الميثاق نت/ عن مجلة مدارات استراتيجية - أكد الدكتور عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئىس الجمهورية النائب الثاني لرئيس المؤتمر الشعبي العام أن المؤتمر سيمضي منفرداً في إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة إذا لم يستأنف الحوار مع أحزاب اللقاء المشترك، لأن الانتخابات مسئولية دستورية وقانونية والتخلي عنها هو تخل عن الشرعية.
وقال: إنه لم يعترض على وجود اللجنة التحضيرية للقاء التشاوري في الحوار، ولكنه اعترض على وضعها بديلاً عن أحزاب اللقاء المشترك.
وأوضح أن المشترك أصر على أنه لن يكون هناك أي اتفاق ما لم يكن رئىس المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك »مفوضاً من «اللجنة التحضيرية.
وأضاف الإرياني في حوار مع مجلة "مدارات استراتيجية" أنه لا يشرفه أن يوقع مع اللجنة التحضيرية، لأن المسألة قانونية وليست شكلية نظراً لأن اتفاق فبراير تم بين المؤتمر وأحزاب المشترك وليس مع اللجنة التحضيرية.
"الميثاق نت" يعيد نشر الحوار تعميماً للفائدة:
{ انتهت الحرب السادسة بين الدولة والمتمردين الحوثيين في صعدة.. هل على اليمنيين الاستعداد للحرب السابعة؟
- بالطبع لا.
{ ما الذي تغير هذه المرة حتى لا تندلع الحرب مجدداً؟
- اعتقد أن أهم تغيير في هذه الحرب يكمن في العبء الانساني الذي ترتب عليها، وبالتأكيد فإنه سواء الطرف المتمرد أو الدولة يدركون خطورة ما ترتب على الحرب السادسة من نزوح ما يقرب من مائتي ألف من أبناءاليمن، أطفالاً وشيوخاً ؤنساءً وأنا أعتقد أن الجميع سيقدر أن هذا العبء لابد أن يصبح هو الحرب السابعة، العبءالانساني الذي ترتب على الحرب السادسة يجب أن يصبح هو الحرب السابعة: إعادة الناس الى منازلهم، وإعادة إعمار ما دُمّر.
{ بمعنى إحلال السلام؟
- السلام لا يعني وقف إطلاق النار، إذ لا قيمة لوقف إطلاق النار إذا لم يترتب عليه التحضير والاستعداد والبدء في التنفيذ، الخطوة الاولى: عودة المهجرين إلى قراهم ومنازلهم، الخطوة الثانية: البدء في الاعمار وإعادة بناء ما دمر، الخطوة الثالثة: تنمية محافظة صعدة وتعميرها مع الاعتراف بأن كثيراً من مناطقها أُهمل لفترة طويلة.. عندي ثقة مطلقة أن الجميع سيتحمل المسؤولية، وما ن شك في أن العودة الى المترس أو الى المدفع سيكون جناية كبرى على مئات الآلاف من البشر، وهؤلاء هم مسؤوليتنا، فإذا أهملنا مسؤوليتنا نحوهم، فأعتقد أن الله سينتقم منا ونحن في هذه الأرض، ولن يؤخر انتقامه إلى الآخرة.
{ باعتقادك لماذا لم تستطع الدولة حسم المعركة عسكرياً؟
- الأمر يرجع بشكل أساسي الى طبيعة الحرب هذه، إنها حروب عصابات، وحروب العصابات لم تحسم يوماً عسكرياً، ربما الحرب الوحيدة التي حسمت بهذا المعنى هي التي وقعت في سيريلانكا، وبالرغم من أنها كانت أقرب إلى أنموذج حرب الجيوش وليس حرب العصابات، فقد استمرت خمساً وعشرين سنة، فهذه طبيعة حروب العصابات: لا تحسم ولا تُكسب عسكرياً.
