أمين الوائلي -
لا أفكر أن أكتب رثاءً أو تأبيناً، وإن كنت سأفعل فنحن أحق بالتأبين من إخواننا الصاعدين إلى علياء الله.. فهم الأحياء على الحقيقة لانحن، ونحن الموتى لاهم، والمشكلة ليست في الموتى الأحياء عند ربهم، بل هي في الأحياء الموتى، هنا تحت أديم السماء وفوق جحيم الغبراء. الموت الذي لا أفر منه لايزال يتحاشاني، إمعاناً في الحرمان والعقوبة.. وهو ذاته يرفع الأحبة إلى الله، ونبقى نحن سجناء الطين والسراب الأرضي.. فمن، إذاً، أحق بالمواساة والعزاء؟! انتقى الموت زميلنا الرائع حميد شحرة، وإذ دمعت عيناي.. فلأن الحزن معنىً كثيفاً يلخص حاجتنا الدائمة إلى الاغتسال بأبجدية القلوب والفرار إليها من عالم موحش بالغربة، كلما فقدنا جزءاً منا وأخاً عزيزاً علينا، واستيقنا أن العالم صار موحشاً أكثر من ذي قبل.. ومجدباً، بارتحال الأحبة الأقرب إلى صحيفة أحلامنا المشتركة وصفحة القلب المزروع بأبجديات أقرب إلى السماء منها إلى الطين، ووجوه تمنحنا السكنى إلى وطن أزلي، كُنَّاه.. أو كنا فيه ذات دهشة وكأنها لمحة، قبل النزول إلى الشهوات والتلبس بإطار من جسد طيني خاص بالنزلاء، مثلنا، في زنزانة الأرض أو »أسفل سافلين«. قبل أسابيع قليلة من ذهابه إلى الله، ترافقنا وحميد شحرة في سفرية أخذتنا إلى محافظة صعدة، في الصباح قاسمني حميد أعواد القات وقاسمته حواراً قصيراً أفضى إلى الاختلاف ولكنه لم يؤد إلى الخلاف، أو حتى القليل منه. أتذكر أنني صافحته طويلاً وسألته صادقاً: »أرجوك.. كن صديقي« فابتسم. وأتذكر أنه ضرب لي موعداً لحوار جاد جعل عنوانه »يا تقنعني.. يا أقنعك«. والآن.. هل مازال الموعد قائماً؟ أمازلت أختلف مع حميد؟ وهل كان بوسعي أن لا أنتهز الفرصة كاملة لأختلف مع رجل حقيقي وموقف جاد؟! بالتأكيد.. كلفني ذلك أسفاً يحضرني كلما تذكرت أنني في لحظةٍ ما، دفعت حميد- يرحمه الله- إلى الانفعال والاحتداد في وجهي، اعتذر لي بعدها وحدثني عن »السكر« الذي يعاوده باستمرار. الآن.. أنا أكثر حاجة إلى الإعتذار.. وأحوج من تلك الساعة إلى مصافحة أخي وزميلي حميد شحرة.. وأطلب منه بصدق أكثر: »أرجوك.. كن صديقي«. رحمة الله تغشاه.. وصلواته على روحه المحلقة في »الناس« أجمعين.. أخانا وصديقنا حميد شحرة.