الميثاق نت -

الثلاثاء, 01-يونيو-2010
الميثاق نت/حاوره- يحيى علي نوري -
أكد مستشار الدائرة السياسية بالمؤتمر الشعبي العام زيد محمد الذاري على أهمية مبادرة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام التي تضمنها خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى العشرين لقيام الجمهورية اليمنية.

لافتاً إلى أنها تؤسس لتحول إستراتيجي في مسيرة الوطن لا يقل أهمية عن التحول الذي حدث بقيام الوحدة يوم 22 مايو العظيم من خلال العمل على احتواء كافة الأخطاء التي ارتكبت بحق يمن الوحدة والثورة والجمهورية .

وطالب الذاري في حوار مع "الميثاق" كافة القوى على الساحة أن تكون عند مستوى المبادرة والتي دعا فيها فخامة الرئيس للحوار بعدم البحث عن مكاسب ذاتية وطرحها للقضايا بجرأة وشجاعة حيث أن المبادرة أبانت استعدادات كبرى لاجتراح حلول جذرية لكافة مشاكل اليمن وتقديم التنازلات الممكنة في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية العليا. فإلى تفاصيل الحوار:


^ ماهي قراءتكم لمضامين مبادرة فخامة الرئيس لطي صفحة الماضي؟
- إن القراءة العميقة والمتفحصة لمبادرة فخامة رئيس الجمهورية والتي تضمنها خطابه التاريخي بمناسبة العيد العشرين لقيام الجمهورية اليمنية تقودنا الى تقرير جملة حقائق يمكن تركيزها في النقاط التالية:
- أنها حملت رؤية واضحة لحل جذور المشكلات.
- أرى فيها ميلاداً جديداً ليمن الثاني والعشرين من مايو.
- عكست جرأة استثنائية من قِبَل فخامة الرئيس بما تضمنته- من وجهة نظري- من الاعتراف الضمني بما بات يعرف بالقضية الجنوبية، وإقرار بوجود أزمة وطنية في الحكم والمعارضة واقرار شجاع بوجود إخفاق بقدرٍ مَّا.. في مكانٍ مَّا.. في بناء يمن 22مايو و 26 سبتمبر و14 اكتوبر، وبالتالي تهديد جدي لهذه المنجزات.. واستعداد صادق لطي صفحة الماضي والإقدام على خطوات لا يستطيع ولا يجرؤ أحد الإقدام عليها باستثناء فخامة الرئيس بما يمتلكه من رصيد هائل وثقة عالية بالنفس في سبيل تجاوز الاشكالات ورسم معالم الغد ..معالم يمن جديد ينعم فيه كل أبناء الوطن بخيراته ويشترك الجميع في تحمل مسؤولية بنائه دون أن يشعر أحد بالعزل أو الإقصاء.. ليسهم الجميع في إعادة الألق إلى يمننا الكبير الواحد المتحد، مشرعة الآفاق الواسعة لاجتراح الحلول التي يجمع عليها المتحاورون بما يقتضيه ذلك من تقديم تنازلات متبادلة من أجل مصلحة الوطن لا من أجل أشخاص أوقوى، لذا فإني أرى فيها خارطة طريق للخلاص الوطني تؤسس لتحول استراتيجي في مسيرة وطننا وشعبنا لا يقل أهمية عن التحول الذي حدث بإعادة تحقيق الوحدة يوم 22مايو العظيم، متجاوزين كافة الأخطاء والخطايا التي ارتكبت بحق يمن الوحدة والثورة والجمهورية باستعادة مضامين وأهداف هذه الايام الخالدة بالشراكة الوطنية الحقيقية وسيادة النظام والقانون من أجل التقدم والتطور والرخاء.