والخطأ في مواجهة حروب العصابات - صراحة - هو البطش بغير المحارب: فحروب العصابات - رضينا أم كرهنا- الضحية الأبرز فيها هو غير المحارب وبالتالي يتولد مدد جديد للمحاربين، أعتقد أنك في أي حرب عصابات يجب أن تبدأ مواجهتها أولاً بكسب الناس في المنطقة التي فيها هذه القصة، عندما تكسبهم أنت تقطع الطريق على الذين يقومون بهذه الحروب بحيث يصبح عددهم في تناقص نتيجة المواجهات وليس لهم مدد من المجتمع، وبحيث يكونون في النهاية منبوذين من مجتمعهم، اكسب الناس الذين انطلقت من منطقتهم هذه العصابات حتى تستطيع أن تحرمهم من الأرضية التي يقيمون عليها، هذه أقوى استراتيجية لدحر حرب العصابات.
{ لكن هذا يتطلب من الدولة أن تكون حاضرة في صعدة، أليس كذلك؟
- بالطبع تفسير ما حصل هو غياب الدولة حتى مستوى التعليم كان ضعيفاً جداً، لكن لا نريد أن نلوم أنفسنا، الأفضل أن نحفز أنفسنا لكي نتفادى الأخطاء التي كانت حاصلة في صعدة.
{ ألا يغري هذا التفسير القوة المتمردة بالعودة الى الحرب مجدداً، لأنها تدرك صعوبة حسم حرب العصابات؟
- إذا حرمتهم من الأرضية التي يقفون عليها، كيف سيستمرون في التمرد؟ لاشك أن القدرة على استئناف حرب العصابات ليست متوافرة لديهم وإلا لما قبلوا، الهدف الرئيسي للدولة الآن هو كسب الناس وإرجاعهم إلى بيوتهم وقراهم، وإشعارهم بالأمن والاطمئنان، فإذا شعر هؤلاءأن الدولةهي التي تحميهم، وهي من يعيدهم الى سكنهم، وهي من يساعدهم على إعادة حياتهم الطبيعية ، فعندئذ لن يكون للمتمردين الارضية التي تساعدهم على التمرد.
{ هل يعني ذلك أن الحوثيين قد خسروا معركة العقول والقلوب في صعدة؟
- أعتقد أنهم خسروا هذه المعركة منذ البداية، خسروا الهدف الذي انطلقوا من أجله، إن إرجاع الناس الى ظلام الماضي ليس أمراً قابلاً للديمومة والبقاء، لا شك لديّ أنهم حاربوا وقاتلوا نتيجة الجهل، لكن ديمومة هذا الفكر آيلةٌ - في رأيي- الى الانقراض. غير أنه لا يمكن أن ينقرض بالمدفع والدبابة، ولكن بالتعليم، وبالتنمية وبكسب ولاء الناس.
{ ما هي الضمانات التي تمنع تجدد الحرب بخلاف مسألة العبء الانساني خاصة أن هناك تجارب مريرة واجهتنا من قبل؟
- الضمان الرئيسي، مرة أخرى، يكمن في كسب ولاء الناس للدولة؛ ونستطيع كسب ولاء الناس من خلال تغيير واقعهم، الآن واقع المواطن في صعدة في غاية البؤس والعذاب، إذا لم يشعر أن الدولة ترعاه وتخرجه من حياته البائسة، وتعيد النازح الى قريته وتساعد المزارع على معاودة نشاطه، والتاجر على أن يفتح دكانه، فإن هؤلاء سيتجهون اتجاهاً آخر، الضمانة هي الدولة، الدولةهي التي تضمن كل شيء.. فإن أحسنت فالضمانة موجودة، وإن لم تحسن فلا يوجد ضمانة، لابد أن تضمن ولاءالمواطن لك، وولاءالمواطن يأتي من خلال شعوره بأن أمنه واستقراره ومعيشته محمية من قبل الدولة، وأن أي بديل آخر هو الطريق الى خسران الحرب.
{ هل هناك بنود سرية لم يتم الافصاح عنها في الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الدولة والحوثيين؟
- لا توجد أي بنود سرية.
{ هلى تؤكد أنه لا يوجد بالفعل بنود سرية؟
- على الإطلاق.
