الميثاق نت - فيصل جلول- الميثاق نت

الخميس, 25-فبراير-2010
فيصل جلول -
أنتقل في هذا العدد لمناقشة ورقة جان فرانسوا داغوزان حول “القرصنة تهديد استراتيجي جديد أم ظاهرة عابرة؟” المنشورة في مجلة “ ت. ت.أو.آر” في عددها الصادر في ( 21 12 2009 ) وليس بتاريخ ( 21 2 2010 ) كما ورد خطأ في زاوية العدد السابق.مع التذكير مجددا باهمية الورقة المنسوبة ل(مؤسسة الابحاث الاستراتيجية) والمنشورة في مطبوعة متصلة بوزارة الدفاع في فرنسا. تفصح الورقة عما كنا نعرفه من قبل وهو ان اكثر من ثلث التجارة البحرية العالمية تمر في خليج عدن وهي تؤكد مرة أخرى على اهمية هذا الخليج الاستراتيجية بالنسبة للاقتصاد العالمي وبالنسبة لليمن بطبيعة الحال. وعلى الرغم من اهميته المزدوجة فان الورقة تشير الى الخليج اليمني بكونه موقعا ينتهكه القراصنة وليس مجالا استراتيجيا للتصدي المشترك لظاهرة السطو على السفن التجارية بين اصحاب المصالح في الغرب والحكومة اليمنية ومن المؤسف القول ان التعاون بين اليمن والاوروبيين على هذا الصعيد مازال دون المستوى الاستراتيجي المطلوب بالقياس الى المعطيات المعروفة والاجراءات المعلنة من طرف المعنيين بهذه المسألة. وسنرى للتو ان هذا التعاون هو شرط مهم ان لم يكن الاهم لحماية الملاحة الدولية في الخليج اليمني.
وتفيد ورقة السيد “ داغوزان” ان الدول الكبرى تنظر الى “القرصنة” بوصفها ظاهرة استراتيجية مقيمة وغير عابرة ونستخلص من ورقته ان هذه الدول تقترح ردودا يعترف هو نفسه بانها قاصرة عن مواجهة هذا التحدي لانها مكلفة من جهة ولان القرصنة تكاد ان تشكل خطرا على كل البحار وليس فقط البحر الاحمر وخليج عدن والبحر العربي ما يعني استحالة حماية خطوط الملاحة كلها وبنفس الدرجة والفعالية ناهيك عن اشارته الصحيحة بان وسائل القراصنة في التصدي للسفن التجارية فعالة الى حد انها تكاد ان تكون عصية على التوقع والاستباق. لكن الباحث المذكور يغيب او ينسى فرصة اخرى لمكافحة القرصنة والرد على هذا التهديد الاستراتيجي وتكمن في انشاء شبكات حماية بحرية اقليمية وبالتحديد يمنية في حالة خليج عدن وذلك عبر الاجراءات التالية:
اولا: الاستعاضة تدريجيا عن كلفة المطاردات البحرية الارووبية والغربية المرتفعة للقراصنة بتأهيل سلاح البحرية اليمني وتزويده بالوسائل اللازمة لحماية خليج عدن وملاحقة القراصنة وتطهير الخليج من اعتداءاتهم على خطوط الملاحة وهذا التأهيل مفيد للطرفين لانه من جهة يوفر الامن للملاحة البحرية العالمية ومن جهة أخرى يسهم في تطوير ميناء عدن بحيث يستعيد دوره التنموي ويساعد على حل مشكلة البطالة اليمنية ويعزز الاستقرار وهنا نستند الى الورقة التي ترى بطريقة او باخرى ان القرصنة هي الابنة الشرعية للفوضى واللاستقرار المنتشر في جزء كبير من هذا المدى البحري الواسع.
ثانيا: ان كلفة تأهيل سلاح البحرية اليمني وتزويده بالخبرات والوسائل التقنية والمعدات الضرورية لاتوازي بكل المقاييس عشرالكلفة الناجمة عن بعض المطاردات الغربية للقراصنة في خليج عدن وحده ما يعني أن مساعدة اليمن في هذا الشأن هي بمثابة استثمار مفيد على كل صعيد ولكل الاطراف.