الكل متساوون
^ ما الاشارات التي دفعتكم لمثل هذه القراءة؟
- إذا أردنا الغوص أعمق وقراءة ما وراء السطور فسنجد أولاً أن صيغة المبادرة قد جاءت في منتهى الدقة والذكاء والترتيب، فالألفاظ منتقاة والعبارات والنقاط ذوات دلالات ومغازٍ عميقة والرسائل المتضمنة لمن يعنيهم الامر فيها عبقرية بما حملته من الرمزية والاختزال ..هذا من حيث الشكل أما من حيث المضمون والمحتوى يمكن أن ندلل على كل ذلك بالتوقف عند كل عبارة على حدة:
- ان الدعوة للحوار موجهة لكل أطياف العمل السياسي وهذه لوحدها لا تقصر أو تحصر الدعوة على القوى والتيارات السياسية، وقد تم استخدام «اطياف» بدلاً من «قوى» لكي تكون من الشمول بحيث تتجاوز الاحزاب الى جميع اصحاب الافكار والرؤى الموجودة في الساحة، وهنا إقرار بوجود حالات وتيارات فاعلة في الساحة ومؤثرة ليست مؤطَّرة في كيانات حزبية تقليدية وتعبر عن نفسها من خلال مناشط متعددة إثباتاً لحضورها وفاعليتها، حيث أردف البيان (المبادرة) العبارة السابقة بكلمة «وكل أبناء الوطن في الداخل والخارج» وهذا شمول أوسع لاستيعاب الأفراد والمستقلين ممن لهم قدرة على الإسهام في طرح الافكار وهم من ذوي الفعل والتأثير سواء بأدوارهم النضالية او الاجتماعية كالشخصيات الاجتماعية والقيادات والرموز التاريخية التي ليست منضوية في أحزاب أو صار هناك ضبابية في دقة وحقيقة مواقعها في الأحزاب التي كانت تنتمي لها سابقاً.. وكذا ذوو التخصصات العلمية، فقد تم استخدام هذه العبارة حتى لا يشعر أحد أنه مستبعد أو مستثنى من الحوار الوطني المسؤول (تحت قبة المؤسسات الدستورية)، تأكيد على ضابط مهم أن الحوار وطني وفي داخل اليمن وتحت قبة المؤسسات لتكون نتائجه أولاً ملزمة للمؤسسات الدستورية التي ستعكس ما أجمع عليه المتحاورون في شكل صيغ دستورية وقانونية، وثانياً للتأكيد أن أي أشكال حوارية خارج أطر المؤسسات لا تحمل صفة المشروعية، وبالتالي لا يمكن لها أن تلزم مؤسسات الدولة للأخذ بها، وبهذا يتم تكريس مشروعية مؤسسات الدولة وليس غيرها «دون شروط أو عراقيل مرتكزاً على اتفاق فبراير الموقع» في هذه الفقرة إشارة واضحة أن لا شروط مسبقة يمكن أن يمليها أي طرف ودون عراقيل .. أن يُقدم كل طرف على إزالة أي عراقيل من جانبه .. من هنا جاء قرار الافراج لاقتران القول بالفعل وبالتالي فإن أي فعل سلبي في الميدان يمكن أن يشكل عائقاً يجب التوقف عنه.. «ترتكز على اتفاق فبراير»..
وهنا نستنتج أن قضايا الحوار وأطرافه ليست محصورة بأطراف اتفاق فبراير فقط وإنما ترتكز عليه وتستوعب كافة الأفكار والاطروحات والمشاريع والقوى والشخصيات السياسية والاجتماعية واصحاب التخصصات العلمية وممثلي مؤسسات المجتمع المدني كأطراف.
(من أجل بناء يمن الـ22 من مايو) هنا اقرار ضمني بوجود اختلالات في يمن الوحدة والعزة والمجد.. اليمن الكبير الفاعل والمؤثر والناهض بواجباته تجاه أبنائه والقائم بدوره في تعزيز قدرات محيطه وكعامل أمن واستقرار في منطقته وإضافة حقيقية في عوامل قوة أمته.. يمن الشراكة الوطنية الحقة داخلياً، والفعل الايجابي المسؤول خارجياً إقليمياً ودولياً.. والـ«26 من سبتمبر» يمن الجمهورية، المتحرر من حكم الظلم والاستبداد والفردية والقائم على العدل والمساواة والـ«14 من اكتوبر» يمن التحرر من الاستعمار الرافض لوصاية الأجنبي أو تدخله في شؤونه الداخلية.. السيد الحر المستقل، (وتعزيز بناء دولة النظام والقانون) هذه الفقرة بالاضافة الى ما سبقها من البيان رسمت ملامح هوية وصورة يمن المستقبل، فإذا كانت أبرز الاختلالات مصدرها القصور الواضح ومحاولة التمرد على النظام والقانون وهو ما صار محل شكوى الجميع وسبب رئيسي في حدوث التجاوزات التي تخل بميزان العدالة وتخلق شعوراً بالضيم نتيجة الاستقواء بغير القانون والنظام وبالتالي تربك مسيرة البناء، فتعزيز بناء دولة النظام والقانون هو المطلب الرئيسي والتي تحت ظلها يستوي جميع أبناء اليمن ، فلا يكون أحد أكبر من النظام والقانون، فالكل تحت سقفه متساوون، حقوقهم مكتملة وفرصهم متساوية وواجباتهم واضحة، وهذا من أهم مرتكزات وأهداف وغايات أية عملية بناء واستقرار وتطور للأوطان، ولذا أشير اليها وفي موضعها وسياقها من المبادرة الرئاسية.