{ وهل هناك علاقة ما بين اجتماع لندن واتفاق وقف الحرب؟
- لا توجد أية علاقة.. أنا شخصياً كنت ممن يتمنون أن تنتهي الحرب قبل اجتماع لندن، وفي أحد الاجتماعات أبديت رأيي، لكن الظروف لم تكن مهيئة بعد لإنهاء الحرب - قبل اجتماع لندن-، صحيح أن الظروف كانت قد بدأت تتهيأ لإنهاء الحرب، لكن كما تعرفون الحروب تبدأ في ساعة وتنتهي بأشهر، ما أسهل أن تبدأ الحرب وما أصعب أن تنهيها.
{ نفهم من كلامك أن وقف الحرب كانت حاجة محلية أكثر منها استجابة للخارج؟
- نعم، لقد كانت حاجة محلية مائة في المائة.
{ لكن حتى اليوم لايزال هناك حيرة لدى كثير من المراقبين والمتابعين للحرب في صعدة بخصوص السبب الحقيقي الذي أدى الى اندلاع هذه الحرب، فهناك روايات متضاربة، هل لديك توضيحات بهذا الشأن؟
- سبق لي أن ذكرت سبباً في حديث أجريته مع صحيفة »السياسة« الكويتية وغضب له كثيرون، إنه مبدأ التفكير، ففي اليمن هناك من يُكفّر المذهب الزيدي، جيل جديد لا يعرف المذهب الزيدي، ولا يعلم تاريخه ولا يفهمه، هناك من يُكفّر المذهب الزيدي، وقد رد عليّ أحدهم وبدأ ردّه عليّ بتكفيرهم، فقلت »إذن، جزاه الله خيراً، فقد أثبت ما قلت«، ولا أريد أن اسميه.
{ هل يعني ذلك أن هؤلاء الناس قد استفزوا بشكل ما؟
- نعم.
{ هل كان مركز دماج السلفي أحد أشكال هذه الاستفزازات؟
- لقد أشرت في المقابلة التي أجرتها معي صحيفة »السياسة« الكويتية الى أنه كان البداية، ولا تنس أن هناك فتوى صدرت في السبعينيات بعدم جواز الصلاة وراء الزيدي أو الزواج منه، وجاء أناس يحملون هذه الفتوى وحاولوا أن يطبقوها.
{ إذا انتقلنا الى ملف آخر وهو ملف الحوار..؟
- الحوار لابد أن يستمر، حتى لو قالوا أنني قلت: إن باب الحوار مغلق، وباب التوقيع مفتوح« .. لقد قلت لهم ذلك، لأنهم هم من أغلق الباب.
{ كيف أغلقوه؟
- أغلقوه عندما حوّلوا الاتفاق الى اتفاق بين اللجنة التحضيرية للقاء التشاوري والمؤتمر الشعبي العام، واتفاق فبراير هو بين أحزاب اللقاء المشترك الممثلة في نفس الوقت في اللقاء التشاوري، وأهلاً وسهلاً باللقاء التشاوري، إننا لم نعترض على وجوده في الحوار، لكن أنا - صراحة - لا يشرفني أن أوقع مع اللجنة التحضيرية، وأنا وقعت مع أحزاب اللقاء المشترك، ربما يجدون شخصاً آخر يوقعه، أما أنا فلن أوقع.
{ هم يقولون أن المرجعية ستظل اتفاق فبراير، فما المانع من توسيع طاولة الحوار؟
- هذا ليس توسيعاً، إنه استبدال ، في آخر اجتماع قالوا نريدالاتفاق أن يتم بين المؤتمر واللقاء التشاوري كممثل لأحزاب اللقاءالمشترك، وهم لا يستطيعون أن ينكروا هذا الأمر رغم المغالطات الكبرى، وسبق أن شرحت ما جرى بيننا في المؤتمر الصحفي الذي عقدته بمعية صادق أمين أبوراس وأحمد بن دغر، وقد قيل لنا في بيت الأخ عبدالوهاب محمود ما لم يكن الاتفاق بين المؤتمر الشعبي العام واللجنة التحضيرية، وما لم يكن الموقع هو المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه ورئيس المجلس الاعلى لأحزاب اللقاءالمشترك »مفوضاً من« اللجنة التحضيرية »فإنه لن يكون هناك أي اتفاق«، شخصياً لا يمكن أن أقبل بذلك، أما أن يزعموا أننا رافضون وجود اللجنة التحضيرية في الحوار، فإن هذا الكلام اعتبره تعدياً على الناس وليس تجريحاً، إنه تعد، لأننا لم نعترض في أية لحظة على وجود لقائهم التشاوري« كأعضاء في لجنة الحوار.
