الإثنين, 16-أغسطس-2010
استطلاع: أحمد حسن عقربي -
عدن.. العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن.. تعيش هذه الايام الرمضانية موسم البهاء الرباني والانجذاب السياحي الطبيعي والديني.. ولعل ما يلفت انتباه الزائر قباب ومآذن المساجد التاريخية في عدن المتلألئة بأنوارها، وبإضاءات شوارعها وحدائقها العامة وعماراتها التاريخية والحديثة التي زادت من الجذب السياحي بعد أن أجريت عليها أعمال الترميم وإعادة التأهيل استقبالاً لخليجي (20) وتشهد أسواق عدن زحمة المتسوقين القادمين من مديريات المناطق والمحافظات المجاورة لها.. إذ تحولت لياليها الى مصابيح مضيئة ومبانيها وحدائقها العامة وسواحلها موئلاً للعوائل والأسر والاطفال. وبالرغم من الإقبال الكبير على المجمعات التجارية الكبيرة الا أن الاسواق القديمة مثل سوق الزعفران .. وسوق البز وأسواق البهارات والعطارين مازالت أشبه بخلية نحل تلقى إقبالاً من الزائرين خصوصاً كبار السن.

-وهناك إقبال على الوجبات الرمضانية العدنية ذات الأشكال والأنواع بدءاً بوجبة الزربيان التي اشتهرت عدن مروراً بهريس الشربة مع اللحم سيدة الطبق الرمضاني وبنت الشيخ وبنت الصحن والشفوت والمخلّم اللحجي والكدر.
- أما حلويات عدن الأصيلة والتاريخية فحدّث ولا حرج مثل المضروب الصوري .. المتميز بصناعته ونكهته الذي يصنع من أدوات وبهارات وسكريات خاصة يتم استيرادها من الهند والى جانب المشبك الوهطي المتميز عن مشبك الحديدة بسمك رقائقه بالإضافة الى حلاوى السمسية التي تصنع من الدقيق والسكر والسمسم الابيض وكذا القرمش اللحجي الى جانب الكيك بمختلف أنواعه وألوانه ومذاقه.


- في أزقة عدن وأحيائها القديمة كحارة حسين وحي العيدروس وحي سالم علي وحارة القطيعي أسواقها القديمة التاريخية يلفت نظرك الرغائف وشربة الهريس وتوابل طهي اللحم والدجاج.. وتزيين جدران البيوت والريحان وأعواد البخور الشرقية في المباخر ما بعد الفطور ورش ماء الزهور المقطر وترك الجميع المصابيح منارة الى وقت السحور تعظيماً لليالي رمضان والشيء نفسه بالنسبة لباقي أحياء وشوارع المدينة وأبواب المساجد والأضرحة والزوايا.
- وفي المساجد تتواصل الاحتفالات بمراسم قراءة القرآن وختم قراءات حديث البخاري للطلاب المنتظمين في المسابقة الدينية وفي حلقات الذكر وقراءة القرآن خصوصاً في مسجد العيدروس ومسجد أبات كما يتم زيارة الأضرحة وإشعال الشمع للتبرك وتذكراً لأعزاء من آباء وأهل وأحباب في القبور والتنزه في شواطئ عدن الساحرة والنزهة بالمدينة ومجمعاتها السياحية ومعالمها التجارية والدينية والتاريخية.
-يلاحظ في عدن في رمضان هذا العام الاهتمام بإعادة التقاليد الثقافية والدينية القديمة مثل عقد المنتديات الثقافية والدينية ومجالس السمر التي يتم فيها المحاضرات الدينية والثقافية ومسابقات الإنشاد الديني الى جانب لقاءات التجمعات الفنية والأدبية ويجري اكتشاف المواهب فضلاً عن قراءات كتب الحديث وسيرة عنترة وسيف بن ذي يزن والمهلهل وسيرة بني هلال وكتاب قصص الأنبياء «حدائق الزهور».
- أما مقاهي عدن مازالت ذاكرتها التاريخية تحتفظ بتقاليد مرتاديها من الأدباء والشعراء والسياسيين والمثقفين والفنانين التي كانت تتم فيها المناقشات الفكرية وإن كانت قد بدأت في السنوات الاخيرة تنحسر تحت ضغط هموم المعيشة والغلاء، بل إن الجديد الذي عرفناه هو إدخال التلفزيونات الفضائية وتوجه البعض بدلاً عن هذه المقاهي الى مقاهي الانترنت خصوصاً الشباب، ولكن تظل نكهة المقهى التاريخي خالدة في ذاكرة مرتادي هذه المقاهي.. فمن منا لا يعرف مقهى سيلان الذي احتضن رواد الحركة الوطنية واخفاهم عن أعين الانجليز كان للمقهى دور وطني ومن منا لا يعرف مقهاية الجمّالة واحتساء القهوة في منطقة السيلة بالشيخ عثمان.
- من المظاهر الجميلة في ليالي رمضان رائحة الفلافل والمخلل وروائح البخور وهي أشبه بنافذة تصل الى أقصى عصب الشم وهذا يذكرنا بطفولتنا في رمضان حيث كان للمخلل وخل الحسوة الساحلية طعم آخر في كوب الشتني في الزربيان أو الصيادية وكاد أن يغرينا بالإفطار.
