د/ رؤوفة حسن -
بينما كان ملتقى الرقي والتقدم يناقش مع الإعلاميين اليمنيين إمكانية تقديم بديل قانوني مغاير للمقترح المقدم من قبل وزارة الإعلام والآخر المقترح من نقابة الصحفيين، كنت أشارك مع مجموعة من الصحفيين والمدونين والقانونيين البريطانيين والخليجيين التطورات القانونية في العلاقة مع وسائل الإعلام القديمة والحديثة، وذلك في مدينة أبوظبي في دولة الإمارات. كان اللقاء قد تم التحضير له من قبل المنظمة العالمية الأمريكية انترنيوز، وكان الهدف منه إيجاد لغة مشتركة بين المطالبين بحرية الإعلام في المنطقة وبين الرؤى المختلفة الموجودة حولهم. كما كان هناك هدف آخر يتعلق بالكيفية التي يمكن التعامل بها مع الوسائل الحديثة المتواجدة على فضاء الانترنت الذي يبدو وكأنه عالم يسبح في فلك الحريات دون قانون أو قيم أو قدرة على السيطرة وإحكام شروط السيادة. القوانين المحلية لعالم أوسع: يتم النقاش حول قوانين الإعلام بالارتباط بمساحات جغرافية محددة بينما تأتي الأخبار عبر قنوات أوسع لا تستطيع القوانين الوصول إليها. فالأخبار تأتي من إذاعات العالم عبر راديو ترانزستور يمكن الاستماع إلى أخباره بمجرد توفر بطارية صغيرة ضئيلة الثمن. ويمكن مشاهدة الأخبار على قنوات فضائية تأتي من كل مكان يتم فيها بجهاز هاتف تصوير الأحداث ونقلها مباشرة نقلا حيا من أي أرض كانت دون علاقة بالقوانين المحلية. ويمكن توثيق الوقائع وتحليلها ومناقشتها في مواقع مختلفة في الانترنت بحيث يستطيع كل مهتم أن يعرف ما يشاء عن أي حدث كان من أي مكان. ويصبح السؤال المتعلق بقوانين الإعلام حائراً عن التكنولوجيا التي تسيطر عليها أو تنظم عملها أو تحاصر حريتها. فإذا كان متعلقا فقط بالصحف المحلية، فأصحابها سيبحثون عن مهنة أخرى تغطي حاجة رزقهم وسيكتبون آراءهم في الفضاء المفتوح عبر القنوات المتاحة في العالم واقعية كانت أو افتراضية فتسقط من حولهم القوانين لتصبح غير ذات معنى إلاَّ للمهوسيين بحلم السيطرة تحت وهم أن العالم لا يزال تكنولوجياً كما كان. واحد من الأسئلة الظريفة التي يمكن أن تتردد أكثر لتجعل قوانين الإعلام في وضعها الطبيعي هو السؤال عن المهن الأخرى. مثلاً: ما هي شروط أن يصبح المحامي أو الطبيب محاميا أو طبيبا؟ وما هي القوانين التي تمنع أي منهما من ممارسة مهنته؟ وإذا أخطأ الطبيب خطأ غير متعمد في معالجة مريض ما هي العقوبة التي يتحملها؟ وهل إذا عمل شخص في مستشفى هل يصبح بحكم تقاضيه مرتباً من مؤسسة علاجية طبيبا؟ يجب ألا تستسخفوا هذه الأسئلة فهي نفسها التي يتم طرحها على الصحفيين في الجرائد الورقية في اليمن. وعلى أساس هذا النوع من الأسئلة يتم تفصيل القانون لتحديد من يملك الحق في دخول نقابة الصحفيين أو الحصول على رضى وزارة الإعلام وليس من يملك الحق في ممارسة مهنة الصحافة. أما العمل في الإذاعة والتلفزيون فهو محكوم بنظام الوراثة يصبح ابن المذيع أو ابنته في الإذاعة وفي التلفزيون موظفا إما بمجرد وفاة الأب أو بمجرد تخرج مذيع المستقبل وقليل جداً ممن تحملهم الواسطة إلى هذه الوظائف أما امتحانات القبول فنادرا ما يتم عبرها منح الوظيفة. وفي كل الأحوال ليس هناك من توصيف ولا قانون ينظم عمل الإعلاميين في الإذاعة وفي التلفزيون لأنها جميعا مملوكة للدولة والعاملين بها محكومين نظريا بنظام وزارة الخدمة المدنية. وهذا ما يفسر وجود قنوات خاصة عبر أقمار صناعية مؤجرة من دول عربية أو أجنبية تستضيف القنوات التلفزيونية اليمنية غير الحكومية. فلماذا إذن هذا القانون؟ العالم يعيش واقعا آخر: إليكم هذه القصة العجيبة الجديدة. قام مواطن أمريكي لديه موقع شخصي على الانترنت بنقد كتاب لمواطن من دولة أخرى بعيدة عن بلاده بطريقة أغضبت مؤلف الكتاب فحاول في بلاده رفع قضية ضد ذلك الأمريكي فلم يجد محكمة تقبل الأخذ بالقضية لأن القوانين المحلية لا تتعلق بما يحدث في الانترنت. وبعد البحث والتحري والمحاولات المكررة قبلت محكمة فرنسية أن تأخذ القضية رغم أن المتنازعين ليسا من مواطنيها ولا يعيشان في أرضها لكن نطاق المكان الانترنتي يصل إلى أراضيها. القضية منظورة ولم يصدر الحكم، لكن العالم كله ينتظر النتيجة. فالمشرع الفرنسي قد يخرج للعالم بحيثيات قوانين مقترحة لعلها تفسر الأسباب التي دفعت برنار كوشنر وزير خارجية فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى كتابة مقال عن حرية الإعلام وخاصة في الانترنت والدعوة إلى قانون عالمي يضمن هذه الحرية مع الدعوة في نفس الوقت إلى قانون لحسن السلوك ينظم هذه الحرية. لدينا صحفيين خريجين مدارس صحفية، وآخرين امتلكوا القدرة على ممارسة المهنة بالخبرة ومدعين لهم بطاقات لتحقيق أهداف حزبية. ولدينا وسائل حديثة تزداد مساحتها كل يوم بحيث لا تحتاج صحفيين ولا صحافة كالانترنت وجهاز الهاتف وقدرته على بث الصور والرسائل النصية. فعن أي قانون يا ترى يدور الحديث في اليمن؟ ولمن؟
[email protected]