{ وليس كطرف؟
- طرف أو أعضاء لا فرق عندما يصبح عضواً فإنه يكون في نفس الوقت طرفاً، المسألة قانونية بحتة، المحضر الذي توصلنا اليه ومهام اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الشامل هم من جاء بها، وقد قبلنا بها، قمنا بتعديل حول إشراك الاشقاء والاصدقاء، إذن مهام اللجنة هم من اقترحها الخلاف هو على الديباجة والتوقيع ومن الموقع قانونياً هذا محضر لتنفيذ اتفاق وقعت عليه أطراف معينة هي المعنية بالتوقيع على المحضر.
{ إذا لم يتم استئناف الحوار..
- لا -إن شاءالله- سيُستأنف، لا أريد أن أكون متشائماً.
{ في حال حصل ذلك.. ولم يستأنف الحوار مع أحزاب المعارضة هل ستمضون في المؤتمر الشعبي العام منفردين في إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
- هذه مسؤولية دستورية وقانونية، والتخلي عنها هو تخل عن الشرعية، إذا تخليت عن مسؤوليتك الدستورية والقانونية، فأنت تتخلى عن شرعيتك.
{ لكنكم - في الواقع - تخليتم عن ذلك عندما تم تأجيل الانتخابات؟
- أبداً لم نتخلَّ بهذا الشكل ، لقد اتفقنا أن نطلب من مجلس النواب - وهو السلطة التشريعية - أن يعدل المادة 65 من الدستور، ولم نتخلّ عن أية صلاحية من صلاحيات الدولة، أنا لديّ اعتراض على ما يقال في إعلام أحزاب اللقاء المشترك، مثلاً قالوا: إن الانتخابات التكميلية مخالفة لاتفاق فبراير دستورياً ليس فيها مخالفة لاتفاق فبراير، اتفاق فبراير لم يمنع الدولة إلا من خطوة واحدة، إذ قال لها: »أجلي الانتخابات لمدة سنتين«، أما بقية مواد الدستور فعاملة وفاعلة، والقول إنها لم تعد نافذة أمر غير صحيح، أية دولة هذه التي تسلب شرعيتها بنفسها ؟ تأجيل الانتخابات تم بتعديل مادة دستورية، ومواد الدستور نافذة: لديك مقعد خالٍ لابد من ملئه، إن الواجب الدستوري يُملي على أية دولة ألا تتخلى عن شرعيتها.
{ ألا ترون أن هذه الخلافات في مجملها هي خلافات شكلية - لماذا لا تقومون بتقديم تنازلات لإحراج الطرف الآخر خصوصاً أن البلد يمر في مرحلة صعبة؟
- إنها مسألة قانونية، وليست شكلية، مسألة قانونية، أنا وقعت محضر معك، أنا أوقع معك آلية لتنفيذه، لقد تنازلنا، واتفاقية فبراير ترى ضرورة تمكين الاحزاب والتنظيمات السياسية من مناقشة التعديلات الدستورية بغرض تطوير النظام السياسي.. المنطق يقول ان الموقعين على هذا الاتفاق هم الذين يحضّرون التعديلات الدستورية ثم يعرضونها على الأحزاب والقوى الاخرى، ومع ذلك، فقد تجاوزنا هذا وقلنا نبدأ بالحوار، هذا تنازل من قبل المؤتمر، أنا شخصياً كنت أقول من أراد أن ينجح الحوار، عليه أن يحضر التعديلات التي يتناقش الناس حولها، لكننا تجاوزنا هذا، المنطق يقول: »أعطِ الجمهور مواداً دستورية لكي يناقشوها«.
