الإثنين, 11-ديسمبر-2006
تحقيق‮/ ‬توفيق‮ ‬الشرعبي‮- ‬عبدالرحمن‮ ‬الشيباني -
حققت اليمن تقدماً مهماً في مجال التعليم العام خلال عقود من الزمن.. وقد رافق هذا التقدم نمواً سريعاً في توفير فرص التعليم لمستوى ما بعد الثانوية من قبل القطاعين العام والخاص ما دفع بالرؤى المختلفة أن تجتمع لتقر وتقرر بوجوب استقلال التعليم العالي والبحث العلمي كوزارة متخصصة وكذلك لعدم النمو الموازي في قطاع التعليم الفني والتدريب المهني للتعليم العام والجامعي ما أدى إلى حالة من عدم التوازن في الهيكل العام لنظام التعليم وظهور آثاره في سوق العمل كان لابد أيضاً من استقلال هذا القطاع ليصبح وزارة مستقلة ومتخصصة.. ورغم هذا الاستقلال لهذه الوزارات إلاّ أن التداخل بين المهام وعدم التنسيق لايزال موجوداً.. »الميثاق« ابتعدت عن الوزارات لتأخذ رؤى أخرى.. هل هذه الوزارات أدت دورها بعد انفصالها عن بعض.. وكيف يمكن تقييم التجربة المناطة بهم.. وهل التعليم فعلاً بحاجة إلى ثلاث وزارات؟‮ ‬فماذا‮ ‬كانت‮ ‬الرؤية‮..‬؟
> في البدء لم يكن يعلم صادق الرعيني أنه سيتنقل كثيراً بين وزارتي التربية والتعليم التي ابتعثته إلى الخارج والتعليم العالي والبحث العلمي التي تريد أن تنتصر للقانون الذي منحها الحق في ابتعاث الطلاب.. صادق تحدث واليأس يكاد يأخذ مأخذه من مستقبل هذا الشاب الطامح: أكثر من شهرين وأنا بين ذهاب وإياب مرة في وزارة التربية وأخرى في التعليم العالي وكل وزارة ترى احقيتها بإيفاد من ترغب في ابتعاثه بأي تخصص ترى أنها بحاجة إليه، والمسؤولون في التعليم العالي يمانعون حتى يحصلوا على الميزانية التي رصدت للابتعاث في وزارة التربية‮.. ‬مما‮ ‬جعل‮ ‬كثيراً‮ ‬من‮ ‬الباحثين‮ ‬يعانون‮ ‬الأمرين‮ ‬وهذا‮ ‬تداخل‮ ‬كان‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يوضع‮ ‬له‮ ‬الحل‮ ‬عندما‮ ‬استقلت‮ ‬وزارة‮ ‬التعليم‮ ‬العالي‮ ‬والبحث‮ ‬العلمي‮ ‬وأصبحت‮ ‬وزارة‮ ‬متخصصة‮.‬
رؤى‮ ‬مختلفة
> إذاً التداخل وعدم التنسيق بين وزارات التعليم الثلاث التربية والتعليم العالي والفني والتدريب المهني استوقفنا فوجدنا كثيراً أمثال صادق الرعيني ممن يحملون ملفات التخبط والاحباط هنا وهناك.. لنتجاوزهم إلى قضية أخرى غلب عليها التداخل أيضاً فهذا عبدالرزاق الحدابي يؤكد أنه عانى ويعاني من الحصول على ترخيص لمعهد تدريب حيث كان سابقاً على وزارة التربية التي تحاول أن تتمسك بحقها الذي ذهب وأصبح من اختصاص وزارة التعليم الفني والتدريب المهني.. عبدالرزاق أبدى رؤية لاتتجاوز الصحة حيث قال: المعاهد التي تدرّس لغات ومواداً علمية ونظرية في فترة العطل الصيفية كان يجب أن تخضع التراخيص والإشراف في الوقت نفسه لوزارة التربية والتعليم حتى تكون المناهج هي مناهج تقوية للطالب ليُحسن مستواه وبنفس الأسلوب التربوي حتى لاتتداخل الرؤى التربوية والرؤى التقنية والمهنية في عقل لم يتأتَ له الاختيار‮ ‬بعد‮.‬
خبرة‮ ‬وكفاءة
> وفي السياق نفسه تحدث إلينا أحد الأكاديميين التربويين قائلاً: كان يفترض على وزارة التربية والتعليم أن تستقطب أكاديميين تربويين لتدريب المعلمين لأن الفارق كبير من حيث المؤهل والكفاءة والخبرة بين الأكاديميين والمدربين الذين تعتمد عليهم وزارة التربية هذا في حين‮ ‬يكون‮ ‬هناك‮ ‬تنسيق‮ ‬بين‮ ‬الوزارات‮ ‬التي‮ ‬تتداخل‮ ‬في‮ ‬المهام‮ ‬وتتباعد‮ ‬في‮ ‬تنفيذها‮.‬
لست‮ ‬مع‮ ‬التعدد
