أحمد غيلان -
منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي والرغي لا ينتهي حول المشروع الوطني الكبير الذي أسماه كبار منظري الخدمة المدنية والإصلاح الإداري " مشروع تحديث الخدمة المدنية " الذي قيل لنا عنه الكثير مما نتذكر وما لا نتذكر..
وأعترف أن كثيراً من المفاهيم التي استقيناها من فطاحلة التحديث المزعوم قد اندثرت من أذهان "المشعَّبين" أمثالي بالمشروع إياه، ليس فقط لكونها مفاهيم مطاطية وعائمة وهلامية تمكن غياب مفرداتها على أرض الواقع من إلتهام تشعيبتنا وحسب.. بل إن التحديثات المتكررة لتلك المسميات ما انفكت تغرقنا بمفاهيم ونظريات وتسميات جديدة ومتجددة تتكفَّل بإحراق مراحل التنظير والتسويف بتنظير وتسويف يرسخان في أذهاننا مصداقية المأثور الشعبي الذي مفاده ( الجمعة الجمعة .. والخطبة الخطبة.. وعاق والديه عاق والديه )..!
نعم .. لا تزال جُمعة الخدمة المدنية مجمعاً للبيروقراطية والعبث والعُقد والتعقيد والفوضى التي عجزت مشاريع التحديث و"الأتمتة" ومعها تشريعات البلاد وقيم المجتمع عن إصلاح حالها واختلالاتها ..!
ومثل ذلك خطباء ومنظرو الخدمة المدنية لا يزالون يجترون الزيف والخداع والكذب والتسويف.. وكلما داهمهم الشعور بعدم جدوى واحدة من أكاذيبهم على البلاد والعباد، يسارعون إلى تحديث برامج زيفهم بأكاذيب وخُدع ومشاريع هلامية جديدة ..
وبين ظهراني الجميع عصابة "عاقين والديهم" يتاجرون بأحلام الناس، ويتسمسرون بحقوق عباد الله، ويقتلون كل بارقة أمل لإصلاح مالي أو إداري مرتقب، ويدوسون بأحذية الروتين المتعفنة أي بصيص مصداقية لتنظيرات دهاقنة النظريات التحديثية.. التي لا يبدوا أنها ستجد محلاً من التطبيق على أرض الواقع .
وكلاَّ: لسنا أول ولا آخر من أعلن وتبنى مشروعاً وطنياً لتحديث الخدمة المدنية وإصلاح الإدارة الوظيفية والقوى والموارد البشرية على سطح الأرض، فكثيرون من أشقائنا وأصدقائنا كانت لديهم مثل مشاكلنا وربما أكبر وأكثر.. لكنهم كانوا أكثر إحساساً ومصداقية وجديةَّ مع مشاكلهم ومشاريعهم التي أثمرت إصلاحات حقيقية .
مشاريعهم حققت لمواطنيهم الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص.. واستوعبت الكوادر المؤهلة والمتفوقة.. وأحسنت توزيع القوى والموارد البشرية وفقاً لحاجة البلد وإمكانات وقدرات البشر.. وقضت على الإزدواج والفوضى والسمسرة والمحسوبيات.. وأعادت توزيع الكوادر وفقاً لمعايير الكفاءة ومتطلبات الإنتاجية.. ومكَّنت موظفيهم من الحصول على كامل حقوقهم واستحقاقاتهم الدورية والموسمية والمكتسبة وهم في مقرات أعمالهم يؤدون واجباتهم ووظائفهم، دونما مراجعات ولا معاملات ولا بيانات نقابية ولا مشاريع حراك وفوضى ومزايدات.. ولا رشاوي ولا وساطات ولا سماسرة .
تلك مشاريع الآخرين وثمارها وآلياتها وكل مكوناتها التي يحترمها ويفاخر بها ويحرص على تطبيقها وتطويرها كل أفراد المجتمع، من أصغر موظف إلى أكبر مسئول، ومن أحدث متقدم للوظيفة إلى عموم من انتقلوا إلى قوائم المتقاعدين .
فهل ثمة من يسأل فطاحيل الإفتاء في خدمتنا المدنية عمَّا أفرز مشروعنا الوهمي سوى المؤتمرات "الفشنك" وورش "الهدرة" وندوات التنظير وطوابير التذمر وقوافل السماسرة والمتاجرين بحاضر ومستقبل البلاد، وبرامج تحديث الفوضى التي لا علاقة لها بخدمة المجتمع ولا بإصلاح الإدارة ولا باستثمار الموارد البشرية لبناء الوطن..؟!