ناصر محمد العطار -
بفضل التقدم العلمي والتطور التكنولوجي المتنامي وصل العالم الى مراتب الذروة بتعدد وتنوع الخدمات، وأصبح يُسيّر شؤون حياته بنظام أسرة وفي إطار قرية صغيرة يشكل الإعلام أحد نوافذها التي تمده على مدار الساعة بأنسام الحرية والديمقراطية، وتمده بالمعلومات عن مختلف مجالات الحياة »السياسية والثقافية والاقتصادية.. الخ« ومن هذا المنطلق حظي الاعلام باهتمام الجميع باستغلال كافة الامكانات المتاحة بل أصبح مهنة وعلماً يُدرَّس في الأكاديميات.. إلا أن وظائفه ودوره في الحياة مرهون ومقيد بحسب ثقافات الشعوب ومدى ما وصلت اليه من الوعي بالمدنية القائمة على احترام الحقوق والحريات ومبدأ سيادة الشعوب والتعايش السلمي وتبادل المنافع.. ومن مجتمع لآخر أو من فرد أو جماعة وفئة، أو منظمة أو حزب لآخر تتجلى المواقف وطرق التعامل مع الإعلام، فالبعض يعتبره السلطة الرابعة في الدولة والأداة الفاعلة للنقد البنَّاء وتقويم الأخطاء والقصور الذي قد يرافق أي عمل تنفذه الدولة أو أيٍّ من مكونات مجتمعها بما في ذلك الأفراد.. والبعض كان تعاملهم على العكس من ذلك باستغلال الإعلام لزرع مفاهيم وثقافات متنافية مع المبادئ الاسلامية وكافة التشريعات والأعراف والمواثيق لأضرارها الجسيمة على الحياة كونها ترتكز على العنف والكراهية والتطرف والإرهاب، ومثل ذلك من يسلط إعلامه للنيل والإساءة للآخرين.. والبعض يمارس الإعلام من أجل الإعلام فقط وبقصد الظهور والشهرة، فلم يعنه من الأمر سوى توفير الإمكانات من أدوات وكوادر والاهتمام بالجوانب الشكلية كالمنظر وشيء بسيط مما يجب توافره »في مَنْ يعمل بمهنة الإعلام« من الأمانة والإلمام الكامل بالمواضيع التي يتناولها، منعاً من الوقوع في الخطأ الذي قد يلحق الأذى بالآخرين ويشوه رسالة الاعلام.. الخ.
تجاوزنا التجارب
ولأن يمن الإيمان والحكمة والشورى مهد الحضارات الانسانية قد اكتوى ويكتوي بنيران الفتن التي ساهمت في إشعالها الحملات الإعلامية المضللة والمتنافية مع الحقائق والواقع- (والتي تردَّد وبشكل مستمر وتمارس ممن يجمعهم بالوطن وأبنائه وحدة الأصل والمنبع لانحدارهم من القحطانيين وكذا وحدة المصير والهوية«- وآداب مهنة الإعلام كونها جملاً وعبارات تصور المجتمع اليمني كأنه مكون من خليط من قوميات متعددة تحمل كل منها ثقافة وديانة وأعرافاً وقوانين تختلف عن الأخرى.. الخ والأمَرَّ من ذلك أنه الى جانب تبني حلقات وبرامج تمس اليمن وما يجري فيه لا يدع لحضوره من يمثل الشعب وإنما يدعي المجرمون أو المحرضون لهم »ليتقولوا زوراً وبهتاناً وبما من شأنه جعل الحق باطلاً والباطل حقاً« واعتبارهم وجرائمهم من الاعمال البطولية والمقاومة كما لو كانت ضد استعمار.
