الخميس, 13-مايو-2010
الميثاق نت -     احمد الحبيشي -
لليمن.. لا لعلي عبدالله صالح (41)...إنهم يسعون الى أسلمة تراث الجاهلية

أوضحنا في الحلقة السابقة من هذا المقال جانبا من الطريقة التي تمّ فيها التحضير لإشهار بيان سياسي ينطوي على مطالب سياسية وحزبية ذات طابع كهنوتي رجعي تحت واجهة (جامعة الايمان) بعنوان (مطالب علماء اليمن)، والاصرار على اللقاء بفخامة رئيس الجمهورية في جامع الصالح بعد صلاة الجمعة 23 ابريل الماضي حيث قام نفر من رجال الدين وخطباء المساجد الحزبيين بتسليم الرئيس علي عبدالله صالح ذلك البيان الذي انطوى على خطاب سياسي كهنوتي في سياق النقاش الذي تشهده البلاد حول قضية حماية الطفولة وضرورة تحديد سن آمنة للزواج ومنع إباحة نكاح الصغيرة ومفاخذة الرضيعة تحت مسمى الزواج الشرعي، على نحو ما حدث عندما ظهر الشيخ الزنداني أمام عدسات القنوات الفضائية في مؤتمر صحفي عقده بعد ختام دورة دينية نظمتها جامعة الإيمان وهو يتوعد الحكومة بتنظيم مسيرة يسد بها جميع شوارع العاصمة صنعاء، و ويهدد بسحب شرعيتها إذا أصرت على مناقشة مشاريع تعديل بعض القوانين، وبضمنها قانون الاحوال الشخصية وقانون الجرائم والعقوبات.

والحال ان مجلس النواب يستعد حاليا لمناقشة عدد من مشاريع تعديل وتطوير بعض القوانين التي تقدمت بها حكومة الدكتور علي مجورتنفيدا لتعهدات البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، من بينها تعديلات قانونية لحماية ورعاية الطفولة، وتحديد سن آمنة للزواج، بدلاً من المادة التي أصر الزنداني وحزب التجمع اليمني للإصلاح أثناء مشاركتهما في السلطة بعد حرب صيف 1994م، على إضافتها إلى قانون الأحوال الشخصية، وتفضي بالسماح لولي الطفلة الصغيرة او الرضيعة بتزويجها على شخص آخر، وإباحة نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الرضيعة من قبل الرجل المعقود عليها بموافقة ولي الطفلة الصغيرة أو الرضيعة، استنادا الى آراء قال بها بعص الفقهاء وخالفهم فيها غيرهم من الفقهاء القدامى والمعاصرينقبل حوالى الف وثلاثمائة عام، وهي آراء ووجهات نظر فقهية موروثة عن التراث الفقهي الوضعي القديم، وليست منزلة من رب العالمين ومالك الدنيا والدين، بينما يصر الفقهاء المقلدون على تكفير المشروع المقدم من الحكومة بشأن منع نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الطفلة الرضيعة واعتبار أي قانون يجيزه مجلس النواب بهذا الشأن عملا مخالفا للشريعة الاسلامية وحربا على الله ورسوله ؛ وهو أحد اشكال التدليس باسم الدين. إذ ان ما يدعو اليه الزنداني وشيوخ جامعة الايمان لا يعدو ان يكون سوى رجع الصدى لآراء فقهية تراثية قديمة عفى عليها الزمن ولا تصلح لزماننا وعصرنا.
وبوسعنا القول ان رجال الحرس الكهنوتي القديم في حزب (الاصلاح) وجامعة الايمان يحاولون إحياء دور الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى لجهة ممارسة الارهاب الفكري والمعنوي ضد كل من يخالف أراءهم وتوجهاتهم، ولا يعترف بالمزاعم القائلة بوجود تفويض الهي للفقهاء ورجال الدين باحتكار تفسير النصوص، وحراسة الدين في الدنيا والدفاع عن حقوق الله. كما يحاول الحرس الكهنوتي القديم في حزب (الاصلاح) وجامعة الايمان، البحث عن دور كهنوتي مفقود في يمن الثاني والعشرين من مايو من خلال التظاهر بتجسيد دور الوساطة بين الله في السماء وعباده في الارض. إذ أنهم يعتبرون كل من يختلف معهم ولا يوافق آراءهم عدوا لله ورسول الله ومخالفا للشريعة الاسلامية !!
