمية تؤول إلى جعل معايير التقاسم بدلاً من الاحتكام للشعب ونتائج صناديق الاقتراع.
واليوم وبعد فشل كل المحاولات للوصول إلى اتفاق مع المشترك، فإن من الواجب قيام المؤتمر الشعبي العام بمسؤولياته الوطنية والحزبية في السير قُدماً وبموضوعية وجدية لإجراء التعديلات الدستورية والانتخابات النيابية في موعدها ابريل 2011م تنفيذاً والتزاماً ببرامجه الانتخابية التي قدمها للشعب عند الانتخابات النيابية 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية 2006م والتي جميعها تؤكد على التمسك بالديمقراطية وبحق الشعب في حكم نفسه بنفسه وإجراء التعديلات الدستورية التي من شأنها تطوير النظام السياسي بما يعزز من وظائف سلطات الدولة والاعتماد على أفضل الأنظمة والوسائل لممارسة الصلاحيات المركزية واللامركزية.. الخ.
وأخيراً سيتحمل المؤتمر الشعبي العام المسؤولية الكاملة أمام الله والوطن وأبنائه في حال انجراره في استهلاك الوقت في مجاراة المشترك والاتكال على الاعمال التي تحاول إدخال الوطن إلى أتون أزمات جديدة ستكون -لا سمح الله- أفظع مما يمر به حالياً، لأن المتمردين والمفسدين وغيرهم سيجدون متنفساً للتباكي على الوطن والدولة والشعب فيما إذا لم تجرِ الانتخابات النيابية، لهذا على المؤتمر أن يمضي في إجراء الاصلاحات السياسية والاهتمام بقضايا الشعب وحماية مكتسباته.{
❊ رئيس دائرة الشؤون القانونية