يحيى علي نوري -
احسن صنعاً منتدى الرقي والتقدم بتنظيمه لندوة عن الإعلام استهدف من خلالها مناقشة مشروع قانون الإعلام المثير للجدل في الوسط الصحفي اليمني.
والمتابع لمجريات هذه الندوة سيلاحظ بجلاء مدى حالة التفاعل الكبير التي اكتسبته هذه الندوة من قبل فعاليات مختلفة بالإضافة إلى ما شهدته من مداخلات ومناقشات مستفيضة قدمت الصورة الكاملة لأبرز متطلبات واحتياجات تطوير وتحديث ونمو النشاط الإعلامي اليمني وجعله أكثر قدرة على التعاطي مع مختلف التحولات والتطورات المتسارعة بالصورة التي تجعل من الرسالة الإعلامية عاملاً مهماً من عوامل الدفع بالمجتمع باتجاه تحقيق أهدافه المنشودة.
وأنا هنا لن اسهب كثيراً في الحديث عن هذه المناقشات أو التصورات التي خرجت بها الندوة المذكورة وإنما مناسبة للتأكيد هنا على أهمية مشاركة المجتمع المدني في تحليل القضايا والمشكلات الإعلامية باعتبار النشاط الإعلامي يعد نشاطاً إنسانياً بالدرجة الأولى يحتاج له مختلف الأنشطة والفعاليات على حدٍ سواء وبالصورة التي تجسد الوقفة المسؤولة للمجتمع إزاء قضايا ومشكلات الإعلام والعمل سوياً على حلها خدمة للجميع واطلاقاً لطاقات وإمكانات الإعلام في العمل المهني المسؤول القادر على خدمة المجتمع والتعبير الفاعل عن مختلف شرائح المجتمع في إطار من الالتزام بالمثل والقيم المهنية المستندة على أسس وقواعد قانونية وإعلامية استفادت كثيراً من مختلف التجارب الناجحة وعلى مستوى كافة جوانب العملية الإعلامية..
وإذا كانت خطوة منتدى الرقي والتقدم بتنظيمه للندوة المذكورة قد جاءت لتجسد الأنموذج الأمثل للمشاركة الايجابية والفاعلة للمجتمع المدني في خدمة الإعلام والوطن فإن هذه التجربة وما آلت إليه من نتائج ايجابية، أشاد الجميع دون استثناء بها فإنها تشجعنا في الوقت ذاته على طلب المزيد من الفعاليات النوعية من قبل منتدى الرقي والتقدم وذلك باتجاه تحريك المياه الآسنة التي يعيشها الحقل الإعلامي من خلال وضع مشكلات الإعلام اليمني عموماً موضع النقاش والبحث والتشخيص العلمي الدقيق لكافة المشكلات العالقة التي تعتور السياسات والخطط والبرامج الإعلامية وتعمل بالتالي على جعل النشاط الإعلامي حبيساً لتقاليد والأساليب والطرق العقيمة وعدم القدرة على مواكبة التطورات وتحقيق أعلى درجات الاتصال الناجح بالرأي العام صاحب المصلحة الأولى من الرسالة الإعلامية.
وحقيقة أن ما نأمله من منتدى الرقي والتقدم هو أن نجده قريباً وبدافع ما حققه من نجاح على صعيد الندوة التي عقدها أن يسير باتجاه دراسة مختلف احتياجات العملية الإعلامية في اليمن من خلال آليات وأساليب إدارية متقنة تكون له بعد ذلك التوجه صوب معالجة القضايا والمشكلات التي أمكن له رصدها من خلال دراسته لهذه المشكلات وأن يبنى على ضوئها العديد من البرامج والفعاليات التي تستجيب لهذه المشكلات وتجعل من موضوع إثارتها ومناقشتها في إطار الالتزام بالأسلوب العلمي خطوة أولى وفاعلة نحو معالجة كل ذلك بما يضمن للعملية الإعلامية السير نحو المستقبل بخطوات واثقة ومواكبة باقتدار لكل المتطلبات الملحة للنشاط الإعلامي.