ولاريب في أن آراء الفقهاء الاسلاف بشأن إباحة نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الطفلة الرضيعة وعدم مساواة دية المرأة القتيلة بدية الرجل القتيل، لم تكن بعيدة عن تأثير موروث جاهلية ما قبل الاسلام، لجهة احتقار المرأة والحط من مكانتها.. كما أنها لم تمثل في الوقت نفسه إجماعا فقهيا، حيث خالف تلك الاراء عدد كبير من الفقهاء الأسلاف، وهو ما تكرر أيضا في الخلاف الذي دار بين الفقهاء الاسلاف حول الموقف من تحريم الغناء والموسيقى بما هو أحد أبرز التوجهات (الطالبانية) الواردة في بيان المطالب الذي سلمه لفخامة رئيس الجمهورية أواخر الشهر الماضي بعض رموز الحرس الكهنوتي القديم في حزب (الاصلاح) وجامعة الايمان، باسم من أسموا انفسهم زورا وبهتانا (علماء اليمن) في سياق مخطط محموم لطلبنة اليمن!!!
ومن نافل القول ان كتب القهاء الأسلاف تزخر بالكثير من الآراء ووجهات النظر الفقهية التي تعكس رواسب الثقافة الجاهلية المعادية للمرأة والمهينة لكرامتها، على الضد مما جاء به الاسلام في القرآن الكريم وجسدته السيرة النبوية المطهرة للرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام.. فقد ذكر الامام النووي في كتابه الشهير (روضة الطالبين صفحة 314 الجزء الخامس) انه يجوز تأجيل المنفعة من نكاح الطفلة الرضيعة بعد تزويجها من قبل وليها، فيما يجوز مفاخذتها دون تأجيل إذا اتفق الولي والزوج على ذلك بشرط ألا يطأها. ولم يكتف الامام النووي بهذه الإباحة، بل أنه ساوى بين ما أسماه (وقف) الطفلة الصغيرة بعد تزويجها وبين (وقف) العبد والجحش الصغيرين قائلا : (وكما لا يُشترط في العين الموقوفة حصول المنفعة والفائدة في الحال، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزَّمِن الذي يُرجى زوال زمانته، يجوز نكاح الصغيرة ومفاخذة الرضيعة).
ويقول النووي في شرح صحيح مسلم : (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها فإن اتفق الزوج والولي على شيئ لا ضرر فيه على فرج الصغيرة عُمل به، كأن يقتصر الزوج على تقبيل ومفاخذة الطفلة الرضيعة المعقود عليها شرعا إذا وافق الولي على ذلك ، وإن اختلفا فقال الامام احمد وأبو عبيد : تُجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة حد ذلك أن تطيق الجماع ولا يضبط لسن).
من جانبهم يتفق فقهاء الشيعة الأسلاف مع فقهاء السنة الأسلاف حول هذا الموضوع كما هو الحال في رواية الشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) والشيخ الكليني في (روضة الكافي) عن الامام جعفر الصادق قوله (لايجوز وطء الطفلة الرضيعة المزوَّجة قبل اكمال تسع سنين، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس والضم والتفخيذ بشهوة فلا بأس للزوج بها حتى في الرضيعة لأنها معقودة على زوجها شرعا وإن كان يحرم عليه وطؤها) !!!
