يحيى نوري -
النتائج التي اسفر عنها مؤتمر لندن للمانحين والتي وصفها أحد رؤساء الوفود المشاركة انها تمثل نجاحاً غير مسبوق على صعيد المؤتمرات المماثلة.. لاشك أنها أي هذه النتائج قد اسست لعهد جديد لمسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا بما يعمل على تحقيق الانتعاش الاقتصادي المنشود ويوسع من فرص الانطلاق لمختلف القطاعات الانتاجية، كما أن المسافات التي تحد بين بلادنا والمشروعات الاستراتيجية التي تنشهدها سوف تختصر وبالتالي ستفرز عملية الحراك الاقتصادي معطيات جديدة ومتوالية.
الاستعداد للتغيير
ولا ريب أن هذه التطلعات التي تسعى بلادنا وبخطوات حثيثة من أجل بلورتها على الواقع تتطلب حالة من الاستعدادية المستمرة لمختلف مؤسسات ومصالح الدولة والحكومة حتى يمكنها التعامل المقتدر مع المتغيرات القادمة وعلى أسس سليمة وقوية أساسها الادارة القادرة على اعطاء هذه المتغيرات والتحولات المرتقبة مزيداً من الزخم والمناخات المواتية التي تساعدها على التحقق في اطار من الانسيابية ووفق ما هو مخطط ومبرمج لها في اجندة الدولة المختلفة.
وما من شك أن التعامل مع القادم من الأيام على الصعيدين الآني والمستقبلي يتطلب من مختلف الجهات المعنية القضاء أولاً على حالة الرتابة التي يعاني منها نشاطها وان تبدأ بصورة عملية تنفيذ العديد من البرامج والانشطة الكفيلة برفع مستوى الجاهزية لمختلف كوادرها في اطار من الخطط الواضحة المتفقة والمنسجمة مع الأهداف الاستراتيجية للوطن وبما يكفل ايجاد حالة من التناغم بين ادائها وسير خطط وبرامج مؤتمر المانحين.
ولاريب أن تحقيق هذه الغاية يتطلب تفعيل جوانب التدريب الهادفة الى رفع المهارات من خلال تشخيص دقيق لاحتياجات الادارة في بلادنا وعلى مستوى مختلف جوانب عملياتها التخطيطية والتنظيمية والاشرافية والرقابية والدفع بمختلف القدرات والامكانات الادارية القادرة على الخلق والابداع والمبادرة في مختلف اوجه النشاط الاداري.
وذلك من خلال الاستفادة الكاملة للتجارب الناجحة في العلاقات التي توجت بنجاحات كبيرة بين الدول والمنظمات والصناديق المانحة والبلدان التي استهدفتها جهات التمويل هذه من خلال خطط واضحة كان لها أن ساعدت على انتشال العديد من البلدان من مستنقع الانهيار الاقتصادي.
رؤية ثاقبة
وحقيقة ان هذه المسألة باتت القيادة اليمنية تدرك اهميتها اكثر من اي وقت مضى وذلك نظراً لطبيعة التحديات القادمة التي تتطلب من بلادنا التعاطي معها بالصورة التي من شأنها أن تعزز الثقة بين الادارة اليمنية وجهات التمويل المختلفة ويحقق لهما ارضية قوية وصلبة يمكنها من الولوج الى مجالات اكبر من حيث الاهداف والبرامج الطموحة لتعزيز مسار عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. ولعل ابرز الدلائل التي تؤكد حرص بلادنا على تحقيق هذه الغاية هو ما حرص على تأكيده فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية خلال مؤتمر لندن حيث وجه الدعوة ولأكثر من مرة لمختلف المانحين الى ايجاد الآليات التنفيذية لنتائج مؤتمر لندن من خلال اجراء المراجعات المطلوبة للخطط والبرامج التي اعدتها الحكومة اليمنية.
وفي هذه الدعوة العديد من الدلالات والمعاني العميقة التي تؤكد جميعها على ان الاهتمام بالعملية الادارية من خلال تنمية ادارية واضحة ومتطورة وقادرة على المواكبة يمثل الاساس القوي الذي يستحيل بدون تحققه التوجه صوب المستقبل والأهداف المنشودة، كما تؤكد وبعمق الاستشعار بالمسئولية الوطنية ازاء هذه النتائج وهي مسئولية تتطلب دوماً المزيد من الشفافية والوضوح في التعبير عن مشكلاتنا واحتياجاتنا من التطوير على صعيد التنمية الادارية وجعلها هدفاً استراتيجياً المشاركة فيه مكفولة للجميع من دول وهيئات ومنظمات وصناديق طالما الهدف هو احداث التطوير الاداري المنشود والذي سيمثل الضمانة الحقيقية لسير عملية التنمية الادارية وبرامج الاصلاحات المختلفة وكذا تحقيق التناغم والتلازم بين مختلف العمليات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهد الساحة اليمنية تفاعلاتها ونتائجها.
