د. عبدالعزيز المقالح -
أخيراً، وبعد طول تمنع وانكار، بدأت الاعترافات بكارثية الحرب العدوانية على العراق تتوالى.. وبدأت أصوات الممانعين والمنكرين للهزيمة تنطلق ولو على استحياء شديد.. ولعل الاعتراف الأخطر والأهم يتمثل في سقوط الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة في الانتخابات النصفية للكونجرس وما تلاها من شعور قادة الحرب بالندم وإن كان فيهم من لايزال يرى ان النصر ممكن ولو على جثة الشعب الامريكي او في مكان آخر غير العراق هذا البلد العربي المقاوم الذي حققت له الحرب العدوانية الفاشلة الخراب والدمار وانهيار كل الخطوط الحمراء التي كانت تقوم بين ابنائه.. أما الولايات المتحدة فلم تحقق من وراء هذه الحرب الخاسرة سوى قتل الأبرياء واهدار أرواح الشباب الامريكي في مغامرة غير محسوبة وتحت دعاوى ملفقة وتهم تثير السخرية.
لقد اعترف الناخبون الامريكان بأن الحرب كانت كارثة من الوزن الثقيل، وانهم كانوا ضحايا قيادة غبية حمقاء اوهمتهم ان الحرب على العراق ليست سوى نزهة آخر الشتاء يعود الجنود بعدها ليتمتعوا بأمجاد النصر ويعود القادة ليتمتعوا بأحلام الاستيلاء على مكنابع أكبر مخزون نفطي في الشرق الاوسط.. واكتشف الناخبون ايضاً ان ادارة الحرب بدأت تدرك انها بعد ثلاثة أعوام رمادية الايام والليالي وقعت في مستنقع لم يكن في الحسبان وان مشكلتها انها صارت اسيرة او حال هذا المستنقع فهي لاتستطيع ان تنزع اقدامها عن وحوله القذرة إلاّ بالبتر، وبما هو أقسى من الهزيمة النكراء.
ولعل أخطر ما في اعتراف الادارة المهزومة يتجلى في أبعاد القائد المباشر للحرب وزير الدفاع »دونالدرامسفيلد« الذي ظل على مدى ثلاث سنوات يدفن رأسه في الرمال حتى لا يرى الخسائر وهي تتوالى، والنار وهي تشتعل في غرف البنتاجون، وما يعبر عنه موقفه الأحمق من تقديم صورة كاذبة مفتراه لاتليق ببلد عظيم كانت له قياداته العسكرية التي تحترم جنودها وتدرك عواقب الكذب المفضوح على شعبها.. وإذا كان هذا الوزير الأحمق في طريقه الى المحاكمة بسبب ما اقترفه من اخطاء وما كان يلفقه من أكاذيب فإن طرده بعد يوم واحد من اجراء الانتخابات يساوي الحكم عليه بالاعدام شنقاً.
وفي هذا الصدد لا ينبغي اغفال اعتراف رئيس الوزراء البريطاني »توني بلير« الحليف الأكبر والشريك في فضائح الأكاذيب، فقد أعلن بوضوح لايحتمل اللبس ان حرب العراق كانت كارثة بكل ما للكلمة من معنى، وكان عليه ان يقول : ان تأييده لجورج بوش وعصابته المتعطشة للدماء والبترول قد ألحقت به وببلاده عاراً لايمحى، وان كان هناك من السياسيين البريطانيين الحاقدين على الولايات المتحدة سارقة مجدهم ووريثة امبراطوريتهم من يقول ان »توني بلير« بريطاني مخلص استطاع بذكاء ان يدفع بالادارة الامريكية ومعها الشعب الامريكي الى مستنقع العراق وتداعياته الأكثر خطورة.
ان خسارة الولايات المتحدة الامريكية في هذه الحرب القذرة الفاشلة لا تقف عند اهدار مئات المليارات من الدولارات، ولا عند آلاف القتلى من الجنود والضباط وانما الخسارة الأكبر هي الآتية من فقدان المصداقية، ومن تخوف شعوب العالم من حماقات العصابات المغامرة التي تصل عن طريق الحاكم الغبي الى ادارة القوة العظمى وما يترتب على ذلك من مواقف وحروب تخرج عن السيطرة والتحكم العاقل.