والثابت ان الاساءة لكرامة الطفولة في حالة الأطفال الإناث، لا تنفصل عن تاريخ تحقير النساء في التراث الفقهي الاسلامي والمسيحي واليهودي والوثني، على النقيض من التكريم والتوقير اللذين منحهما الاسلام للمرأة. فقد صورت بعض كتب الحديث والتفاسير المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة، وساوت بين المرأة والكلب في قطع الصلاة. وبلغ الأمر عند القرطبي حد التعسف في تفسير الآية القرآنية (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة)(ص 23) حيث قال في (الجامع لأحكام القرآن الكريم 172/15) ان المقصود هو تسع وتسعون إمرأة، منوها بأن (العرب تُكنِّي عن المرأة بالنعجة والشاة لما هي عليه من السكون والعجز وضعف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحجرة والناقة لأن الكل مركوب) !!!!؟؟؟؟
وتأسيسا على هذا التراث المهين لكرامة المرأةوالذي وصفته الزميلة العزيزة توكل كرمان قي العديد من مقالاتها ومداخلاتها بأنه يندرج ضمن محاولات بعض الفقهاء (أسلمة تراث أبي لهب) حاول بعض المفكرين اجراء دراسة محايدة لتجربة (طالبان) الفريدة في عدائها للحداثة والحضارة المعاصرة والعلاقات الدولية، بما في ذلك إفراط " طالبان " في اضطهاد المرأة وممارسة أقسى وابشع اشكال الإضطهاد والتمييز ضد النساء. وخلصت نتائج العديد من هذه الدراسات إلى أن الإفراط في التمييز ضد المرأة من قبل دولة " طالبان " لا يعود إلى سياسات وافكار ابتدعتها "طالبان"، وليس مقصوراً على قادتها والجماعات السلفية المتشددة والمعتدلة في آن واحد، بل هو موقف له جذوره العميقة في ثقافتنا وتراثنا الفقهي الملتبس بالدين،، بدءاً من القرن الأول الهجري ووصولاً إلى نهاية القرن الخامس الهجري، حين تبلورت ثقافة متكاملة على يد إمام كبير هو أبو حامد الغزالي. الذي قرر في الجزء الثاني من الباب العاشر من كتاب " إحياء علوم الدين " : ( القول الجامع في المراة أن تكون قاعدة في مقر بيتها، قلية الكلام لجيرانها، لا تخرج من بيتها، ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال، فإذا اضطرت للخروج باذن زوجها، خرجت خفية في هيئة رثة).
ولم تسلم العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة من هذا التحقير حيث يقول الغزالي : (والنكاح نوع من الرق، فالزوجة كالجارية الرقيقة عند زوجها، وعليها طاعته مطلقاً، وعليها أن تقدم حقه وحق أقاربه على حقها وحق أقاربها، وعليها أن تكون مستعدة لزوجها في جميع أحوالها ليتمتع بها، والرجل هو السيد المطاع، لا يشاور المرأة، فإذا شاورها خالفها، لأن في خلافها بركة. وكيد النساء عظيم، وسوء الخلق وقلة العقل من صفاتهن، فعلى الرجل أن يكون حذراً منهن، أما المرأة الصالحة فيهن،، فهي كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب).
ويستمر الغزالي في إهانة المرأة، فهو يرى أن الإحتساب الى الله ضد مرتكبي الكبائر وبضمنها فاحشة الزنى واجب شرعي لا يستقيم الدين بدونه، وفي حالةإستحالة تحقيق هذا الإحتساب بسبب عدم توفر الشهود الأربعة او سرية الفاحشة رغم وقوعها، فإن الواجب الشرعي في مثل هذه الحالة يقتضي أن يحتسب الزاني الى الله من الزانية سواء كان يزني مع خليلته برضى الطرفين، او مغتصباً غيرها بالإكراه.. وفي الحالين بجب على الزاني ان يحتسب الى الله منها بأن يطالب الزانية بستر وجهها حتى لاترى المنكر !! (نفس المصدر الجزء الثاني ص 400).. وهكذا يُلقي فقه التشدد كل الجرم على المرأة وحدها سواء كان معتدىً عليها جنسياً او بالتراضي !!
وقد شكلت هذه الثقافة المظلمة إطارا ً مرجعيا َلخصوصينتا الثقافية في نهايات القرن الثامن الهجري عند الامام شمس الدين الذهبي الذي أصدر في كتابه الشهير "الكبائر" ص 203، فتواه المدويّة التي ما زالت تداعياتها السلبية تلاحق المرأة حتى اليوم حيث قال : (صوت المرأة عورة، بل كلها عورة، ويجب حبسها في البيوت حبساً مطلقاً، لأنها إذا خرجت يكون الشيطان بها وفيها ومعها) وكذلك الحال بالنسية للإمام إبن تيمية الذي وصف المرأة في (الفتاوى الكبرى) بأنها في مقام العبد، فكلاهما مملوك لغيره، العبد لسيده والمرأة لبعلها او أهلها ‍‍‍. وما من شك في أن هذه الافكار هي المرجعية الشرعية للحرس الكهنوتي القديم في حزب (الاصلاح) وجامعة الايمان، الذي يرفض الإعتراف بحقوق المرأة السياسية والمدنية،ويصادر حقها في ممارسة الوظائف القيادية والإشرافية والسيادية في الدولة بحجة أن " الشريعة " لا تجيز الولاية العامة للمرأة، إلى درجة أن بعض هؤلاء المتشددين يعارضون ترشيح المرأة إلى الهيئات القيادية الحزبية أو عضوية البرلمان بحجة أن العمل الحزبي والعمل البرلماني يندرجان ضمن الولاية العامة التي ليس للمرأة حق فيها.
