فيصل الصوفي -
المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجالات الإغاثة الاجتماعية والتثقيف القانوني والسياسي والتعليم وحقوق الإنسان ومساعدة الفئات المستضعفة، باتت ضرروة للتنمية وتدعيم المجتمع المدني، وهي في الغالب تحصل على تمويل لمشاريعها من مصادر غير حكومية مثل القطاع الخاص والمنظمات الدولية والسفارات، بل ومن دول أجنبية، وهذا أمر مرغوب ومطلوب وعلينا ألا »نوسوس« ونتهم أية منظمة بالعمالة لأن الدول الغنية أصبحت تمرر جزءاً من مساعداتها للشعوب الفقيرة عبر المنظمات غير الحكومية بحكم قُربها من الناس وتدرك احتياجاتهم وتصل إليهم بسرعة أو في الوقت المناسب، على العكس من الهيئات العمومية والحكومية التي تتسم إجراءاتها بالبطء والتعقيدات الإدارية، فلكي تمنح أحد المنكوبين بطانية مثلاً يحتاج الأمر إلى معاملات وعشرات التوقيعات والسندات وغيرها من الإجراءات التي تستغرق أياماً.
- لسنا من الذين يحرضون ضد الجمعيات والمؤسسات وسائر المنظمات غير الحكومية بدعوى أنها تنفذ أجندة خارجية مقابل الأموال التي تتلقاها والمشروعات التي تنفذها.. بل نحرض هذه المنظمات على بذل ما في وسعها من أجل استقطاب التمويلات الخارجية وتوظيفها لمصالح الناس.. وفي الوقت نفسه يتعين على وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي اتخاذ إجراءات تضمن سلامة التصرفات المالية لتلك المنظمات بما في ذلك الجمعيات الخيرية والتأكد من أن التمويل الذي حصلت عليه الجمعية أو المنظمة قد ذهب فعلاً إلى مكانه المحدد واستغل لخدمة الجمهور أو الفئة الاجتماعية المقصودة.. وكذلك السفارات والمنظمات الأجنبية المانحة يتعين عليها التأكد أن الأموال التي تقدمها للجمعيات والمنظمات غير الحكومية تُستغل فعلاً لمصلحة الجمهور وتحدث أثراً أو تغييراً في الواقع.. على سبيل المثال إذا منحت السفارة الأمريكية عشرين ألف دولار لجمعية معينة لتنفيذ مشروع محو أمية عشرين امرأة.. يتعين أولاً أن تكون الوزارة المعنية على اطلاع بالموضوع، ثم التأكد من أن العشرين ألف دولار قد صُرفت لتنفيذ المشروع.. فإذا انتهى المشروع بتحرير عشرين امرأة من الأمية يكون التمويل هنا قد حقق الهدف.. أحدث أثراً وتغييراً في المجتمع.. إذ صار لدينا عشرون امرأة متعلمة أو متحررة من آفة الأمية..
لا أعتقد أن المنظمات غير الحكومية عندنا محاطة بمثل هذا التنظيم.. بدليل أنها تنفذ مشروعاً بعد مشروع وبتمويل خارجي دون أن تحدث هذه المشاريع تغييراً في الواقع.. ذلك لأن القائمين على تلك المنظمات والجمعيات يستغلون الجزء الأعظم من الأموال لمصالحهم.. وها نحن نرى أصحاب بطالة يتسابقون على تكوين جمعيات ومنظمات تحت لافتات تقطر إنسانية، بينما هدفهم الحصول على مال و»شغل«.. وبعض الممولين لديهم اشخاص فاسدون.. موظف في سفارة يساعدك في الحصول على تمويل مقابل الحصول على ثلاثين في المائة من المبلغ.
عملت لبعض الوقت في منظمة غير حكومية ثم تركتها بسبب خلافي مع صاحبها.. فقد كان يحصل على عشرين ألف دولار أو أكثر من ذلك أو أقل من سفارات لتنفيذ مشروعات المنظمة.. وما كان يحدث بالضبط أن ثلثي المبلغ يذهب لحساب رئىس المنظمة والثلث الثالث يُصرف لأغراض الدعاية الإعلامية ومصروفات إدارية، وفي النهاية يضع تقريراً ويقدمه للممول يؤكد له فيه أن المشروع نُفّذ وبدليل أن الصحف نشرت عنه أخباراً.