- شد انتباهي في عدن في هذه الايام الرمضانية حركة نشطة لصناعة الحصير من الجعاب والمشارف والزنابيل والتفان «فرش الأكل» المصنوعة من أشجار أدواش الطارئ «أشجار الخل في الحسوة» وهذه الصناعات التقليدية التراثية يكون لها حضور في رمضان وجزء من المكون التاريخي الثقافي الرمضاني لأنه - بحسب اعتقاد الناس - يعزز اعتقادهم الاختصاصيين البيئيين ان هذه المواد تتميز بحفظ المواد الغذائية صحياً دون أن تتعفن ولو حتى بقت في الجعاب والزنابيل لمدة يومين لأنها تمتص وتقاوم الحرارة التي تسهم في تعفن الخبز وغيره من المواد الغذائية. وحتى أسواق الحراج الشعبية هي الأخرى تشكل عامل جذب للمتسوقين وخصوصاً للفئات الفقيرة وحتى لفئات الشباب الذين درجوا على اقتناء ملابس الموضة من الأماكن التجارية الراقية بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار.
- والحقيقة ان من يزور عدن في لياليها الرمضانية هذه الأيام يلفت ا نتباهه تجمع الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية وإن معظمهم من الأسر الفقيرة الا أن فئة الشباب تحتل موقع الصدارة بين المتسوقين الذي يتجهون زرافات ووحداناً الى تجارة البسطات بمحاذاة مسجد النور وشارع الحب في الشيخ عثمان أو في سوق السائلة في كريتر الشهير المتميز بعرض المعروضات المتناسبة الأسعار وتنوع الأذواق التي تنتزع إعجاب الشباب والمراهقين الى جانب ربات البيوت والشيوخ والنساء والاطفال والبعض منها خاصة بالصيف وهذا السوق الشعبي الى جانب أسواق الحراج التي تعج بها خصوصاً مدينتي عدن والشيخ عثمان وتظهران الغلاء ويرتادها المتسوقون من مختلف الشرائح الاجتماعية والاسر اليمنية القادمة من مديريات المحافظة وحتى من المحافظات المجاورة اخترقت تجمع المتسوقين في هذه الأسواق بصعوبة وسط ضجيج وصياح أصحاب مكبرات الصوت التي تحث المتسوقين على عدم ضياع فرص اقتناء المعروضات ذات الأسعار المناسبة والصناعة ذات الجودة وكنت أرى الكل وسط هذه الزحمة قابضاً على جيبه بحذر وترقب خوفاً من النشل التي أصبحت هذه الأيام ظاهرة مزعجة في تجمعات التسوق في الشوارع الضيقة المزدحمة بالمتسوقين خصوصاً في رمضان وقرب الأعياد وهذا يعود الى انتشار البطالة والغلاء الفاحش. كما شدني النظر في أسواق الحراج أن أرى الأجانب الأوروبيين يترددون على هذه الا سواق يأخذون سراويل وملابس الجينز لأسعارها الرخيصة.
- البعض لهم رأي مخالف تجاه هذه الأسواق (الحراج) ان بعضها قد يحمل فيروسات لبعض الامراض.. ويقول المواطن أحمد كندش من سكان الشيخ عثمان: إن شراء الملابس من محلات الحراج ينجم عنه أضرار صحية وأن بعضها يسبب الحساسية في أجسام بعض المتسوقين لكن هناك من يرى عكس ذلك، فالحجة مريم عوض من سكان الممدارة تقول: - إن الملابس في سوق الحراج تناسب العوائل الفقيرة وهي أنواع ممتازة تناسب مختلف الأذواق والناس يتوجهون الى هذه الاسواق بعد أن ارتفعت الاسعار ارتفاعاً جنونياً دون رقيب أو حسيب وقالت: ونحن الفقراء ملجأنا الاسواق الشعبية وأسواق الحراج.
-ومهما تنوعت الآراء والأسباب والمحاذير باتجاه الاسر اليمنية في عدن لا مخرج لها من اقتناء وحاجاتها الا في الاسواق الشعبية وأسواق الحراج، فالظروف الاقتصادية واشتعال لهيب ارتفاع الاسعار لا تعطي للأسرة اليمنية هنا في عدن كما قال لي البعض ان تفكر في الاعتبارات الصحية ومترتباتها وأضرارها على أفراد المجتمع، فالهم الاقتصادي وارتفاع الاسعار أصبح السيد من دون مناقش، أما الأمور الاخرى فأصبح التفكير فيها بحسب اعتقاد هذه الاسر الفقيرة مضيعة للوقت!!
-في رمضان في عدن تتحرك السياحة الدينية لزيارة الآثار والمعالم التاريخية الدينية ذات الفن المعماري الاصيل باعتبار أن هناك الكثير من التراث الديني المغمور الذي مازال البعض يجهله ومن بين تلك المعالم الدينية مسجد أبان التاريخي ومعالمه ومحتوياته الدينية والتراثية ، ومسجد العيدروس التاريخي، الى جانب أربطة أولياء الله الصالحين أمثال العيدروس في كريتر، وولي الله الصالح الشيخ عثمان الكائن في مدينة الشيخ عثمان القديمة ومسجد الهاشمي الذي تم الاعتداء عليه من القوى الدينية المتطرفة.. علماً بأن هذه المزارات وهذه المساجد والمعالم الدينية التاريخية في عدن يأتيها الزوار في رمضان من عدد من دول العالم الاسلامي وعلى وجه الخصوص من جنوب شرق آسيا مثل اندونوسيا وبنجلاديش.
-من المظاهر السلبية للنظر هذه الإيام في عدن كثرة عدد المتسولين في الشوارع والأماكن العامة والاسواق حيث التحق بهؤلاء المتسولين الممتهنين لمهنة التسول حتى من فئات الطبقة الوسطى غير الممتهنين للتسول ولكن إلحاح الحاجة والأسعار الجنونية للأسعار حوّل الناس قصراً الى امتهان التسول.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:28 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-17077.htm