{ بمناسبة الحديث عن التعديلات الدستورية، ألا تعتقد أننا بحاجة إلى دستور جديد، ذلك أن الدستور الحالي كما يقول العديد من الخبراء مليء بالمواد المتناقضة؟
- نعم ثمة ملاحظات على الدستور، لكن أنا لست من دعاة تكرار نسخ الدساتير وتعديلها، صحيح أني لست متخصصاً في القانون الدستوري، لكني سمعت من متخصصين أن فيه شيئاً من التناقض، لكني شخصياً لست من هواة الترويج لاستمرار التعديلات الدستورية.
{ كيف تنظرون الى مستقبل التجربة الديمقراطية في اليمن في ظل الأزمات التي تعصف بالبلد؟
- أنا دائماً أقول: الوحدة والديمقراطية صنوان، فمن أراد أن يتلاعب بالوحدة اليمنية فلن يستطيع ذلك إلا إذا ألغى الديمقراطية،و من أراد أن يُلغي الديمقراطية فلن يستطيع أن يفعل ذلك وهو يحافظ على الوحدة اليمنية.
{ عطفاً على حديثك سننتقل الى الملف الثالث، وهو ملف الجنوب، فعدد من محافظات الجنوب تشهد تحركات انفصالية وبعضها بدأ يأخذ منحى مسلحاً، ما هي الحلول المناسبة لوقف ذلك حسب رأيك؟
- باعتقادي ، لقد بدأ الاخوان بمطالب كانت مشروعة وقابلة للنقاش.. يُقبل منها ما هو منطقي ويستبعد منها ما هو غير منطقي، لكن الأمور فجأة بدأت تسير في اتجاه لا يصب في مصلحة دعاتها، كما لا يصب في مصلحة الوطن ككل، ومن يعتقد أن دعوته الى الانفصال هي خدمة للجنوب، فإني أقول له إنه يجني على المحافظات الجنوبية أو ما كان يسمى بالجنوب سابقاً، إنه يجني عليه جناية أكثر من الجناية التي كان يشكو منها، العودة الى بحث القضايا التي شكا الناس منها، وتغيير الواقع فيها، وإيجاد نظام الحكم المحلي الكامل بطرق قانونية ودستورية متكاملة هو الحل لهذه القضايا، إن الاعلام يركز على الشكوى في المحافظات الجنوبية، لكن المحافظات الأخرى أيضاً لديها شكوى لكن لا يمكن أن تكون الشكاوى مبرراً للانفصال، »سيبني واسيبك« هذا لن يحصل.
{ ما هي مشكلة الجنوب تحديداً من وجهة نظرك؟
- إنني لم أكن طرفاً في الحوارات التي سبقت المناداة بالانفصال وفك الارتباط، حتى اليوم لست طرفاً في المناقشات التي تدور في هذا الموضوع، أنا كنت كغيري أسمع عن بعض المطالب: عودة المفصولين من القوات المسلحة ومن أجهزة الامن، معالجة قضايا الاراضي، هذا ما كنا نسمع عنه، مجرد سماع، وأنا لم أكن طرفاً فيها حتى أعطيك توصيفاً دقيقاً للمشكلة، لكني أعتبر أن هذه المطالب هي مطالب معقولة.
{ بعض القيادات التي تدعو للانفصال تقول ان هناك مرجعية دولية لمطلب الانفصال، إذ أن ملف حرب صيف 1994م لم يُغلق على مستوى الأمم المتحدة، بصفتك كنت هناك وتعرف ماذا حصل، ما هو ردك على مثل هذا الكلام؟
- قل لهم أن يتعلموا، قضية فلسطين موجودة في كل تقرير سنوي يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لماذا؟ لأنها قضية لم تنتهِ، بعد سنة من نهاية الحرب قدّم الأمين العام للأمم المتحدة وقتذاك بطرس غالي تقريره، وخلال السنة الثالثة أغلق الملف، لم يقل أنا أغلقته، لا يتخذ قرار بإغلاقه مثلما يُتخذ قرار بفتحه، لكن كون التقارير السنوية للأمم المتحدة لم تعد تتناول الموضوع، فهذا يعني أنه قد انتهى، هناك قضايا كثيرة في العالم يتم التعامل معها بهذا الشكل، فقضية قبرص لم يُغلق ملفها، لايزال.
