د. علوي عبدالله طاهر - في الذكرى الأربعين لوفاة المناضل محمد علي لقمان المحامي نظمت جامعة عدن ندوة خاصة به، هي الأولى من نوعها من حيث عدد المشاركين ومستوى البحوث، وتفاعل الحضور مع فعاليات الندوة.. فعلى مدى ثلاثة أيام وهي أيام الندوة (13-15) نوفمبر تم استعراض أكثر من أربعين بحثاً تناول فيها مقدموها جوانب مختلفة من إبداعات محمد علي لقمان الذي قيل فيه الكثير من الصفات الحميدة من قبل بعض الباحثين، والتي لخصها الاستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني بقوله: هو الرجل العصامي، والنابعة، العلامة، الذي عرفته اليمن كلها شخصية متعددة الجوانب، متنوعة الأبعاد، مختلفة الاتجاهات، متشعبة الخصائص، وهو المفكر السياسي، والفيلسوف الاجتماعي، وهو المناضل الجسور، والثائر الصبور، وهو التربوي العملي، والصحافي الناجح، وهو الشاعر البارع، والناشر الذكي، والرحالة الشجاع، وهو المحامي المقتدر، والقاص المبدع، والروائي الرائد، وهو المسرحي الجميل، والاقتصادي الدقيق، وهو المصلح الاجتماعي والديني الذي عمل وأبدع في كثير من مجالات الحياة المتباينة، وفي أكثر من ميدان من ميادين الواقع المتغير الذي لايقر له قرار، إلى ما هنالك من الصفات التي أضيفت عليه من قبل معاصريه ومحبيه.
وما يميز ندوة لقمان موضوعية البحوث المقدمة وجديتها فهي بحوث محكمة، شارك في إعدادها أعداد كبيرة من اساتذة الجامعات اليمنية، ومنتسبيها من الأساتذة العرب، أُعدت معظمها بأسلوب علمي وفقاً لمنهج البحوث العلمية الحديثة، مما يكسبها أهمية خاصة، ويؤهلها لتكون مرجعاً للباحثين في المستقبل.
ولقد أكدت معظم البحوث المقدمة في الندوة على الدور الريادي لمحمد علي لقمان، واتفقت على اعتباره رجل التنوير الأول في اليمن، ومن ذلك ما قاله الاستاذ الدكتور عبدالوهاب راوح رئىس جامعة عدن في كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح الندوة، حين قال: لقد حمل المحامي لقمان أعباء حركة التنوير في ظروف اجتماعية تاريخية محددة من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر على امتداد نصف قرن من الزمان، وهي فترة زمنية ليست بالكبيرة، إذا قسناها بحياة الدول والشعوب على السواء، ولكن على الرغم من ذلك فقد استطاع هذا المنور اليمني أن يحقق إنجازات كبيرة للغاية في كثير من مستويات الواقع الذي عاش فيه.
ولقد كان الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني منصفاً في تقويمه لشخصية لقمان المحتفى به، حين قال في كلمة افتتاح الندوة: إنها لمبادرة رائعة ان تنعقد هذه الندوة احتفاءً بمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيل أحد أهم وأبرز الشخصيات اليمنية التي ولدت في مدينة عدن، وترعرعت فيها، وهامت حباً بجبالها وشطآنها وخلجانها الجميلة، وشغلت اهتمامها، وانشغلت بها، ومن خلالها بالوطن اليمني كله على امتداد النصف الأول من العشرين الماضي ويزيد، إنه المناضل الكبير والمصلح والمفكر المستنير ورائد التنوير والتربوي القدير الأديب الأريب، والسياسي المتميز، والصحفي الأول ومؤسس الصحافة الحديثة في اليمن والجزيرة العربية، محمد علي لقمان المحامي.
ومن نافلة القول التأكيد على أن ندوة لقمان وإن جاءت متأخرة إلاَّ أنها أعادت الاعتبار لهذه الشخصية العظيمة، والتي كادت الأجيال أن تنساها، لكثرة ما تعرضت له من إهمال من قبل النظام الماركسي الذي حكم عدن قبل الوحدة، وهو ما حدا بكاتب هذه السطور إلى التعريف به، وانكار ذلك التجاهل المتعمد الذي كاد أن يطمس معالم ذلك الرجل العملاق، فكتب في وقت مبكر جداً من أوائل الثمانينيات مقالاً في صحيفة »14 أكتوبر« الصادرة في عدن، أبرز فيه بعض جوانب إبداعات لقمان، في مسيرة الحياة الثقافية اليمنية، معتبراً إياه رائداً للتنوير واستاذاً لجيل واسع من المثقفين، ومع ذلك لم يجد اهتماماً من قبل الباحثين على امتداد تلك السنوات، ثم تساءل: رجل مثل هذا أليس جديراً باهتمام الباحثين، وتعريف الدارسين، وتعريف الجيل الجديد به؟ ورجل مثله أليس جديراً بالإنصاف وتخصيص عدد من البحوث والدراسات لاستجلاء معالم شخصيته؟.
ولقد جاءت هذه الندوة لتجيب عن ذلك التساؤل القديم وتحققت تلك الأمنية التي طالما حلمنا بها طوال أربعين عاماً مضت.. فشكراً لجامعة عدن، والقائمين على الندوة جميعهم، ولمثل هذا فليعمل العاملون. |