علي عمر الصيعرري -
في سبتمبر من العام 2005م كتب د. برهان غليون استاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط المعاصر في جامعة »السوربون« بباريس، مقالاً قيماً عنونه بـ»مأزق المعارضة العربية بين الوطنية والديمقراطية« قال فيه: »المعارضة لاتوجد، بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلا في نظام ديمقراطي يضمن لها موقعاً ودوراً ومكاناً ووضعية واضحة تجعلها جزءاً مكملاً للنظام، ومتفاعلاً معه.. فهي بالأساس ليست مواقف أو سياسات مؤيدة للنظام أو معارضة له، ولكنها وظيفة سياسية تستجيب لحاجة جوهرية وبنيوية«.
وبحيادية وموضوعية المفكر والمحلل السياسي، خلص برهان غليون إلى الحقيقة القائلة بأن ديمقراطية النظام السياسي الحقة تنم عنها مكانة المعارضة الحقة وما تتمتع به من صلاحيات قانونية وحريات في التعبير واحترام من قبل السلطة، ومدى اتساع قاعدتها وتوافر إمكاناتها المادية والقاعدية، بينما يكون حالها في ظل النظام السياسي الدكتاتوري على عكس ذلك.. فما هو حال وواقع ومكانة المعارضة اليمنية؟!
باستعراض سريع لواقع حال المعارضة اليمنية وعلى وجه التحديد »المشترك«- أنموذجاً- وأخلاقيات التعامل السياسي معه من قبل نظامنا السياسي تتجلى لنا الحقائق التالية:
تعتبر رموز المعارضة اليمنية - أحزاب المشترك- من أكبر الأحزاب السياسية من حيث اتساع قاعدتها، بعد مؤتمرنا الشعبي العام، ومنها ماهو أقدم مثل الحزب الاشتراكي اليمني الذي تمتد جذوره إلى العام 1963م، وعلى قدر كبير من التجربة والتنظيم، وله فروع في جميع المحافظات، يليه حزب الإصلاح وبقية الأحزاب الأخرى.. وتتمتع جميع أحزاب المعارضة بمزايا الحقوق الدستورية وحرية الرأي والتعبير وكل ما نص عليه قانون الأحزاب وقانون الانتخابات مثلها مثل المؤتمر الشعبي العام.
وقد شارك معظمها في كل الدورات الانتخابية من نيابية فرئاسية فمحليات، وحاز بعضها على مقاعد مناسبة في البرلمان والمجالس المحلية وأبرزها الإصلاح والاشتراكي..
امتلكت معظمها عدداً من الصحف والمواقع الالكترونية، وتمتلك بدورها الحرية الكاملة في التعبير والنشر، إلا في حالة مسها للثوابت الوطنية ومخالفتها لقانون الصحافة.
كما تحصل على حصصها من الحكومة مالياً وفق ما قرر في قانون الأحزاب، ولها إمكانات مادية كبيرة وفي مقدمتها حزب الإصلاح، كما تحظى باحترام كبير من قبل نظامنا السياسي والحزب الحاكم الذي قدم لها العديد من التنازلات ولايزال يمد يده للحوار معها منذ سنوات..
وعلى ما ذكره برهان غليون من معايير تقاس بها ديمقراطية نظامنا السياسي من عدمها، فإن حجم ومكانة وصلاحيات وإمكانات لم تكن لتتأتى لو كانت في ظل نظام سياسي ديكتاتوري أو حاكم سلطوي مستبد، كما يدَّعي بذلك بعض أقطابها.
إلاّ أن مشكلتها تكمن في تأثرها بالأدلجة الحزبية التي لا تستوعب ديمقراطية صناديق الاقتراع، بل تراهن على القائمة النسبية بالكامل، مما يعني تجاوزاً لديمقراطية النظام السياسي القائم على الممارسة الديمقراطية الحقة عبر صناديق الاقتراع، وهذا يعود لها، ويُحسب عليها إن هي أصرت على ذلك.
قال الشاعر:
إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثير ولكن لا أرى أحدا
»دعبل الخزاعي«