الحديث عنها موجوداً في التقارير السنوية، لكن قضية الكونغو انتهت، وأغلق الملف، دعهم يحلمون بأن الأمم المتحدة سوف تلبس القبعة الزرقاء، وتأتي لكي تفصل بيننا.
{ لا يوجد مجال لتدويل الأزمة في الجنوب؟
- أبداً.
{ في هذا السياق ثمة تقارير غير معروف مدى صحتها تتحدث عن وجود اتجاه في ايران يسعى للمساعدة في الانفصال، ما رأيك؟
- أنا لم أسمع بذلك، الذي ألمسه أن إيران تتعاطف مع الحوثي تعاطفاً كاملاً لكن مع الانفصال أنا لم أسمع ولم ألمس شيئاً من هذا القبيل حتى الآن.
{ لكن هناك من يُحاجج بأن الاحداث في الجنوب تحظى بتغطية كبيرة من قبل الإعلام الإيراني الرسمي، ومن جهة أخرى دعا علي سالم البيض في حوار أجري معه إيران الى ضرورة دعم توجهه بفك الارتباط.؟
- هذا مزاجه فقط، ولا يعني ذلك أن يتحدث عن المزاج الايراني، أنا لا أتوقع أن تتحول إيران إلى طرف في تجزئة اليمن.
{ هل أنت قلق من المنحى الذي أخذته القضية في محافظات الجنوب نقصد منحى القتل على الهوية؟
- الحقيقة ان كثيراً من قيادات ما يسمى بالحراك رفضت هذا السلوك وأدانته، إنها جرائم وليست نضالاً وطنياً وهذه جرائم ترتكب والمجرم مجرم.
{ ألا تخشى من صراع هويّاتي، وإيجاد هوية جنوبية مقابل هوية شمالية إن جاز التعبير؟
لا، ولكن أظرف ما في الحراك أن العلم الامريكي يرتفع على منزل قائد الحراك في أبين، هو ليس قائد الحراك في الجنوب، بل قائد الحراك في زنجبار تقريباً.
{ تقصد طارق الفضلي، حتى في زنجبار هناك انقسام كبير حوله..
- بصدق أنا أشكره على ما عمل.. من المفروض أن نشكر طارق في مقابلة له مع صحيفة الخليج قال: »سترون أعلام بريطانيا وأمريكا في كل بيت وفي كل جبل«،و الله نحن نشكره لأنه قطع الصلة بينه وبين كل وطني في اليمن كله بشماله وجنوبه، وهذا عمل يُشكر عليه.
{ هل تعتقد أن هذا الشخص قد يصبح رقماً مهماً في قادم الأيام؟
- لقد أصبح علماً، حوّل نفسه الى علم امريكي فقط.
{ إلى أي مدى تساهم الاستقطابات الاقليمية والدولية في تدهور أو استقرار الاوضاع الامنية والسياسية في اليمن؟
- في الحقيقة ان عدم استقرار اليمن هو الذي يُغري الآخرين بالتدخل، اليمن المستقر الذي يسير نحو التنمية والتطور والتعليم لا يُغري أحداً، اليمن الملتهب يغري الآخرين، ولا تستطيع أن تحمي نفسك منهم إذا كنت تسير في اتجاه عدم الاستقرار ونحو الهاوية.