مربط الفرس
أما الفقرة التالية من البيان فقد جاءت مكملة ومتممة ومؤطرة لما سبقها فيمن 22مايو و26سبتمبر و14 اكتوبر، يقتضي أن لا يكون مكاناً للمشاريع الصغيرة، من هنا أو هناك لهذه الجهة أو تلك ولا موقعاً للمكايدات السياسية والعناد والأنانية.. وهنا ألمح إلى انه في سبيل هذه الغايات وفي ظل الارتقاء الى مستوى هذا الوطن فإن الذاتية لا مكان لها وبالتالي الاستعداد لتقديم أقصى التنازلات وأكبر وأعظم التضحيات وبالنتيجة فلا مكان لأي نوع من أنواع العصبية بكل أشكالها، لأن الجزء يذوب في الكل، والوطن والمواطنة والكفاءة والاقتدار هي معيار التميز والأفضلية، لا المنطقة أو الطائفة أو السلالة أو القبيلة.. هنا يكبر الجميع بكبر الوطن ويتعملق كل فرد فيه مترفعين فوق كل الصغائر التي تقزم الإنسان أو الجماعة وتحصرهما في أطر ضيقة أو تشدهما الى مصالح ذاتية.. وبهذا يتسع الوطن لجميع أبنائه فهو ملك الجميع والاضرار به وبمصالح يتنافى مع روح الانتماء اليه، وبالتالي يفقد صاحبه مشروعية فعله ويظهره خارجاً على الإجماع ومستهدفاً للسلم الاجتماعي ويستوجب الوقوف في وجهه والتصدي له.
هكذا نجد في فقرات الخطاب السابقة تأطيراً وضوابط ومحددات وطنية لضبط مسار أي عمل سياسي في الساحة الوطنية.. «وانطلاقاً من ذلك» يقول الخطاب (فإننا نرحب بالشراكة الوطنية مع كل القوى السياسية في ظل الدستور والقانون وما يتفق عليه الجميع).. في هذه الفقرة نجد الدعوة الواضحة والصريحة الى الشراكة الوطنية، وهنا مربط الفرس، فمسؤولية بناء الوطن والنهوض به والتغلب على التحديات يستوجب إعادة إعمال مبدأ الشراكة الذي على أساسه قامت الوحدة وبه يحدث التوازن الذي ينتج الاستقرار وينتفي مناخ الصراع والكيد السياسي لتسود مناخات الإخاء والثقة من أجل التقدم والازدهار والبناء، فلا يحتاج طرف من الاطراف الى استخدام ايٍّ من الاوراق التي تكون مضرة وعلى حساب مقومات التطور والتنوع لبناء اليمن.. ولأن مقتضى الشراكة الوطنية يمكن أن يحدث لبساً في مدى توافقه من عدمه مع مبدأ التعددية والديمقراطية، فإن الفقرة التالية كانت مدركة لمقتضيات التمييز بين الشراكة الوطنية الواسعة ومبدأ التعددية، فالشراكة مفهومها واسع وقد تشمل كافة مؤسسات الدولة والمجتمع وكافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وسلطات الحكم المحلي باعتبارها متاحة للجميع دون استثناء ولذا فقد وردت الفقرة التالية في سياق منطقي محكم ودقيق قائلة: «وفي ضوء نتائج الحوار يمكن تشكيل حكومة» ولم تحدد توصيفاً للحكومة هل هي حكومة وحدة أم حكومة ائتلاف أم إنقاذية أم انتخابية.. الخ، وقد جاءت الاشارة الى أن (في المقدمة الشريك الاساسي في صنع الوحدة) في إشارة الى محورية الحزب الاشتراكي في عملية تحقيق الوحدة، وأنا أقرأ في هذه اللفتة عدة معانٍ أولاً: إعادة الاعتبار الى الحزب الاشتراكي، ثانياً: إن الإشارة الى الحزب ليس باعتباره كياناً هلامياً ولكن بما هو كيان وطني يحتوي قيادات ،ولا أجازف بالقول: إن الإشارة الى الحزب جعلتني أستحضر جميع مواقف الحزب وتاريخه المنتصر للوحدة عبر تاريخه..