المعالجات الجذرية
ولكي تُهيأ الأرضية القوية والصلبة لعملية التنمية الادارية المعبرة بقوة عن الدولة اليمنية الحديثة بمختلف هيئاتها ومؤسساتها ومصالحها المختلفة، لابد لتوجهاتنا على هذا الصعيد ان تتجرد تماماً من المعالجات السطحية والتي طالما تعتمد على المهدئات والمسكنات باعتبار هذا الاسلوب لم يعد مجدياً في ادارة مصالح الدولة المختلفة ولا يعني من قريب او بعيد قيام الدولة اليمنية بالايفاء بمختلف التزاماتها ازاء الدول والمنظمات الدولية المختلفة ولا يهيئ بالتالي فرصاً للانطلاق صوب الآفاق والتطلعات التي جاء مؤتمر لندن من أجل تحقيقها.. وهذا يعني ببساطة ان رفع الجاهزية الادارية التخطيطية والتنظيمية والاشرافية والتقييمية والرقابية من خلال معالجات قادرة على الغوص في ثنايا المشكلات الادارية والبحث العلمي عن الاسباب التي عملت على تشكلها وبالتالي تحديد المعالجات الناجعة لها وبصورة متجردة تماماً عن اية ارتجالية او عشوائية وان يتم التغلب على كل المشكلات في اطار من الاسس العلمية التي منها بالطبع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب كخطوة اولى نحو المستقبل، وذلك من شأنه ان يكسب الادارة اليمنية قيادات اكثر قدرة على التعاطي مع التحديات في اطار من المهنية العالية والخيال الخصب القادر على رصد تحولات المجتمع ومواكبة كل ذلك في اطار من الخطط والبرامج الكفيلة بمساعدة مختلف اوجه النشاط في القيام بتنفيذ مهامه والتزاماته على خير وجه.
مطالب عاجلة
ولكي تتعزز خطط التنمية الادارية وبالصورة التي تعمل على تحقيق الحلم التنموي والاقتصادي وتحقيق التحول الاجتماعي على مستوى مختلف المجالات فإن الدولة اليمنية باتت ووفقاً لنتائج مؤتمر لندن للمانحين ووفقاً للتغيرات الاقتصادية والاستثمارية المنشودة في المستقبل القريب كنتيجة حتمية واساسية لهذا التحول فإن الاهتمام بالتنمية الادارية يتطلب المزيد من الاهتمام بدور المعهد الوطني للعلوم الادارية وهو المعهد المعني بتطوير الادارة وتنميتها ورصد مشكلاتها وتحليلها وذلك من خلال احداث تحول مهم في نشاط المعهد الوطني للعلوم الادارية ويكسب خطته القادمة بُعداً جديداً من خلال المزيد من الاهداف والبرامج والانشطة التي يجب العمل على الاعداد لها من خلال القيام وبأسلوب علمي وفي اطار من الامكانات اللازمة بعملية دراسة الاحتياجات التدريبية لمختلف اجهزة الدولة على ضوء المتغيرات والتحولات التي شهدتها الساحة اليمنية ومن خلال الاستقرار الايجابي للغد وطبيعة ما سيشهده من تحولات مهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتلك عملية تتطلب المزيد من الاهتمام بالمعهد الوطني للعلوم الادارية وجعل عمليته التدريبية والتأهيلية عملية ملزمة على مختلف الجهات في اطار خطط زمنية يتم خلالها تنفيذ العديد من المؤتمرات والندوات والحلقات النقابية والبرامج التدريبية الطويلة والقصيرة وعلى مستوى كافة جوانب العملية الادارية وكذا جعل العملية التدريبية عملية مشروطة على صعيد نيل الدرجات الوظيفية والترقيات.. الخ من الموضوعات التي تتطلبها عملية التدريب والتأهيل.
وكذا العمل الجاد والحثيث للاستفادة من التجارب الناجحة في دول مجلس التعاون الخليجي حيث سيؤدي هذا التواصل من التعاون المثمر في مجال التنمية الادارية الى المزيد من البرامج والانشطة الادارية التي من شأنها ان تعمل على ردم الهوة في مستوى التنمية الادارية في بلادنا وفي بلدان المحيط.
نقول ذلك من منطلق الحرص على جعل العملية التدريبية والتأهيلية لكافة موظفي وكوادر الدولة اليمنية عملية اجبارية لا غنى عنها في توجهات بلادنا الراهنة وهي عملية تفرض على الدولة توحيد امكاناتها ذات العلاقة بالعملية التدريبية من خلال جعل هذه العملية تتم في اطار جهة واحدة هي المعهد الوطني للعلوم الادارية ووضع حد لكافة مراكز التدريب او معاهد التدريب التي تنتشر من وقت لآخر في اطار العديد من الجهات الحكومية والتي طالما تؤثر على العملية التدريبية وتتبدد بوجودها العشوائي هذا امكانات الدولة في هذا الجانب ويضعف من دور مؤسستها المعنية بالتنمية الادارية والتي كان لها ان انشأتها في العام ١٦٩١م، وهي المعهد الوطني للعلوم الادارية.
الخلاصة
لاشك ان نظرة متأنية هنا لطبعة التوجهات القادمة سواءً أكانت على صعيد مقررات ونتائج مؤتمر لندن او على صعيد الاهداف المنشودة التي عبر عنها المؤتمر الشعبي العام التنظيم الحاكم والتي سطرها في برنامج مرشحه للانتخابات الرئاسية ومرشحيه للانتخابات المحلية او على صعيد الاهداف التي تتطلع بلادنا القيام بتحقيقها من خلال التعاون الثنائي بينها وبين البلدان الشقيقة والصديقة وعلى صعيد الاجندة الاقتصادية الاستثمارية على المستويات المحلية والاقليمية والدولية بالاضافة الى الأرقام والمؤشرات في العديد من الميادين الاقتصادية والزراعية فإننا نجد ان كل ذلك يتمثل مؤشرات عظيمة لمستقبل افضل ينبغي التعامل معه من خلال الرؤية الادارية القادرة على تحقيق التنمية من خلال بناء الانسان اليمني واعداده بالصورة العالية التي تمكنه من الاستفادة من كافة الفرص المتاحة امامه ومن خلال اعطاء المزيد من فرص الانطلاق للقدرات والامكانات القادرة على الخلق والابداع نحو يمن جديد ومستقبل افضل ننعم وأجيالنا بخيراته وبحراكاته التنموية المختلفة.