> لننتقل للحديث عن تنظيم القاعدة، تشير بعض التقارير الدولية الى أن اليمن قد يشكل ملاذاً آمناً، للقاعدة ما رأيك؟
- أولاً القاعدة موجودة في اليمن ولا ننكر هذا الامر، وقد انضم اليها آخرون من خارج اليمن، وذلك لا يُنكر، محافظ مأرب في مقابلة صحفية أشار الى وجود باكستانيين، وهذا محتمل، أما كون »أن اليمن تعد مأوى آمن للقاعدة« فهذه مسألة تحتاج الى تدقيق، القاعدة لها مأوى في كل بلد، لا يستطيع أحد أن يقول »ليس عندي قاعدة«، لكن الاعتراض هو على المأوى الآمن، هذا هو التضخيم الذي يأتي حتى من الإعلام الغربي، الأحداث التي جرت في الأشهر الأخيرة تدل على أنه ليس للقاعدة مأوى آمن »في اليمن« : لها مأوى، ولكنه غير آمن، ولذلك فإنه كل يوم في جبل وكل يوم في »سايلة«، وكل يوم في وادي، لأنهم غير آمنين وغير مستقرين، وأنا اعتقد أن الوسيلة الناجعة لمواجهة تنظيم القاعدة هي أن لا تعطيه فرصة ليشعر بالأمان ويخطط يجب أن يظل مطارداً.
{ في هذا الإطار ما تقييمك لحجم الخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة في اليمن؟
- اعتقد أنه قد هوّل أكثر مما يجب ضُخّم والإعلام الغربي هو من ضخمه جرت العادة أن الاعلام العربي هو الذي يُضخم ، »الاشياء«، هذه المرة الإعلام الغربي هو من تولّى تضخيم أمر القاعدة.
{ ولكن ما هي الأسباب وراء تضخيم خطر القاعدة؟
- إن نوعية الحادث الذي قام به (النيجيري) عمر عبدالمطلب وتقنيته هو الذي أدى إلى التضخيم.. أولاً:آلية التفجير ونوع المواد المستخدمة التي دلت على أن هناك تقنيات متطورة، وأن هناك متخصصين، ثانياً اختيار تاريخ يوم الكريسمس والاحتفال برأس السنة الميلادية، ثالثاً: كان هناك طائرة تحمل على متنها عدداً كبيراً من المدنيين، لهذه الأسباب كلها كان رد الفعل هو التضخيم، لقد اعتقدوا أن القاعدة مستقرة وآمنة، وأن لها مواقعها التي تستطيع منها أن تخطط كما خطط بن لادن أيام إمارة طالبان.
{ ربما ما يزيد من مخاوف الامريكيين البعد الافريقي، خصوصاً في ظل المعلومات المؤكدة عن تعاون تنظيم الشباب المجاهدين، في الصومال مع تنظيم القاعدة في اليمن؟
- لاشك في ذلك البيان الرسمي الذي أصدره تنظيم القاعدة في اليمن، والذي حيا فيه حركة »الشباب المجاهدين« لانضمامها إليه، له بعد كبير وخطير.
{ ألا يمكن أن يكون وراء التضخيم الذي أشرت إليه محاولة لشرعنة نوع من الوجود العسكري أو تحقيق أطماع في اليمن؟
- لم يعد أحد يطمع في أحد، لديهم إمكانات أكبر من أي قواعد، يستطيعون تحقيق أهدافهم وأغراضهم بسبل حديثة، في الخمسينيات كان الجميع يبحث عن قواعد، أما في القرن الواحد والعشرين، إذا لم تكن هذه القوى الدولية تشعر بالأمان تجاهك ولم تكن مطمئنة إليك، فإن لديها وسائلها التي تجعلها تقوم بمعاقبتك دون الحاجة الى أن تنزل الى أرضك.
{ مناطق القبائل التي يشتبه بأن عناصر تنظيم القاعدة يتحركون فيها بشكل أو بآخر، هل تعتقد أنها ستكون المعترك القادم؟
- المناطق التي يتحركون فيها هي أصلاً أراضٍ شحيحة السكان، صحيح أن القبائل تغض الطرف عن وجودهم، لكن هؤلاء يستغلون الأعراف والشيم القبلية لحماية أنفسهم.