وأردف البيان الخطاب قائلاً: (وشركاؤنا في الدفاع عنها) وانطلاقاً من القراءة الدقيقة لصيغة الخطاب، فإننا نلاحظ ورود كلمة (شركاؤنا) وليس شريكنا، ما يجعل الاستنتاج أن مدلول الكلمة بقدر ما قصد الإشارة الى الأخوة في التجمع اليمني للاصلاح فإنه ايضاً يشير الى القيادات الجنوبية التي كان لها دور مشهود بوقوفها الى جانب الشرعية في الدفاع عن الوحدة وإسقاط مشروع الانفصال وانتصرت لخيار الأمة والوطن في الوحدة بما مثلته من عمق سياسي واجتماعي على مستوى المحافظات الجنوبية وكانت تعرف في ذلك الحين بجماعة علي ناصر، والتي أبرز ممثليها الآن ورموزها الأخ المناضل عبدربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية وبقية القيادات الجنوبية في السلطة والمؤتمر وهي لفتة وفاء وتطمين وعرفان.. كما أن مدلول الكلمة يشير الى أن كل من شارك في الدفاع عن الوحدة هم جزء في تكوين صورة وملامح مستقبل اليمن وبالتالي فإن أي انفتاح على أي طرف لن يكون على حساب الاطراف الاخرى، وعلى العموم فإني أجد في مجمل النص المشار اليه أنه فتح باب الشراكة في الحكومة وما دامت منبثقة من نتائج الحوار بأطرافه المتحاورة وليس لمن هم ممثلون في البرلمان فقط بحيث تكون شاملة ومستوعبة وإلا لما ورد التخصيص في كلمتي «الشريك الأساسي» «وشركاؤنا في الدفاع عنها» إذا كان يراد الحصر بمن هم ممثلون في المجلس وإنما لاعطاءها الدلالات المشار إليها.
وقد ختم فخامته المبادرة بإعلان قرار الإفراج عن المعتقلين على ذمة فتنة صعدة والأعمال الخارجة على القانون في بعض مديريات المحافظات الجنوبية، وفي ذلك أولاً فيما يخص فتنة صعدة تأكيد للإرادة السياسية الجادة بإغلاق ملف الفتنة وإنهاء آثارها والانتقال الصادق إلى مرحلة البناء وإعادة الإعمار وترسيخ أجواء السلام، وهو ما يجعلني أدعو قادة الحوثي إلى التعاطي المسئول والايجابي مع هذا القرار وأن يقدموا على خطوات تعزز أجواء الثقة وتجاوز مآسي الحرب.
ثانياً فيما يتعلق باطلاق المحتجزين في الجنوب فإنها جاءت لتمثل بادرة حسن نية ومصداقية في توفير مناخات ايجابية لانجاح الحوار وإزالة العقبات من طريق التئام طاولته.
وفي الأخير فإنه لم يفت على فخامته تقديم لفتة وفاء تجاه الجنود والقوات التي ساندت الدولة ورعاية أسر الشهداء وفاءً وعرفاناً بما قدموه من تضحيات في سبيل التصدي لأعمال الفتنة ومواجهة عناصرها.