ثالثا: ان تأهيل البحرية اليمنية يبعث برسالة ايجابية لدول المنطقة من أن اساطيلها وسفنها الحربية المتواجدة في البحر العربي والبحر الاحمر لا غرض لها غير مواجهة القراصنة وبالتالي ليست وسيلة للضغط على هذه الدول والتدخل في شؤونها الداخلية.
رابعا: كما ان الفوضى تولد القرصنة وتشيع الاضطراب الامني فان اشاعة الاستقرار والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من شأنه ان يحجم الفوضى و يجفف المستنقع الذي تنمو في وسطه هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المؤذية للدول الغربية وللدول المشاطئة لهذا البحر معا. لذا فان الاستثمار الاسترا تيجي في اليمن يشكل ردا فعالا على مشكلة وصفتها الورقة بالاستراتيجية.
خامسا: أن تأهيل البحرية اليمنية يبعث برسالة جيدة للراي العام اليمني من أن قرارات مؤتمر لندن حول استقرار اليمن ليست عابرة وانما جدية وقابلة للتنفيذ في مجال مفيد للطرفين.
سادسا: لابد ان يعترف الغربيون انهم ليسوا قادرين على فرض الامن البحري بقوة البواخر الحربية والمدمرات العملاقة وحاملات الطائرات فهذا النوع من الترسانة البحرية صمم ليقاوم اساطيل معادية وليخوض معارك بحرية شرسة وليس لمواجهة لصوص البحر الذين يشنون غاراتهم على السفن الكبيرة بواسطة مراكب الصيد احيانا والسفن البدائية احيانا اخرى ويستخدمون الاسلحة الفردية الخفيفة.اذن لا بد للغربيين ان يعترفوا ان مكافحة القرصنة تتم على الشواطيء وفي المياه الاقليمية للدول المشاطئة وفي اطار سيادة هذه الدول وبالخبرات والتقنيات المكتسبة اما الاصرار على “عرض العضلات” عبر الاساطيل والسفن الحربية فانه ليس فقط محدود الاثر والفعالية وانما ينطوي ايضا على خطر فقدان التاثير النفسي الردعي والدليل يكمن في تجرؤ القراصنة على مهاجمة السفن التجارية تحت انوف وعيون قادة الاساطيل الحربية وعلى مقربة من سفنهم.
سابعا: ان تأهيل سلاح البحرية اليمنية من شأنه ان يعزز الاستقرار حول ضفتي باب المندب وهنا تجتمع كل المصالح لكل الدول القريبة والبعيدة.
ثامنا : اذا كانت الدول الغربية لا تريد او لاتستطيع لاسباب اقتصادية الانكباب على اعادة تاهيل البحرية اليمنية فبوسعها المبادرة خلال مؤتمر دولي لامن البحار ان تطرح مشروعا لاعادة تاهيل خفر السواحل المحلية في الموانيء التي ينطلق منها القراصنة والموانيء التي ينتهكون سيادتها وذلك من خلال فرض ضريبة تسمى ضريبة الامن الملاحي في خليج عدن على السفن التجارية التي تعبر باب المندب على ان توضع الاموال في صندوق اقليمي وتصرف عائداتها على تأهيل اسلحة البحرية وخفر السواحل في الدول المشاطئة التي توافق على هذا المشروع.
تاسعا: ان التفكير بتوظيف قراصنة سابقين لحماية الملاحة البحرية كما تشير الورقة من شأنه ان يوسع ظاهرة القرصنة. فالقرصان السابق الذي صار حارسا سيغري آخرين لم ينخرطوا في القرصنة على التحول الى قراصنة ومن ثم الى حراس وهكذا دواليك..موجز القول ان القرصنة البحرية ظاهرة مدمرة لمصالح الجميع وليس لمصالح الغربيين وحدهم و تستدعي بالتالي تعاونا مشتركا تحت سقف القانون الدولي وقوانين البحار التي تحترم سيادة الدول على اراضيها ومجالاتها البحرية الاقليمية وكل تفكير احادي بمواجهة التعدي على السفن التجارية عبر انتهاك السيادة والقوانين الدولية بطريقة مباشرة او غير مباشرة يصب الماء في طاحونة العصابات البحرية لانه يعطيها ببساطة حق انتهاك القوانين التي ينتهكها واضعوها اي كبار هذا العالم والمتحكمين بمصيره.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 03:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-14195.htm