{ كيف بإمكان الدولة أن تتصرف مع مثل هذا الواقع؟
- بأن لا تسمح لهم بالاستقرار، ليس ضرورياً أن تخوض حرباً مع القبائل .. ما أسمعه أنهم متنقلون لأنهم غير مطمئنين، فينبغي أن لا تعطيهم فرصة للأمان.
{ هل هذا يعني أنك تستخف بتهديدهم فيما يخص باب المندب؟
- هذه نكتة تستحق الضحك.
{ نقلت عنك إحدى الصحف الأمريكية قولك أن جهاز الأمن السياسي مخترق من قبل تنظيم القاعدة، فهل هذا الكلام دقيق؟
- لست أول من قال هذا الكلام، ولست أنا الوحيد الذي قال ذلك.. فقد قيل أكثر من مرة.. أنا أعتقد أن هروب أعضاء تنظيم القاعدة في شباط /فبراير 2006م من سجن الامن السياسي حدثٌ لا يمكن أن يتم من دون وجود موظفين صغار متواطئين.
أنا لم أشر بكلامي إلى قيادة الأمن السياسي، لكن هناك موظفين موجودين ليلاً ونهاراً بالمبنى في الوقت الذي كان أفراد التنظيم يشقّون النفق، ثم يقال »لقد تمت العملية دون أن يكون هناك متواطئون«، هذا استخفاف بعقول الناس!
{ في هذا السياق كيف تنظر الى التعاون اليمني الامريكي في مجال مكافحة الارهاب؟
- اعتقد أنه الآن قد أخذ مجراه السليم.
{ تقول تقارير دولية عدة أن اليمن تتجه لأن تصبح دولة فاشلة، ما تعليقك؟
- أنا دائماً أتحدث عن هذا الموضوع، وأقول أن هؤلاء يجهلون اليمن وتاريخه والأزمات التي مر بها عبر التاريخ وعبر العصور، واليمن دولة منذ ألف سنة قبل الميلاد؛ لم تكن الدولة في اليمن في يوم من الايام دولة فاشلة، كان هناك دولة ضعيفة ودولة قوية، عندما تضعف الدولة الأطراف تتململ وعندماتقوى الدولة الأطراف تعود الى المركز، فالحديث عن دولة فاشلة في اليمن حديث لا علاقة له بواقع الصومال وافغانستان والكونغو، لكن هذا الكلام غير صحيح.
{ لكن لديهم معايير علمية؟
- أنا مطلّع على تلك المعايير، معظمها لا ينطبق على اليمن.
{ أخيراً كيف تنظرون لمستقبل اليمن ووحدته في ظل هذه الازمات وهذه الاستقطابات المحلية والاقليمية والدولية؟
- كثيراً ما يأتي أناس زائرون يصلون اليمن لأول مرة، وفعلاً بمجرد أن ألتقي بأحدهم حتى يُبدي تأثره بالوضع الذي نحن فيه، فأقول له: »وينك وين!«، لقد عدت سنة 1968 وجبال صنعاء هذه التي حولنا كلها في يد الملكيين ولم أصل الى صنعاء الا بعد أن سافرت الى الحديدة، وحتى طريق الحديدة كان مقطوعاً.
ورغم هذا فإن الدولة لم تفشل، ولم تسقط، ولم تنتهِ على العكس أنا أقول: إن اليمن مرت بأزمات أخطر من هذه الأزمة، لكننا في أزمة لا يمكن أن ننكرها، ولابد أن نتعامل مع هذه الأزمة.
{ إننا كما يبدو على المحك، فهناك انتخابات في نيسان/ ابريل 2011 وانتخابات رئاسية في 2013 وليس هناك توافق سياسي حتى الآن.
- الديمقراطية التي تبنيناها هي على المحك بالتأكيد، ولابد من انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية وتعددية في 2011، ولابد من انتخابات رئاسية بنفس هذه الشروط، إذا تخلينا عن هذه الاشياء فإننا نكون قد وضعنا اليمن على عجلة السير الى الوراء.
{ سؤال أخير، هل تعتبر نفسك من حزب المتفائلين؟
- أنا دائماً متفائل.{
|