الثلاثاء, 02-مارس-2010
الميثاق نت -     يحيى‮ ‬علي‮ ‬نوري -
< لماذا كان العهد الشمولي في المحافظات الجنوبية خالياً من أي »حراك« بالرغم من مظالمه التي بلا حدود، وبالرغم من الضحايا الذين ذهبوا جراء مواقف -ولو بسيطة- اتخذها مواطنون أو سياسيون في مواجهته؟
سؤال ظل يراودني كثيراً ولم استطع التوصل إلى إجابة ناجعة له، وكنت أفسر دوماً الأمر إما بأن انعدام حالة الحراك ضد النظام الشمولي يعود في الأساس الى آلية البطش التي اتخذها ذلك النظام والتي كانت كفيلة بلجم كل مواطن يتجرأ على اتخاذ موقف ولو بسيط إزاءه.

لكن هذه الاجابة أضيف لها مؤخراً معنى آخر وأكثر دلالة التقطته من النائب خالد الردفاني خلال زيارته لمقر الصحيفة، حيث حرصت على أن أوجه إليه هذا السؤال علّي أجد الإجابة التي من شأنها أن تضع حداً لحالة البحث المضني عنها.
هذه الإضافة الجديدة التي قدمها النائب الردفاني إلى ما تيسر لي من إجابة عليه، تمثلت في قوله: »إن الحراك في المحافظات الجنوبية لم يكن بالصورة العلنية نشهدها اليوم في ظل راية الوحدة وإنما كان يتم في إطار قيادات عليا عندما يضيق بها الحال ويبلغ لديها السيل الزبى‮ ‬وتفجّر‮ ‬الوضع‮ ‬في‮ ‬إحداث‮ ‬وجبة‮ ‬تصفية‮ ‬كان‮ ‬آخرها‮ ‬أم‮ ‬الوجبات‮ ‬يوم‮ ‬13‮ ‬يناير‮ ‬1986م‮.‬

أما عن أسباب ظهور ما يسمى بالحراك في ظل الوحدة فإن الدولة قد أحدثت متغيرات مهمة على مستوى الساحة الوطنية من حيث المشروعات الاستثمارية والتنموية والخدمية والإنمائية، كان لها أن غيرت من وجه الحياة في المحافظات الجنوبية، بالإضافة الى ما كفلته دولة الوحدة من حقوق‮ ‬شهد‮ ‬عليها‮ ‬الدستور‮.‬

ويرجع النائب الردفاني أسباب الحراك إلى قضايا وموضوعات أمكن للمواطنين في ظل الوحدة والديمقراطية الحديث عنها ولكن إبان النظام الشمولي كان ذلك مستحيلاً نظراً لأنها مفتقدة أصلاً، ولم تتحقق على صعيد حياة المواطنين في المحافظات الجنوبية.

وذلك يعني أن الزخم التنموي الذي أحدثته دولة الوحدة وخاصة على صعيد الحريات العامة قد جعل الباب مفتوحاً لكافة الممارسات.وهي ممارسات تعني في المقام الأول والأخير عدم الاستغلال الأمثل للمناخات الديمقراطية التي كفلتها دولة الوحدة، بالإضافة إلى أن معظم من يشاركون اليوم فيما يسمى بـ»الحراك« هم من الشباب الذين ولدوا في عهد الوحدة أو قامت وهم في العقد الأول من حياتهم وهم بالطبع شريحة مازالت تجهل الكثير من عهد ما قبل الوحدة ولا تعرف شيئاً عن الويلات والمآسي التي خلفها النظام الشمولي في المحافظات الجنوبية وما أسفر عنه من ضحايا عُدوا بالآلاف في إطار العديد من وجبات التصفية التي قادها الحزب بقوة وصلف لفرض نظريته الماركسية والاشتراكية على شعب مسلم يمتلك موروثاً حضارياً وإنسانياً وقومياً يجعله دوماً في غنى عن نظريات السوفييت ورموز نظامه من ماركس ولينين وانتهاء بآخر رموزه من‮ ‬دعاة‮ ‬الإصلاح‮ ‬السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬المتمثل‮ ‬في‮ ‬غورباتشوف‮.‬