تعاطٍ مسئول
^ ما هي برأيكم الدلالات التي حملتها بالتحديد عبارة (وإزالة آثار ما أفرزته أزمة 93م)؟
- إن الدلالات في هذه الفقرة جِدّ عميقة وقراءاتي الشخصية لها تقول: إنها تعبر عن عميق إدراك فخامته لجذور المشكلة التي أسست لحالة ما صار يسمى بالقضية الجنوبية، فأزمة 93م جاءت بعد انتخابات ذلك العام، وفي هذه الإشارة تلميح واضح إلى ضرورة استعادة مفهوم ومبدأ الشراكة الوطنية الذي قامت على أساسه الوحدة والتي بسبب أزمة ذلك العام وما أفرزته جاء النكوص عن المشروع الوحدوي بمحاولة العودة بالوطن الى ماقبل الثاني والعشرين من مايو عام 90م الذي استدعى قيام الحرب لمواجهة مشروع الانفصال وتثبيت الوحدة وما أفرزته الحرب من اختلالات نفسية ووطنية، وهنا قمة الصدق مع النفس وشدة الوضوح في الرؤية والتعاطي المسؤول من قبل فخامته، فلقد تجسدت هنا المصداقية في أنصع صورها بما يؤكد توافر أصدق النوايا لمعالجة الأزمة من جذورها حتى لا تظل إفرازات الأزمة والحرب متكأً لدعاة التمزق والتشرذم وخلق الفتنة ومدخلاً لتعميق الاختلالات وارتكاب الاخطاء دون أن يعني ذلك القدرة على النيل من وحدة الوطن، فوحدته وُجدت لتبقى، وتعزيزاً لمسيرتها فإن الاعتراف بجذور الأزمة هو المدخل للحلول الصائبة والمعالجات المسؤولة حرصاً على طي صفحة الماضي الذي وعد به فخامته، وهو ما جعلني أدعو الى أهمية التقاط هذه الاشارة من الاطراف المعنية والبناء عليها وإدراك مغزاها ودلالاتها المهمة.
أقصى درجة المسؤولية
^ بعد هذه القراءة المستفيضة .. ما أهمية هذه المبادرة في هذا التوقيت؟
- لاشك أن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح ومن موقع مسؤوليته الوطنية ورمزيته التاريخية وباعتباره صانع التحولات الكبرى في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر وبخبرته المتراكمة وإدراكاً منه لطبيعة ما يمر به الوطن وما يواجهه من تحديات وقراءةً منه لما يجري من حولنا من تفاعلات وتغييرات في الاستراتيجيات والسياسات الاقليمية والدولية بفعل الصراع على منطقتنا، وبالتالي استشرافاً منه للمستقبل، أقدم على مثل هذه المبادرة التي تجسد أقصى درجات المسؤولية الوطنية تحصيناً للوطن وتثبيتاً لخياراته وترسيخاً لمنجزاته حتى لا تتداخل الازمات والمشاكل الوطنية مع اعتمالات وتطورات الصراعات في- وعلى- المنطقة، فتبدو الساحة اليمنية مطمعاً للطامعين او مرتعاً للحالمين.. وبذا يكون اليمن في مأمن، بل وقادراً على التأثير وفاعلاً في مجرياته لا منفعلاً بانعكاساته، وهنا يتجلى عمق الإدراك المسؤول لفخامته في التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية الداهمة وأسقفها الزمنية القادمة فيتم بذلك كله ترتيب أوضاع البيت الداخلي في ظل مشروعياته الدستورية والقانونية، فتكون جاهزيتنا الوطنية حاضرة لمواجهة المفاجآت التي قد تفيض علينا بفعل ما أسلفت من التطورات داخلياً وخارجياً، ولذا جاءت المبادرة في توقيتها ومضمونها وغاياتها مسؤولة ومدركة ومستشرفة وتشخيصية بعمق من أجل سلامة السفينة الوطنية وركبانها من رائدها المحنك الذي خبر التعامل مع الأنواء، فصار لا يجارَى في مهاراته ولا يبارَى في ميادين معرفته بخصائص شعبه والحرص على منجزاته باجتراح الحلول واجتياز الصعاب ورسم معالم الطريق.