لا ريب في أن ما تقدم يؤشر على أننا أمام معضلة ثقافية بالدرجة الأولى التبست بالدين.. فموقف الغزالي المعادي للمرأة والعلوم الطبيعية والعقل هو موقف من نظام حياة متكامل جرى تقديمه على أنه هو الاسلام الحق.. ولاريب في أن الحرب الضارية التي شنتها هذه الثقافة ضد العقل، وتكفير كل من يجرؤ على تشغيل الوظيفة النقدية للتفكير، واضفاء القداسة على النصوص الفقهية ورفعها إلى مرتبة المصادر المقدسة للعقيدة، لاريب في أن كل ذلك – بالإضافة الى أسباب وعوامل سياسية أخرى في مرحلة الحرب الباردة – ساعد هذه الافكار المتخلفة على الإنتشار.إن مجرد إعمال العقل في النصوص وهو ما يحاربه التيار السلفي، كاف لإثبات حقيقة أن جانباً من هذه الثقافة السلفية يتعارض أساساً مع الدين نفسه.. ومع القرآن في المقدمة.
ولا نبالغ حين نقول ان (حجة الاسلام) الامام الغزالي و(نور الاسلام) الإمام الذهبي و(شيخ الإسلام) الامام بن تيمية " وأضرابهم وأتباعهم من فقهاء التشدد ومهندسي الثقافة السلفية الموروثة عن حقبة الانحطاط والتراجع التي تغلبت فيها البيئة البدوية والصحراوية على البيئة الحضرية، وسيطرت خلالها العناصر السلجوقية والمملوكية البربرية على مقاليد السياسة والحياة في المجتمع الإسلامي.. إن هؤلاء جميعاً خالفوا القرآن الكريم في الكثير من احكامهم الفقهية، والمدهش ان المتطرفين يتعاملون مع هذه الأحكام على أنها إحياء وصحوة لصحيح الدين!!
أيّ إحياء وأية صحوة لصحيح الدين يزعمون أنهم يقومون بهما ؟.. وأين كلام هؤلاء الذين وصفوا المرأة بأقبح الصفات من قوله تعالى الذي قارب بين الرجل والمرأة في الحقوق والضعف والقوة بقوله : (ومن يعمل من الصالحات من ذكر وانثى وهو مؤمن، فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)(النساء 124) وقوله تعالى (ويتوب الله عن المؤمنين والمؤمنات) (الاحزاب 73) و(استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (محمد 19) وقوله تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) (الفتح25).
لقد أهان الغزالي والذهبي والفرطبي وابن تيمية واضرابهم واتباعهم المرأة من خلال تلك الأفكار التي روّجوا لها، وحطّوا بها من شأن المرأة فوصفوا النساء بأقبح الصفات، وحين تكرّموا مع أفضل النساء لم يترددوا في وصف المرأة الصالحة منهن بأنها لاتعدو أن تكون أكثر من (غراب أعصم بين مائة غراب) !!!
لقد حذر أولئك الفقهاء كل الرجال من التشاور مع المرأة، ووصفوا صوتها بانه عورة، ودعوا إلى حبسها في المنزل حبساً مطلقاً، وحذروا الرجل من التشاور معها، و ألزموه بمخالفتها في كل شيء لان في خلافها بركة، فوضعوا الأساس الأول لإستبعاد المرأة من الحياة العامة، بعد أن حوّلوا المنزل إلى سجن مطلق لها دونه الشيطان الرجيم !!
