د. علي مطهر العثربي -
< إذا كنت أعطيت موضوع الفعل المتزن في السياسة الخارجية بالغ الأهمية، فذلك لأن السياسة الخارجية لأي بلد ذات غايات أو أهداف توضع في أعلى سلم أولويات الدول ويطلق عليها صناع القرار في تلك الدول الأهداف العليا، وهذه الأهداف لا تستطيع الدولة أياً كانت أن تقلل أو تنتقص من شأنها، وتسمى هذه الاهداف بالاهداف القومية أو الأهداف الوطنية أو هاتان التسميتان مع بعضهما، وهو موضوع في التسمية يدركه المهتمون بدراسة السياسة الخارجية، ولكني هنا أحصر الحديث على مستوى اليمن، بمعنى أن للدولة أهدافاً وطنية وقومية وقد أشرنا الى الاهداف الوطنية في المواضيع السابقة، وبقي الإشارة الموجزة الى الأهداف القومية.
إن الجمهورية اليمنية بحكم موقعها الجغرافي الذي يصفه الباحثون السياسيون بأنه يمثل أعظم التميز فيما يعرف بعبقرية الموقع الذي يقع في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية ويطل على البحر الأحمر ويشرف على أهم الممرات البحرية و»باب المندب« ويطل على البحر العربي والمحيط الهندي فإن ذلك الموقع المتميز قد جعل من اليمن محط أنظار العالم، وقد حتم على اليمن انتهاج سياسة خارجية اتصفت بالهدوء والاتزان والعقلانية والتبصر والحكمة والنفس الطويل والبعد الاستراتيجي، وكنت اشرت في العدد الماضي الى الحنكة السياسية التي استطاعت القيادة السياسية ممثلة بالرئيس الصالح علي عبدالله صالح من تسوير اليمن بإنهاء المشاكل الحدودية مع جيران اليمن بحكمة وحنكة سياسية حظيت باحترام عالمي، وأثبتت اليمن من خلالها قدرتها على تحمل مسؤولياتها الدولية في حماية الأمن والاستقرار والقيام بالواجب الانساني، وبقي أن نشير الى الأبعاد القومية والإقليمية، فقد أعطت اليمن هذا البعد أهمية استراتيجية بالغة الأهمية، وقد تمثل ذلك بجملة من الإجراءات العملية أولها تقدمت اليمن بطلب الانضمام الى مجلس التعاون الخليجي إيماناً من اليمن بأنها تمثل عمقاً استراتيجياً لدول الخليج العربي، وأن دول المجلس هي كذلك عمق استراتيجي لليمن، وأن المصير والقدر واحد بحكم الرقعة الجغرافية الواحدة المتصلة ناهيك عن عوامل التوحد والاندماج التي لا تتسع المساحة لذكرها، ولذلك فإن طلب انضمام اليمن الى المنظومة الخليجية يأتي في بعده الاقليمي على طريق الانضمام والاندماج السياسي والاقتصادي كلبنة أخرى أساسية في بناء وكيان الامة العربية التي لا تكتمل القوة والعزة الا ببناء الوحدة العربية وجمع لبناته المبعثرة والمجزأة.
إن المتابع المنصف والموضوعي والحيادي لأبعاد وأهداف السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية في أبعادها الاقليمية والقومية تنطلق باتجاه الاشقاء من منطلق الشعور بالمسؤولية القومية، ففي البعد القومي بذلت اليمن جهوداً مضنية في سبيل وحدة الامة العربية واستعادة قوتها ومكانتها في مجال العلاقات الدولية، وخطت اليمن في هذا المجال خطوات عملية ابتداءً من الدعوات المتكررة من أجل إحياء التضامن العربي مروراً بإصرار اليمن على انتظام انعقاد القمة العربية ثم مشروع اليمن لإنشاء الاتحاد العربي على طريق الوحدة الاندماجية وقيام الولايات المتحدة العربية، واليمن بهذه الرؤية العملية في الاتجاه القومي تؤكد من جديد بأن الوحدة العربية هي القوة التي تواجه بها كل التحديات الداخلية والخارجية وهي القوة التي تحمي سيادة الأمة وتصون كرامة الانسان العربي وهي القوة التي تمكن العرب من نفض غبار الذل الذي لحق بالأمة جراء انقسامها وتشظيها.
ولئن كانت الجمهورية قد لاقت مرارة التشطير والتقسيم وتمكنت من التغلب على مخلفات تلك الحقبة المشؤومة من تاريخ اليمن، ودخلت مرحلة الوحدة وأدركت أنها لا تستطيع أن تقوم بمسؤولياتها الدولية والقومية والاقليمية إلا بالوحدة فإنها تدرك كذلك بأن الأمة العربية لا يمكن أن تقوم بواجباتها ومسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي ومحيطها الاقليمي الا إذا تمكنت من جمع لبنات الوحدة العربية المبعثرة في أماكن متعددة لا تفصلها عوامل طبيعية أو جغرافية بقدر الاستعمار الذي أفلح في تأجيل الوحدة العربية، ولكن نجمع الامل لاح من سماء اليمن مصداقاً لقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: «إني أرى نفس الرحمن يأتي من اليمن«.. فتباشير الوحدة العربية قادمة بإذن الله.{