آفاق رحبة
^ كيف تقيمون ردود الافعال لهذه المبادرة وهل كانت هذه الرؤى مدركة ومستوعبة لمعطيات الواقع اليمني الراهن؟ وما أبرز ما تأخذونه على ردود أفعال الأحزاب السياسية، وبِمَ تنصحونها كمراقب سياسي؟
- شيء طبيعي أن تتباين ردود الأفعال، وبالاجمال فإني أرى أن الأعم الأغلب قد أبدى ترحيباً بعضه مشوب بالحذر، وإن كان أبرز ردود الأفعال ما أعلنه المشترك من استعداد للمسارعة في الحوار إدراكاً منه لمقتضيات المرحلة خصوصاً وأن المبادرة تجاوزت بعض مطالبه المتمثلة بإطلاق سراح المحتجزين الى فتح آفاق أوسع للشراكة الوطنية المسؤولة وتحمُّل مسؤولية بناء الوطن.. وهو موقف يستدعي الاشادة وإذا كان لي من مأخذ فسأكتفي انطلاقاً من روح المبادرة وما أرخته من أجواء وفاق وطني هو استعجال البعض وعدم التدقيق والإمعان في قراءات مدلولاتها الرحبة واستعداداتها اللانهائية باستيعاب الجميع، ونصيحتي كمراقب أن يبادر الجميع لالتقاط اللحظة بالتجاوب مع دعوة الحوار واستشعار المسؤولية تجاه الوطن وأمنه واستقراره والنظر الى المستقبل وتجاوز الماضي وطيّ صفحاته وألا يبقى أحد أسير الماضي وجراحاته، فما يمكن أن ينتجه الحوار كفيل بأن يهيئ لتحول تاريخي يضعنا على عتبات مستقبل مشرق، هذا إذا كانت الغاية هي المصلحة الوطنية، وهو ما أنا على يقين منه لدى جميع المكونات والقوى، فكفانا هدراً للفرص وكفانا غرقاً في الاختلاف والمناكفات ما أخر أسباب تقدمنا وأعجز من يود مساعدتنا ، فاتفاق الجميع بقدر ما يوفر مناخات صحية وصحيحة للبناء والتقدم على المستوى الداخلي فإنه بالقدر نفسه يوفر عوامل ثقة لدى الاشقاء والاصدقاء ليقدموا على خطوات تعيننا على تجاوز تحدياتنا.
عظمة المبادرة
^ هناك من اندفع في القول ان المبادرة جاءت كمحاولة للتخفيف من الضغط الشعبي وضغط الأزمة الراهنة التي يعيشها النظام وأنها محاولة لإنقاذ النظام.. بِمَ تعلِّقون؟
- لقد سميتها اندفاعاً، والاندفاع قرين التهور والتسرع، وهو فعل غير محمود، وأما أنها جاءت للتخفيف فلا أريد أن أكرر ما قلته فيما سبق عن دلالات التوقيت، وفي كل الاحوال فإن مثل تلك الاقوال يغلب عليها سوء الظن لا حسن الفطن.. أو الحرص على مصلحة الوطن ومن كان هذا مزاجه فلا خير يرتجى منه إن هو أصر على انطباعه وندعو الله له الرشد وحسن إدراك الواقع الذي يؤكد أن النظام كنظام يمتلك من عوامل القوة والاقتدار والمشروعية الوطنية والدستورية والتاريخية سياسياً واجتماعياً وشعبياً داخلياً وخارجياً، ما لا يملكه أو ملكه غيره ممن سبق وأن حكم اليمن.. ومن هنا تأتي عظمة المبادرة من كونها صادرة عن قائد وقيادة هي في موقع الاقتدار والامساك والتماسك والإحاطة بمجمل وقائع المشهد السياسي اليمني وبالتالي القدرة على التأثير في أدق تفاصيله ، ومع هذا فإنها الاكثر والاقدر إن لزم الأمر على العطاء وتقديم ما يستحق الوطن من تنازلات وتضحيات في سبيله لا في سبيل غيره من المصالح الضيقة أو الشخصية دون أن ينقص ذلك من رصيدها بل ينميه ويضاعفه.
