السبت, 25-نوفمبر-2006
بقلم : سميحة خريس -
لا بد من صنعاء وان طال السفر
وينفتح باب اليمن ليطوي عصورا، ويعود الالق العربي الاصيل نابضا بالحياة.. يومان في العمر يشقان الحياة عن بلاد هي جذر الوجد ومنتهاه.. هي الاصالة تنبض في خاصرة الجزيرة العربية.
كأنها الحلم.. صنعاء القديمة متحف الشعب الرهيف الفؤاد.. ارق افئدة واحرص في الحفاظ على الهوية، مدينة تبني حديثها مجاورا للمعتق، سائرا على ذات الجماليات والاسس التي ابدعها مخيال خطط لبلد تتجاوب مع طبيعتها وبيئتها، ولا تشبه بأي حال من الاحوال مدن الاسمنت المكرورة على سطح الكرة الارضية، اجتراح خاص ودرس ثقافي في الجدال بين الجمال وثوابت الانسان، ولعل الاهتمام المعاصر العالمي بهذه المدينة ساهم في لفت الانتباه لخصوصيتها وفرادتها، وحث على الحفاظ عليها وترميم عتيقها ومنع حديثها من اغتيال روحها، لكن عبقرية المكان تكمن في ان ما تراه ليس مجرد حي تم ترميمه لغرض التذكر السريع والسياحة، ولكنها مدينة متكاملة حية يعمرها انسانها الذي لا يرتدي ثيابه الشعبية للمشاركة في حفل فلكلوري مؤقت او لاجل برنامج وثائقي، انه ببساطة يعلن عن هويته.
تحتفي المدينة بالثقافة بكل عناصرها، نشاط تشكيلي لا يصدق، وهو تشكيل اصيل لم تتغرب افكاره وان تطورت ادواته واساليبه.. ونشاطات تكتظ بجمهور نوعي من كل جنس وعمر يملأ ردهة بيت الثقافة او مركز المخطوطات او مركز الثقافة، وزير الثقافة خالد الرويشان الذي جاء من قلب المشهد الثقافي يعنى بكل التفاصيل، يكرم المبدعين الذين يحترمون الكلمة واللون والنغم، هناك في قلب هذا الاحترام الكامل للثقافة تولد ثقافة اخرى تتعلق بالعامة الذين يشكلون المتلقي بقدر ما يقدمون ثقافة شعبية لا تنفصل عن ثقافة النخبة.
بين المثقفين اليمنيين يمكنك ان تلمح قامة د.عبدالعزيز المقالح الذي يمر مثل نسمة ويخفق علما ودرسا اخلاقيا ويفيض حنانا وابوة على سواه من المثقفين، ويمكنك بينهم ان تسمع حكاية اليمن الثالث ابان كان اليمن يمنين، الثالث الذي لعب دورا فاعلا في وحدة البلاد ووصولها الى واقعها السياسي اليوم، واعني هنا اتحاد كتاب اليمن، هو دولة للثقافة والابداع والقامات العالية التي تضع بصماتها بهدوء على وجدان شعب غني بعاطفته وفنه وادبه.
يخرج بي المرافق الدمث علي الحميدي الى كوكبان، نتناول طعامها في فندق حميدة الشعبي، ويستدعينا طريق «المحويت» الساحر، حيث البيوت معلقات في الجبال كواكبا، وحيث تنسلخ عن ترهات العالم وتلتصق ببوابة السماء، في ذلك الدرب الساحر صاحبنا صوت محمد مرشد ناجي وهو يصدح حبا في اليمن وتناوب هو وابو بكر سالم قرع جدران الوجد.. وهطل رذاذ داعب الروح ونحن نهبط مجددا الى صنعاء، على مصاطب الغيم ومدارج القهوة تدحرج العمر وجاء صوت المطرب فرسان خليفة.. طير الحمام قم رتل الاغاني.. وافرد جناحك وردني يماني..
تدحرج العمر وردني الى يمان.. انها صنعاء وان طال السفر.
جريدة الرأي الاردنية
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:14 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1558.htm