اين هؤلاء واين إحياؤهم لصحيح الدين من قوله تعالى على لسان فتاة: (ياأبي استأجره أن خير من استأجرت القوي الأمين) (القصص 26)، ففعل أبوها بمشورة ابنته، ولم يفكر بمخالفتها على طريقة الغزالي وأتباعه المقلدين من أمثال سفر الحوالي وعبدالمجيد الزنداني ومحمد الحزمي وعارف الصبري وغيرهم من الذين يحذرون تلاميذهم من التشاور مع النساء، ويدعونهم الى ضرورة مخالفة المرأة في رأيها لأن في خلافها بركة!!! ؟؟
لماذا يصر هؤلاء على التقليل من مكانة المرأة وتنصيف ديتها والاستهانة بقدرتها على إبداء الرأي والمشورة ويجعلون من أنفسهم فوق القرآن الذي لم يكتف برفع مكانة المرأة الى المستوى الذي يتيح اشتراكها مع اخيها الرجل في المسؤوليات جميعها، بل احترم رأيها ورفع من شأنها وساوى بين رأيها ورأي الرجل سواء بسواء.. فإذا كان الاسلام يرفع من شأن آراء بعض الرجال، فقد رفع ايضا آراء بعض النساء. وفي سورة المجادلة، احترم الله جل وعلا رأي المرأة وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول صلى الله عليه وسلم، وجمعها واياه في خطاب واحد (والله يسمع تحاوركما)، ثم رجح رأيها الذي كان سببا في تشريع الظهار وكفارته في القرآن الكريم بعد هذا الحوار، وجعله تشريعا عاما وخالدا. فالاسلام لا يرى المرأة مجرد زوجة وجارية رقيقة عند السيد المطاع بحسب فكر الغزالي، وانما هي مخلوق عاقل مفكر، له رأي، ولرأيها قيمته ووزنه.
كيف يمكن أن نلغي عقولنا لنصدق هؤلاء في تحقيرهم للمرأة ونكذب معاذ اللهالقرآن الكريم في قوله المحكم: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا). (النساء)124. (فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (آل عمران 195).. وأين هؤلاء من قوله تعالى الذي قارب في المسؤولية والولاية بين الرجل والمرأة بقوله : (المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة 71)!؟.. بل اينهم من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (اصابت امرأة واخطأ عمر) !!؟
إن من يقرأ نصوص الغزالي والذهبي والقرطبي وابن تيمية وجعفر الصادق والمجلسي والكليني والحوالي والمدخلي والزنداني والحزمي والصبري حول المرأة، سيكتشف المسافة الهائلة بين القرآن وبين هذه النصوص، وسيلاحظ كيف عطلت هذه النصوص عملية التغيير التي استهدف بها الاسلام استبدال قيم وثقافة الجاهلية بقيم القرآن وثقافة الإسلام. ويكفي من يقرأ نصوص مؤسسي الثقافة السلفية المتشددة، ويستمع لأتباع اتباعهم في جامعة الايمان، وفي بعض منابر المساجد والشرائط الصوتية المنتشرة في كل مكان حول المرأة، ان يعود الى سيرة الجاهلية في الموقف من المرأة . اليس من حق الذين يطالعون نصوص هذه الأفكار الجاهلية أن يخجلوا حين يُبشّرون بولادة أنثى إن احسن ابوها تربيتها فإنها لن تكون افضل من (غراب أعصم بين مائة غراب.. لأن سوء الخلق وقلة العقل من صفات النساء، وعلى الرجل ان يكون حذراً منهن) كما يقول موروثنا الفقهي بشقيه السني والشيعي!!؟؟.
من حق هؤلاء أن يحزنوا حين يرزقون ببنات طاهرات رضيعات، وأن لا يترددوا في بيعهن كسلع رخيصة للمتعة الجنسية تحت مسمى الزواج الشرعي طالما ان ثقافتنا الملتبسة بالدين تنطوي على تحقير للمرأة.. ولكن اليس من حقنا القول بأن أن الثقافة التي تُحقِّر من شأن المرأة وتبيح نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الطفلة الرضيعة، وتدفع الرجل إلى اتخاذ موقف سلبي منها هي الثقافة الجاهلية التي جاء الإسلام من اجل تغييرها، لا لتكريمها وإعادة انتاجها.. ألم يقل الله سبحانه وتعالى عن حياة الجاهلية: (وإذا بشّر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون أم يدسه في التراب. ألا ساء ما يحكمون) (النحل 58/59).
نعم ألا ساءت ثقافة كهذه.. وساءت هوية كهذه يعود اليها سبب تأخر العرب والمسلمين، وتكبيل قدراتهم... ألا ساءت هذه الافكار الجاهلية الموروثة من فقه الصحارى والبيئات البدوية القاسية وعهود الإنحطاط.. وساء من يضفي عليها صفة القداسة الدينية بعد أن اثبتت هذه الافكار عجزها المطلق عن تمكين المجتمع الإسلامي من الإستجابة لتحديات الحضارة الحديثة، بقدر نجاحها في التمكين من تكريس تخلف المسلمين، وإعادة انتاج ثقافة الجاهلية التي حاربها الاسلام.. وهو ما سنتناوله في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 07:46 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-15452.htm