دعوة شاملة
^ هناك أحزاب منها حزب رابطة أبناء اليمن الذي أعلن عن تذمره من المبادرة لكونها اقتصرت على الاحزاب الممثلة في مجلس النواب.. كيف تنظرون لمثل هذا الموقف؟
- ليس فقط حزب رابطة أبناء اليمن وإنما هناك غيره من حلفاء المؤتمر الشعبي العام، فلقد اطلعت على بيان المجلس الوطني للمعارضة الذي اعتبر اننا متجهون نحو محاصصة من نوع ما مع المشترك، ومع احترامي لمواقف أي حزب أو جهة وتفهمي دوافعها ومخاوفها الا أني أعود وأكرر المطالبة بأن تقرأ المبادرة بعمق ودقة، فالدعوة الى الحوار شاملة ولا تستثني أحداً بمن في ذلك الافراد في الداخل والخارج وهي ايضاً لا تقتصر على أطراف اتفاق فبراير ولا مواضيعه وإنما ترتكز عليهما، ثم إن على الجميع أن يميز بين مفهومي الشراكة الوطنية التي هي أوسع في أطرافها من الاحزاب الممثلة في مجلس النواب وبين تشكيل حكومة تأخذ شرعيتها من مجلس النواب، وتتمثل فيها الاحزاب المكونة للمجلس والممثلة فيه.. فمقتضى التعددية الحزبية في الديمقراطيات الراسخة يتجاوز مبدأ الشراكة والتوافق ولا مكان فيه لشيء اسمه شراكة وتوافق وإنما تحكمه قاعدة الأغلبية والأكثرية ، ولذا فإن إمعان النظر في نص مبادرة الرئيس ومدلولاتها يجعلنا ندرك أنه قد لحظ هذه الاشكالية وميَّز بين مقتضيات المفهومين من دون أن يتناقضا أو يكون احدهما على حساب الآخر..
وفي كل الاحوال فإن مهام الحوار وأطرافه وقضاياه ومخرجاته أوسع من تشكيل حكومة ، فعلى الجميع أن يطمئن، فاليمن مِلْكنا جميعاً ويتسع للجميع ومَنْ لم يمثل في الحكومة قد يكون موقعه ودوره اليوم في غيرها من مؤسسات وسلطات الدولة ومَنْ هو اليوم في الحكومة قد لا يكون بالضرورة غداً فيها ما دمنا نتجه لترسيخ قواعد الشراكة والتداول السلمي للسلطة وسلطات الشعب.
حلول جذرية
^ تشكيل حكومة وطنية عريضة كهدف كيف نظرت اليه مبادرة فخامة الرئيس خصوصاً وأن هناك من يعتقد أن مثل هكذا حكومة المطلوب تشكيلها فوراً؟
- لقد كانت المبادرة واضحة وجعلت تشكيل الحكومة ومهامها في ضوء نتائج الحوار، وأفهم من النص أنه يتوقع أن يتوصل المتحاورون الى صنع تفاهمات وتوافقات وأن تقدم فيه تنازلات متبادلة تضع وتصوغ صورة اليمن في المستقبل وتبتكر حلولاً جذرية لمشكلاته المزمنة وعقده المستعصية، وفي ضوء ذلك كله تشكل حكومة تتولى إدارة البلاد في مرحلة الانتقال والتهيئة لإجراء انتخابات بما يوفر ضمانات الحياد للوظيفة العامة والمال العام والإعلام الرسمي ويحقق شروط النزاهة التي يطمئن من خلالها الجميع الى سلامة مخرجات العملية الانتخابية تأسيساً لمرحلة الاستقرار السياسي.