وحقيقة أن هذه النظرة الثاقبة للنائب الردفاني قد جعلتني أشعر بالحسرة والندم على شباب الوحدة الذين لم يلمسوا الدور الفاعل للمؤسسات الحكومية والأهلية عبر قيامها بعملية توعيتهم وإحاطتهم بكافة التفاصيل المأساوية التي عاشها شعبنا إبان النظام الشمولي على صعيد المحافظات‮ ‬الجنوبية‮ ‬والشرقية‮.‬

وذلك يدعونا إلى مطالبة الجهات المعنية- وخاصة منها ذات العلاقة بالإعلام والتوجيه والارشاد بإعادة ترتيب أوراقها وبصورة ترسخ لهذا الجيل حالة الوعي الكاملة بفظاعة التشطير وآلامه وتداعياته وإهداره للدم اليمني ولقدرات وإمكانات أبناء الشعب وما مثَّله من عامل خطير‮ ‬على‮ ‬عملية‮ ‬التنمية‮ ‬الاقتصادية‮ ‬والاجتماعية‮..‬

وعلى ضوء ذلك يجب أن نعترف بصراحة متناهية أن مؤسسات دولة الوحدة ذات العلاقة بالاتصال بالرأي العام وتنويره وإرشاده قد فشلت تماماً في إنقاذ جيل الوحدة من الوقوع في أتون بقايا التشطير وعهوده، كما فشلت فشلاً ذريعاً في تقديم الرسالة الواضحة والكاملة والجلية لهذا الجيل حتى يعرف ما له وما عليه.. وتلك حقيقة لا نقولها من باب المزايدة وإنما بإمكان أي إطار مدني معني برصد اتجاهات ورغبات وميول الرأي العام أن يتوصل اليها عن طريق استبيان في صفوف جيل الوحدة، والذي لاريب سيحصد نتائج كارثية تفضح مؤسسات الاعلام والتوجيه والارشاد‮ ‬وفظاعة‮ ‬ما‮ ‬ارتكبته‮ ‬في‮ ‬حق‮ ‬هذا‮ ‬الجيل‮ ‬من‮ ‬جرائم‮.‬

‮ ‬وكلمة‮ ‬حق‮ ‬طالما‮ ‬مازلنا‮ ‬في‮ ‬نقطة‮ ‬البداية‮ ‬بإمكاننا‮ ‬إنقاذ‮ ‬مايمكن‮ ‬إنقاذه‮ ‬من‮ ‬خلال‮ ‬تفعيل‮ ‬دور‮ ‬مؤسساتنا‮ ‬الاعلامية‮ ‬الحقيقي‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬الوطن‮ ‬والانتصار‮ ‬لمصالحه‮ ‬العليا‮.

ولاشك ان مايبعث على الأمل بالمستقبل في تغيير ملامح تلك الصورة غير المتفقة مع مُثُل وقيم الوحدة، هو ان هناك رأياً عاماً يمنياً بضرورة اعادة النظر في السياسات الاعلامية والتوجيهية والارشادية باعتبار ذلك يمثل خياراً وحيداً لا رجعة عنه حتى تعود المياه الى مجاريها وحتى يجد المفلسون من دعاة التشطير أو مايسمون بدعاة فك الارتباط أنفسهم وحيدين يغردون خارج السرب.وتلك مسؤولية مهمة وعاجلة لاتقبل التأجيل او التسويف.. والجريمة ستكون اعظم فيما لو استمرت تلك المؤسسات الاتصالية والتوعوية بعيدة عن زخم الجماهير وخارج اطار اهتماماتها،‮ ‬فالمسألة‮ ‬بحاجة‮ ‬الى‮ ‬اعادة‮ ‬نظر‮ ‬بصورة‮ ‬عاجلة‮ ‬قبل‮ ‬ان‮ ‬يفوت‮ ‬الأوان‮ ‬ونجد‮ ‬أنفسنا‮ ‬قد‮ ‬خسرنا‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬انجازاتنا‮ ‬التاريخية‮ ‬المعاصرة‮ ‬المتمثلة‮ ‬في‮ ‬الوحدة‮ ‬والديمقراطية‮ ‬والتنمية‮.




تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-14301.htm