فيصل الصوفي -
عندما يعمل القانون في الليل والنهار وفي القضايا الكبرى وفي التفاصيل الصغيرة، وعندما يسري على جميع مَنْ يشملهم ويُطبَّق بحق الصغير والكبير على قدم المساواة دون استثناءات أو محاباة، وعندما يعمل في العاصمة كما يعمل في حضرموت وفي تعز والجوف وسائر المحافظات والمديريات والقرى.. وعندما تعمل دولة المؤسسات من خلال المؤسسات ويتصرف رجال الدولة تصرف رجال دولة وبأفق وطني.. فها هنا يقل التذمر وتضعف الميول والنزعات المذهبية والقبلية والمناطقية والطائفية وتتقوى الهوية الجمعية والانتماء والولاء الوطنيين.
أسوأ ما يمكن أن تتخذه مؤسسة من مؤسسات الدولة وأسوأ ما يمكن أن يقوم به منفذو القانون وأسوأ ما يمكن فعله من قِبَل متخذ القرار، هو القرارات غير القانونية أو عدم تطبيق القانون بدعوى أن ذلك مفيد أحياناً لاعتبارات معينة هي في الحقيقة وهمية وخادعة ومكلفة.. مثل تسامح مع هذا الجاني لكي لا يثير المتاعب.. اسكتْ عن هذا الفاسد لأنه صاحب المناضل فلان.. امنحْ الشيخ الفلاني منحاً كثيرة وبطريقة غير مشروعة لأنه سوف يتحكم لنا بأفراد قبيلته.. فلان محكوم عليه بالإعدام لأنه قاتل لكنه شخص مهم، ولذلك لابد من مساعٍ لإجبار أو إغراء أولياء الدم بالعفو عنه.. وهناك صرفيات مالية ومن الخزينة العامة يعرف أصحابها أنها غير قانونية .. يعرفون أنها شكل من أشكال الفساد الصريح ومع ذلك يفعلونها بناءً على تقديرات خاصة بأن ذلك مجرد استثناء مؤقت لخدمة الوحدة الوطنية.. بينما الفساد يظل فساداً ولا يمكن أن يكون أسلوباً مفيداً للوحدة الوطنية.
عندما توجد استثناءات واعتبارات وتقديرات موهومة وعندما لا يطبَّق القانون تطبيقاً حازماً في كل مكان وبحق جميع الحالات.. وعندما لا يتصرف الموظفون العموميون ورجال الدولة تصرفاً قانونياً ويتخذون القرار الصحيح، فمن الطبيعي أن تضعف ثقة المواطن بالدولة ومن ثَمَّ يبحث عن بديل لها يحمي مصالحه أو حقوقه من خلال هذا البديل.. فيرجع الى الخلف.. الى القبيلة الى العشيرة الى المذهبية الى المناطقية.. مثلاً مواطن قتل في أبين، ولأن العدالة لم تحضر حضر الى أبين أفراد قبيلته الحاشدية، مواطن من تعز ظُلم في الجوف ولم يُنصف لجأ الى استثارة العصبية لدى أهل تعز الذين تحرروا من العصبية قبل أن تحرر اليمن من الاستعمارين العثماني والبريطاني.. وقد ظهرت في الفترات الاخيرة تكوينات عصبوية مناطقية وجهوية ومذهبية وقبلية مقززة.. والسبب أن هناك تصرفات وقرارات تضعف الهوية الجمعية.. تضعف القانون وتضعف الدولة.{