ولعل من أبرز المشكلات التي يعاني منها الإعلام اليمني ويمكن لمنتدى الرقي والتقدم الاسهام الفاعل في ايجاد المعالجات الناجعة لها هي الإدارة الإعلامية والتي تمثل هنا حجر الزاوية وقاعدة الانطلاق نحو إعلام فاعل قادر على إيصال رسالته وإحداث التفاعل الشعبي والجماهيري معها.. فالإدارة الإعلامية في بلادنا للأسف الشديد وبالرغم من التطورات المهمة التي شهدتها الساحة اليمنية وعلى مدار 20 عاماً من قيام الجمهورية اليمنية وما كفله دستورها من حريات وحقوق، نجدها أي الإدارة الإعلامية لم تحرك ساكناً في السير باتجاه تطوير اسسها وقواعدها وأساليب نشاطها وبالتالي ظلت في حالة جمود وتقوقع وبصورة جعلتها عاجزة عن السير الحثيث في مواكبة التطورات وتقديم الخدمة الإعلامية المهنية القادرة على إحداث تفاعل الجمهور.. بأساليب مهنية لا تقل في اهميتها عن الأساليب المنطقية في العديد من الوسائل الإعلامية الرسمية في العالم العربي على الأقل، ولاشك أن بقاء الإدارة الإعلامية بعيدة عن التطور المنشود على مستوى مختلف جوانب العملية الإدارية تخطيطاً وتنظيماً واشرافاً ومتابعةً وتقييماً ورصداً وتحليلاً قد ترك أمام النشاط الإعلامي عوائق كؤودة تحول دون تمكينه من اللحاق بركب التطورات الإعلامية المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم المتسم بالمزيد من الاتصالية والقدرة على خلق الإبداع والتألق.
إذاً فواقع كهذا تعاني منه الإدارة الإعلامية في بلادنا سيظل يؤثر دوماً في النشاط الإعلامي وهو أمر لا يتفق مع متطلبات بناء الدولة اليمنية الحديثة على صعيد مؤسساتها وعلى صعيد أنشطتها وفعالياتها الاقتصادية بالرأي العام، إذ أن هذا الإعلام التقليدي لم يعد مجدياً لهذه الدولة أو معبراً عن تطلعاتها، ذلك أن عملية التخطيط الاستراتيجي للسياسات الإعلامية سيظل أسير التفكير التقليدي غير المتفهم للتجديد وإدراك ضروراته كما أن أي نشاط تقوم بإنتاجه هذه الإدارة الإعلامية وعبر مختلف المؤسسات التابعة لها لن يكون مجدياً أو مثمراً في الوقت الذي سيتيح الفرصة أمام فعاليات إعلامية مختلفة غير رسمية من الاستفادة القصوى من حالة القصور هذه من خلال ولوج هذا الإعلام ميادين المهنية المعبرة تماماً عن الجمهور والملبية لاشباع حاجته من الرؤى والتصورات والأفكار الإعلامية المعدة في إطار قوالب مهنية صامتة لإحداث التفاعل المنشود معها.
ولعل خير ما يقدم صورة جلية عن عدم قدرة الإدارة الإعلامية في بلادنا على تقديم الرؤي والتصورات الناضجة وهي تلك الحصيلة التي قدمتها والمتمثلة في مشروع قانون الإعلام حيث عبرت من خلال مشروعها هذا عن فهمها وإدراكها القصير للعملية الإعلامية على المستويين الأني والمستقبلي وهو فهم احدث ما أحدثه من ردود الأفعال الغاضبة لحصيلة هذا المشروع للقانون الذي كان من وجهة نظرنا فرصة يتم من خلاله التقييم لمدى فهم واستيعاب الإدارة الإعلامية لطبيعة النشاط الإعلامي القادم وطبيعة الأسس والقواعد التي سوف يستند عليها.
كما أن المداخلات والمناقشات المستفيضة حول هذا المشروع والتي قدمت بندوة منتدى الرقي والتقدم كانت خير شاهد على البون الشاسع في فهم مختلف الفعاليات لطبيعة السياسات الإعلامية القادمة وبين فهم واستيعاب الإدارة الإعلامية..
نخلص من خلال هذا أنا مازلنا نتطلع من منتدى الرقي والتقدم المزيد من الفعاليات المعنية بالإدارة الإعلامية باعتبار إصلاحها هو القاعدة القوية والصلبة لانطلاقة العملية باتجاه المستقبل الأفضل وبأن أي تطور قانوني أو لائحي يطرأ على النشاط الإعلامي لن يكون مجدياً ما لم تكن الإدارة الإعلامية قادرة على إدارة نشاطها في إطار من الأسس المهنية والعلمية البعيدة تماماً عن الارتجالية والعشوائىة وهي الارتجالية التي مازالت تمثل سبباً رئيساً في طرد الكثير من الوسائل الإعلامية المختلفة من دائرة التنافس والفعل الحضاري.