أولويات
^ الحوار القادم المتوقع .. كيف تنظرون له وما هي من وجهة نظركم أبرز الاجندة التي تستحق أن تكون في أولوياته؟
- انظر الى الحوار القادم بتفاؤل كبير، ويحدوني الامل أن يتمخض عن حلول جذرية لكافة مشاكل اليمن، ومبعث تفاؤلي أن مبادرة الرئيس قد تضمنت مرتكزات واشارات عميقة ومدركة لطبيعة المشكلات والأزمات وأبانت عن استعدادات كبرى لاجتراح هذه الحلول ووضع مخارج واقعية لحلحلة الازمات والتأسيس لتحول تاريخي كما اسلفت، لذا ارى ان ابرز الأولويات هو تثبيت نهائية الدولة اليمنية الواحدة الموحدة وفقاً للمادة الاولى من الدستور وثانياً تكريس مبدأ الشراكة الوطنية التي قامت عليها وتأسست بموجبها الوحدة وإعلاء مفهوم ومبدأ سيادة الدستور والقانون، وثالثاً وضع الاسس الواضحة والواقعية والمسؤولة لكيفية الانتقال السلس للسلطة والتداول السلمي لها باعتبار أن الصراع على السلطة دائماً هو أساس الصراعات السياسية، وابتكار صيغ لمشروعيات وطنية داخلية راعية وضامنة لعملية التحول..وهذا الامر يحتاج الى جرأة وإخلاص وواقعية وحكمة يمانية وتجرد وترفع عن الصغائر كما أشار فخامة الرئيس في مبادرته وهو المدرك لمعنى ما كان يقصده، فلقد كان يعي ويعني كل كلمة وردت في نص مبادرته الاستثنائية.. ومن هذا المنطلق أؤكد أن الحوار يجب ألا ينتج عنه اختزال وشخصنة ضد أحد أو لصالح أحد وإنما لصالح الوطن ومستقبل أجياله، وأتمنى بل وأطالب أن يمتلك المتحاورون الجرأة والشجاعة لطرح القضايا مهما كانت حساسيتها لأن عدم ملامسة القضايا الحساسة هو الذي سيفرغ الحوار من أهميته ولن يكسبه صفة التأسيس الاستراتيجي من أجل اليمن حاضراً ومستقبلاً، وأنا على ثقة مطلقة أن العقل اليمني والحكمة اليمانية والضمير اليمني قادر على ذلك وان يرتكز كل ذلك على تقييم دقيق وموضوعي ومسؤول.
دعم اقليمي ودولي
^ هناك من ذهب بالقول إن اطراف عربية ودولية شجعت مثل هذه المبادرة.. تعليقكم؟
- لاشك ولا ريب أن المبادرة كانت نتاج إرادة وطنية خالصة وعكست رؤية واضحة كما اسلفت من قبل فخامة الرئيس وفي سياق من التحليل الموضوعي فإنه يمكن ا لاستنتاج أن المبادرة بما حملته من انفتاح وما يمكن أن تفضي إليه من معالجات للمشكلات اليمنية المعقدة والتي تتداخل فيها عدة عوامل ومؤثرات فإنني ومن موقع المراقب والمحلل أرى أنه وفي ضوء ما سبق إعلانه من تحركات وزيارات وبالنظر إلى مروحة الاتصالات أو دلالات مضامين البرقيات التي تلقاها فخامة الرئيس تشير إلى وجود دعم قوي ومباركة من الأشقاء والأصدقاء ويمكن أن اشير في هذا الصدد وباختصار إلى بعضها راجياً التوقف ملياً أمام مدلولات رمزيتها ومنها:
- قيام فخامته بزيارة استثنائية في توقيتها إلى العاصمة الأردنية- التي شهدت توقيع اتفاق وثيقة العهد والاتفاق أثناء الأزمة وقبل حرب 94م واصطحابه في هذه الزيارة بعض رموز المعارضة- في استعادة من قبله لتقليد انقطع عنه- وعودته مباشرة إلى عدن ومنها وفي أول ظهور له بشر بما سيحمله خطابه بمناسبة العيد العشرون من مبادرة لطي صفحة الماضي.
وكثافة الاتصالات الهاتفية التي اجراها فخامته أو تلقاها من ومع اخوانه قادة المملكة العربية السعودية وبالذات اخيه خادم الحرمين الشريفين قبيل إعلان المبادرة وبعدها والتي عبروا فيها عن دعمهم اللامحدود للوحدة والاستقرار في اليمن في تجديد لمواقف منهم معلنة سابقاً وبلغة أشد وضوحاً وتأييداً، بالإضافة إلى ما حملته افتتاحيات بعض الصحف السعودية من مواقف مرحبة وداعمة للمبادرة وما تضمنته من حث على ضرورة التعاطي الايجابي معها.
وبرقية الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى فخامة الرئيس لتهنئته بعيد الوحدة والتي سبقت إعلان المبادرة والتي تضمنت عبارة ذات مغزى واضح بالقول: (إنني متفائل بجهودكم من أجل بناء يمن مستقر وديمقراطي ومزدهر)، وبناءً على ما سبق وغيره يمكننا الاستنتاج أن المبادرة الوطنية لفخامته قد حظيت بشبكة أمان ومباركة ودعم اقليمي ودولي وهو ما يجب استيعابه من قبل الأطراف كافة.^
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-15799.htm