بين الجهلة والمصلحة
وما لم يتطرقوا له في تقولاتهم، يتطرق له الاعلامي راعي النقاش وبالتدخل الفوري، وكل ذلك لا يعد كافياً بل تجاوز الامر لأن تُحشر اليمن في أنشطة وبرامج أخرى للاستدلال ولضرب الأمثلة، والجديد القديم هو ما تناوله الشقيق الإعلامي فيصل القاسم ومن منبر »الجزيرة« مساء الثلاثاء الماضي.. وهي تصرفات لا تعدو أن تكون راجعة لأمرين أولهما الجهل المطبق بواقع اليمن وهذا مشكوك فيه لأن الدنيا كلها البعيد والقريب يعلم تاريخ اليمن قديمه وحديثه ويعلم أن ثورة 26 سبتمبر عام 1962م قد أنهت والى غير رجعة نظام الإمامة البغيض والمتخلف، ومثل ذلك دُحر الاستعمار بثورة 14أكتوبر 1963م وسعى الجميع للتخلص من موروثهما بإعلان تجدد ميلاد اليمن السعيد صباح 22مايو 1990م على أسس ومبادئ الشريعة الاسلامية والنهج الديمقراطي المرتكز على احترام الحقوق والحريات وحق الشعب في حكم نفسه بنفسه وان النظام الجمهوري هو نظام الدولة وأن الشعب مالك السلطة ومصدرها وأنه قد مارسها فعلاً بالاستفتاء بـ»نعم« على الدستور واختيار ممثليه في السلطة التشريعية لثلاث دورات 1993 و 1997 و 2003م وبالمثل اختيار ممثليه في السلطة التنفيذية بانتخاب رئيس الجمهورية عام 1994م من قبل ممثليه في السلطة التشريعية ومن قبل الشعب مباشرة لدورتين 1999 و2006م، واختيار ممثليه في السلطات المحلية لدورتين عام 2001 و2006م.. وان العديد من الاحزاب ومنظمات المجتمع قد نشأت ونمت وترعرعت ومارست كافة حقوقها وأصبحت حاكمة ومعارضة، وان الشعب قد انخرط فيها ومارس كافة حقوقه وتمسك ويتمسك بحقه وخياره، فتصدى للانفصاليين الذين تمردوا على الشرعية الدستورية عام 1994م وواصل مسيرته بتعزيز نسيجه ولُحمته، وانه على لُحمة واحدة من الأسرة الممتزجة من مختلف المناطق بالمصاهرة والحزب والمنظمة وكافة مكونات المجتمع تجمعهم وحدة الأصل والديانة والثقافة.. وبالمثل تصدى للرجعيين وبفضل الله ثم بنضال الاحرار تمكن من القضاء على كل الفتن والدسائس رغم عتادها التي تلقته من هنا أو هناك.. أما الأمر الثاني- وهو مستبعد جملة وتفصيلاً لانتفاء المصلحة أو أية رابطة سببية تجمع بين منابع ومصادر تلك الحملات بما يجري بالوطن لأن اليمن قد سوَّى خلافاته مع الجيران على مبدأ »لا ضرر ولا ضرار« وان علاقته مع القريب والبعيد والشقيق والصديق قائمة على التعايش السلمي وتبادل المنافع واحترام ارادة الشعوب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.. وأن اليمن حكومة وشعباً يعمل دوماً في إطار البيت والاسرة العربية والاسلامية والاسرة الدولية من أجل إحلال السلام والعدل..
وإذا لم يكن كذلك في كلا الأمرين فيا تُرى ما الاهداف من وراء تلك الانشطة، ولن نجد من بُدٍّ سوى الوصول الى بطن الشاعر لمعرفة ما يكنه، ومن خلال توجيه الاسئلة للإجابة عليها ممن لهم علاقة بتلك الانشطة وأبرزها يتلخص في التالي:
- ألا تعد »في جميع الشرائع السماوية والاعراف والقوانين« أعمال التقطع وإتلاف الممتلكات وإزهاق الأرواح وإجبار الناس على انتهاج ثقافة أو فكر معين واعتبار من لا يطيع أو يذعن زنديقاً يُهدر دمه وماله ويُنفى من أرضه ومجتمعه، وكذا اعتبار من لا يساندهم من المدرسين أو المدارس والطلاب وكذا المساجد وروادها- أئمة ومأمومين- وكافة مرافق الدولة، عملاء لاسرائيل وأمريكا.. الخ، كل ذلك الا يعد من الجرائم الجسيمة بحق الحياة يستحق مرتكبوها ايقاع العقوبة الرادعة بهم، وانه قد حق فيهم قول الله جل شأنه في إهلاك من ارتكبوا مثل تلك الجرائم من كافة المخلوقات التي استخلفت في الأرض »جان أو جن أو أنس وغيرهم مما هو في علم الله«.. الخ، وأن لا صلة لها بالأنشطة السياسية وغيرها مما يندرج تحت أي نظام مألوف، وان مرتكبي تلك الجرائم لا توجد لهم هوية سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية أم غير ذلك، وإنما هم ممثلون لكيانات خارجية وقد تأكد ذلك من خلال الوقائع التي رافقت سير اعمالهم لارتكاب تلك الجرائم.
- إذا تعرض أيٌّ من الاعلاميين للاعتداء عليه أو على أي من أفراد أسرته أو التكسير أو النهب وهو في طريقه للعمل أو النزهة أو أُتلف محله الصناعي أو التجاري بالحرق وإذا تمزق طفله جراء تعرضه للألغام المزروعة في ساحات اللعب والرعي وتحت ظل الاشجار أو إذا أُجبر ابنه على مغادرة مدرسته.. الخ، بماذا سيصف وينعت تلك الجرائم ومرتكبيها؟!
وفي الأخير نسأل الله أن يهدي الجميع الى ما فيه صلاح وأمان أمور المسلمين وشعوبهم وان يلم شعثهم وشتاتهم ليكونوا على الأقل في مستوى تلك الشعوب التي تناست آلامها ومخلفات ماضي النازيين.. وجعلت المصالح العليا لأوطانها فوق كل المصالح لتصبح كتلة واحدة تسخر كافة الإمكانات والمقدرات لخدمة أبنائها.
❊ رئيس دائرة الشؤون القانونية