الإثنين, 14-يونيو-2010
الميثاق نت -     محمد حسين العيدروس* -
إن الديمقراطية وما ترافقها من حريات وتعددية حزبية لا تسمح لأي قوى سياسية ممارسة أنشطتها خارج حدود الثوابت الوطنية لأن هذا يؤدي لابتعادها عن الجماهير، وتنكر لقيمها وأخلاقياتها، بل سيؤدي إلى إلغاء هويتها الوطنية.
للأسف الشديد إن بعض القوى السياسية تنظر إلى الحقوق الديمقراطية على أنها ترخيص بإباحة كل شيء، وإلغاء ما هو قائم، وتبنٍّ للسياسة التي ترغبها قياداتها الحزبية، وبالوسائل التي ترغب وتميل إليها بغض النظر عن كون ذلك يخدم مصالح الوطن او يضرها، لأن البعد الثقافي لبعض القوى السياسية لا زال قاصراً عن استيعاب علاقة الديمقراطية بالبناء الوطني وهو ما يجعل تلك القوى محصورة على نفسها، ومعزولة عن حراك الحياة الإنسانية المنفتحة والمتطورة، وبالتالي أصابها الانحسار نحو التقدم والنمو لاكتساب القوى والتحول اللذين ربما أضعف نفوذها السياسي الحقيقي الذي أصبح لا يحظى باحترام واسع من الجماهير.

لذا فإن المصالح الوطنية العليا هي مصالح جميع أبناء الشعب اليمني، فمن يؤمن بالديمقراطية والحقوق الإنسانية يجب أن ينطلق في سياسته من أرضية راسخة تحمل تطلعات شعبه وليس من رغبته، وهو ما تشتهيه نفسه ومصالح حزبه، فعندما تكون رغبة العالبية العظمى من الجماهير تختلف عن توجه ورغبة حزب ما، نجد أن هذا الحزب يعتقد أن الجماهير مخطئة وهذا الحزب هو الصائب، والكل يعرف أن أصول ممارسة العمل السياسي هو تمثيل الجماهير وليس العكس.

لهذا فطالما أن العمل السياسي يستهدف تحقيق المصالح الوطنية العليا، فإن الارتقاء والنهوض به يجب أن يبنى على أساس الارتقاء بالجماهير نفسها من حيث الوعي الثقافي، وفرص الحياة الإنسانية الكريمة في مختلف الجوانب، لأن الارتقاء بالمصالح الوطنية مفهوم يجب أن يحظى بتلاحم ومشاركة الجميع المشاركة الفاعلة في مسيرة البناء والتنمية، وتعزيز الأمن والاستقرار والوعي بأهمية الممارسة الديمقراطية وإبرازها وتمييزها عن غيرها من الممارسات الفوضوية الهادفة في الأخير إلى تهديد السلم الاجتماعي وتخريب المنجزات التي حققها ابناء وطننا عبر مسيرته التاريخية وتضحياتهم الجسيمة.

إن انخفاض مستوى الوعي السياسي العام دون الحد الآمن لاستيعاب الديمقراطية كفلسفة ثقافية ومنهج سلوكي، هو أمر يجرفها إلى غير غاياتها المنشودة، جراء إخفاق وممارسات بعض القوى السياسية في استلهام الهدف الأخلاقي للديمقراطية.. وبالتالي فإن العبث السياسي والممارسات الغير مسئولة تحت سقف الحريات الديمقراطية أصبحت اليوم وراء صناعة الكثير من الإشكاليات والأزمات المفتعلة التي تعرض أبناء المحافظات لمخاطر تهدد أمنهم واستقرارهم.

وعليه فإن الحقيقة المهمة في ديمقراطيتنا اليمنية هي أنها تلتقي مع الغايات التنموية على خط واحد، لذلك نجد أن الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية أكد مراراً ومنذ البداية على أنه لا ينبغي حرق المراحل وأنه يجب بناء مؤسسات العمل الديمقراطي، وتهيئة الأرضية الصلبة التي يقف عليها الجميع كي لا تنهار، ولا تقفز فوق واقعنا اليمني وتتحول إلى فوضى.. فالفهم اليمني للديمقراطية هو أنها وسيلة لإدارة شئون الدولة وتنظيم مصالح الجماهير، وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم.

إن من الأخطاء التي لازمت خطاب بعض القوى السياسية هو افتراضها وجود الحالة الكاملة للديمقراطية، وهذه القوى تعرف أن الديمقراطية سلوك يتطور ويتنامى بالمزيد من الممارسة وهي تنضج بمرور الزمن ولم تلد ناضجة متكاملة، لكنها في كل الأحوال يناط بها أن تثمر وتتفاعل مع الطموحات الوطنية التي تفرضها الإرادة الجماهيرية، وتتحول إلى أداة للبناء وليست مظلة للفوضى والتخريب، وانتهاك الثوابت الوطنية على طريقة ما يفهمها البعض، ويبرر لنفسه دعوة الاستعانة بالخارج، أو يتجه نحو تحريك الشارع الذي يؤدي في معظمه إلى أعمال شغب وحرق المحلات التجارية وقطع الطرقات والاعتداء على رجال الأمن والممتلكات العامة والخاصة وإغلاق المدارس، كل هذه الأعمال تنال من المكتسبات الوطنية.

إن الكل يدرك أن البداية الأولى للديمقراطية في يمننا الحبيب هي الأساس للأرضية الصلبة التي انطلق منها شعبنا إلى إعادة تحقيق وحدته المباركة في الـ22 من مايو 1990م، ثم تحولت إلى مناخ البرامج والخطط التنموية التي تتبناها الحكومة، ولهذا نجد أن دعم المجتمع الدولي هو تابع أساساً من تقديره لتلك التحولات الديمقراطية التي شهدتها اليمن، رغم الموروث التاريخي الثقيل وشحة الموارد الطبيعية.

إذن فالديمقراطية ليست مجرد إصلاح سياسي، وإنما هي سلوك وممارسة صادقة ومسئولة، لابد أن تنعكس بأثرها على واقع الحياة اليومية للمواطنين لأن خيارات الديمقراطية لم تكن عبثية او للمزايدة والابتزاز السياسي، او لتلبية رغبات خارجية بقدر ما كانت الديمقراطية خياراً يمنياً للبناء والتنمية. فمسئولية حماية الديمقراطية تقع على جميع القوى الوطنية وأبناء شعبنا المناضل لأننا نمتلك تجربة وطنية غنية بالدروس والعبر التي يجب أن نتعلم منها، وننطلق من أساساتها في مواجهة كل التحديات التي تعترض مسيرة حياتنا وترسيخ وحدتنا الوطنية.. ومعالجة مشاكلنا وخلافاتنا، وأن الضمان الوحيد للمخارج الآمنة لن تأتي بغير الحوار والتعاون وبنوايا وطنية صادقة ومخلصة؛ لتحقيق آمالنا وطموحاتنا بإذن الله تعالى.

*عضو اللجنة العامة بالمؤتمر الشعبي العام – رئيس معهد الميثاق


تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-16044.htm