الإثنين, 19-يوليو-2010
الميثاق نت -    الدكتور‮/ ‬علي‮ ‬مطهر‮ ‬العثربي -
لم تكن ذكرى السابع عشر من يوليو عادية، ولا مجرد حدث سياسي عابر، بل إن السابع عشر من يوليو ميلاد جديد لمنهج سياسي جديد بعث الحياة والأمل في أرواح اليمنيين كافة وأشعل مصابيح الحرية، وأطفأ نيران الفتن وردم هوة الخلافات وقهر التحديات وصوب مسار الثورة اليمنية‮ ‬وأعاد‮ ‬لها‮ ‬جوهر‮ ‬المعاني‮ ‬والدلالات‮ ‬الانسانية،‮ ‬وأوقد‮ ‬جذوة‮ ‬الخير‮ ‬فيها‮ ‬وأرسل‮ ‬شعاع‮ ‬النور‮ ‬الى‮ ‬كل‮ ‬شبر‮ ‬من‮ ‬ربوع‮ ‬اليمن‮ ‬وإلى‮ ‬كل‮ ‬يمني‮ ‬في‮ ‬شتى‮ ‬أصقاع‮ ‬الأرض‮ ‬العامرة‮ ‬بالحياة‮.‬
إن اليمنيين الذين ذاقوا مرارة ما قبل السابع عشر من يوليو يدركون تماماً أن ما حدث في اليوم المجيد نصر كبير للثورة اليمنية، لأن حالة الاختلاف التي جرت خلال تلك المرحلة التي رافقتها الانقلابات الدموية جعلت كل المشتغلين بالسياسة وذوي الخبر والدهاء يحجمون عن ممارسة العمل السياسي، واكتفى المجرّبون والخبراء بالانزواء بعيداً لمراقبة سير الأحداث المأساوية وتركوا ساحة الفعل السياسي العقلاني القائم على فن الممكن للاقتتال والتآمر والتناحر والدسائس، وفر الجميع من ذلك المسمى بكرسي الرئاسة المصاب بداء التآمر والانقلابات، وقد‮ ‬خُيّل‮ ‬للبعض‮ ‬بأن‮ ‬ذلك‮ ‬الكرسي‮ ‬كتلة‮ ‬من‮ ‬الجمر‮ ‬تقضي‮ ‬على‮ ‬من‮ ‬يغامر‮ ‬ويقترب‮ ‬منه‮.‬
نعم فالوضع في 1978م كان مأساوياً بكل ما تعنيه الكلمة، تاهت فيه الحكمة وفقدت الثورة فيه البوصلة واختلت الأهداف والمبادئ وأضحى الخيّرون في حالة من العزوف وأصبحت الحياة مشلولة لا يدرك المرء العادي فيها غير الانقلابات الدموية وخيَّم عليها جو الحزن والخوف والرعب، وكان لابد لتلك السحابة القاتمة أن تزول من سماء اليمن موطن الحكمة والايمان والشجاعة، وجاء الوقت الذي تظهر فيه المعاني والدلالات لمفهوم التضحية الوطنية، ولكي تبرز تلك المعاني الوطنية والدلالات الانسانية كان لابد من ظهور عبقري يتصف بالشجاعة والإقدام ويحمل كفنه‮ ‬على‮ ‬كفه‮ ‬ويسعى‮ ‬الى‮ ‬إنقاذ‮ ‬البلاد‮ ‬من‮ ‬الفراغ‮ ‬السياسي‮ ‬الذي‮ ‬كادت‮ ‬أن‮ ‬تصل‮ ‬اليه‮ ‬بعد‮ ‬مقتل‮ ‬ثلاثة‮ ‬رؤساء‮ ‬للبلاد‮ ‬من‮ ‬خيرة‮ ‬شبابها‮ ‬وأعظمهم‮ ‬إخلاصاً‮ ‬ووفاءً‮ ‬لليمن‮.‬
إن اليمن لم تعقم عن إنجاب الحكماء والشجعان على الإطلاق، وإنما يحتاج الزمن لظهور أولئك الأفذاذ ظروفاً شديدة التعقيد وعظيمة الأحداث وكثيرة الأهوال وبالغة الخطورة، لتكون ميدان الابتلاء لمن يمتطي صهوة التحدي والمغامرة، وبالفعل ظهر ثلاثة من النجباء والعظماء في كل تلك الظروف الأشد خوفاً والأعظم رعباً، وقدموا حياتهم فداءً للدين والوطن، وكان لإقدامهم الأثر الأعظم في نفوس الشرفاء من أبناء اليمن، إلا أنهم- أي الشجعان الثلاثة الذين ضحوا بحياتهم من أجل اليمن- لم يوفق أيٌّ منهم في استخدام ما لديه من الشجاعة والإقدام والحكمة والتبصر، فاشترك ثلاثتهم في صفة التسرع وقلة الرؤية المستقبلية لمسيرة اليمن وضعف الدراية بشؤون القبائل ومعرفة معادن الرجال، ولذلك سقط الرئيس الحمدي ثم الرئيس الغشمي ثم الرئيس سالمين رحمة الله تعالى تغشاهم جميعاً، وأصبح اليمن بحراً هائجاً متلاطم الأمواج وظهرت‮ ‬فيه‮ ‬معالم‮ ‬البراكين‮ ‬والزلازل‮ ‬السياسية‮ ‬التي‮ ‬كادت‮ ‬تقضي‮ ‬على‮ ‬الأخضر‮ ‬واليابس،‮ ‬وكانت‮ ‬بحاجة‮ ‬ماسة‮ ‬الى‮ ‬ظهور‮ ‬عملاق‮ ‬رابع‮ ‬وعبقري‮ ‬فذ‮ ‬وحكيم‮ ‬بارع‮ ‬وخبير‮ ‬متمكن‮ ‬وربان‮ ‬ماهر‮.‬
إن احتياج اليمن لعبقري يمتلك كل تلك الصفات لم يكن عصياً عليها إنجابه، فقد قدمت اليمن ابناً باراً وعبقرياً فذاً هو علي عبدالله صالح الذي كان على مقربة من مشهد الحياة السياسية المستعرة، فقد كان قائداً للواء تعز، فاتجه صوب صنعاء حاملاً كفنه على كفه مبدياً استعداده لخوض معترك التحدي لمواجهة الأخطار التي أحدقت بالوطن وتكالبت عليه وكادت تهدد سيادته الوطنية، فخرج هذا العملاق العبقري من صفوف الجيش وقدم نفسه في مجلس الشعب التأسيسي فداءً للوطن، وقد أجمعت الآراء حوله، ولكنه أبى إلا أن يعيد للثورة نهجها الديمقراطي الشوروي وأصر على فتح باب الترشح أمام كل من يأنس في نفسه القدرة على إدارة شؤون البلاد والعباد، وقال يجب أن نحترم إرادة الشعب ونقبل بنتائج الاقتراع الحر والمباشر فاختاره ممثلو الشعب رئيساً للبلاد، فكان العبقري الذي نحتفي اليوم بذكرى تولّيه مقاليد الحكم بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن.. إنه القائد المقدام والربان الماهر والحكيم الصالح الرئيس علي عبدالله صالح زاده الله صحة وعافية ومد الله في عمره وبارك فيه لليمن وللأمة العربية والاسلامية بإذن الله.. وكل عام والجميع بألف خير.{
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:02 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-16654.htm