> وحتى لانتشعب في تداخل المهام لدى وزارات التعليم الثلاث وحتى لايقتصر تحقيقنا على نقل المعاناة من قبل المتضررين من هذا التنسيق المعدوم والتداخل غير المدروس التقينا الدكتور سيلان العبيدي رئىس المجلس الأعلى لتخطيط التعليم والذي أفادنا بقوله: القانون رقم (45) لسنة 1990م صدر في ظل وجود وزارة واحدة وهي وزارة التربية والتعليم، والوزارتان الأخيرتان كانتا تشكلان قطاعين يتبعان وزارة التربية.. إلاّ أن التداخل بين الوزارات مازال موجوداً.. وأنا أقول- وللأمانة- لست مع تعدد وزارات التعليم لأن التعدد يعطي نوعاً من التداخلات بين المهام ذات البعد الواحد لتقوم به أكثر من جهة.. زد على ذلك أن كل وزارة تنشأ لها قوانين ولوائح واستراتيجية مستقلة وتتبعها خطط وسياسات مستقلة.. بمعنى أن هناك فجوة بين هذه الحلقات التي يفترض أن تكون متواصلة ومترابطة لأنها تشكل بمجموعها التعليم.. ما يستدعي‮ ‬بل‮ ‬يوجب‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬هناك‮ ‬استراتيجية‮ ‬واحدة‮ ‬وموحدة‮ ‬تجمع‮ ‬شتات‮ ‬هذه‮ ‬الاستراتيجيات‮..‬
ويضيف سيلان: طبعاً هذا التداخل مع وجود الاستراتيجيات يحتاج إلى ميزانيات مستقلة لكل وزار، وهيكل تنظيمي لكل وزارة مما أدى إلى توسع هياكل التعليم أكثر مما يجب وزاد اعداد الموظفين وأعداد المكاتب في المحافظات.. و.. و.. ما جعل السلطات متعددة ومجزأة.
عدم‮ ‬المشاركة‮ ‬والتنسيق
> ويشير سيلان العبيدي إلى أنه قد يقول قائل بأن التعليم متشعب ويشمل كل أصقاع الوطن وهذا لايعني أن نُوجد ثلاث وزارات بل خطة موحدة.. لذا كان بالإمكان أن تظل هذه الوزارات تحت نظام وسقف وسلطة واحدة حتى لاتتداخل القرارات.. ويؤكد رئىس المجلس الأعلى لتخطيط التعليم أن التداخل القانوني مازال يشكل عائقاً لدى الوزارات الثلاث أما يخص ويتعلق بمنح التراخيص فمثلاً الجامعات الأهلية تأخذ تراخيصها من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في حين كليات المجتمع تُمنح تراخيصها من وزارة التعليم الفني والتدريب المهني..
وهناك الكثير من المعاهد المتخصصة سواءً بعد الثانوية أو قبلها إما كمبيوتر أو لغات أو إدارة.. إلى آخرها مازالت تعاني منح تراخيصها من التعليم الفني أم التربية والتعليم.. وهذا نوع من التضارب في الاختصاص والتداخل في المهام وفي الوقت نفسه القانون أعطى الأصل والكل لوزارة التربية التي تفرخت إلى ثلاث وزارات.. كما أن التداخل بين هذه الوزارات متشعب فمثلاً قضية الابتعاث مازالت متداخلة فكل وزارة تريد الايفاد من قبلها وبموازنة مستقلة بها في حين قانون الابتعاث رقم (19) لسنة 2003م أعطى الاحقية والصلاحيات لوزارة التعليم العالي‮ ‬والبحث‮ ‬العلمي‮.. ‬أضف‮ ‬إلى‮ ‬ذلك‮ ‬التداخل‮ ‬بين‮ ‬الوزارات‮ ‬الثلاث‮ ‬قضية‮ ‬البيانات‮ ‬حيث‮ ‬لاندري‮ ‬من‮ ‬تكون‮ ‬بياناته‮ ‬صحيحة‮ ‬وقد‮ ‬وجدنا‮ ‬بيانات‮ ‬غير‮ ‬دقيقة‮ ‬وبالذات‮ ‬لدى‮ ‬وزارة‮ ‬التعليم‮ ‬الفني‮..‬
ويؤكد سيلان العبيدي أن المجلس الأعلى لتخطيط التعليم وُجد لرسم السياسات والاتجاهات العامة التي يجب أن يسير عليها نظام التعليم العام والجامعي والفني والمهني وغيرها من المهام التي تعمل على الارتقاء بالتعليم، إلاّ أن الوزارات لاتشاركنا المهام سوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أما وزارة التربية كأنها مفقودة بالنسبة للمجلس وكأنها عبارة عن غابة ولا وجود لنا فيها ربما لأن القائمين عليها لايريدون أن يكون للمجلس دور معهم أو لايريدون أن يعرف مشاكل الوزارة التي تعيق العملية التعليمية.. ويضيف العبيدي رغم الموارد المالية الضخمة لدى وزارة التربية والتعليم لكنها لاتستخدمها الاستخدام الأمثل لعدم وجود الترابط والتكامل بينها وبين الوزارات الأخرى فمثلاً لديهم 40 مليون دولار مخصصة لتدريب المعلمين في حين يوجد 31 كلية تربية و316 دكتوراً في هذه الكليات.. كان بالإمكان أن تستفيد وزارة التربية والتعليم من هؤلاء الدكاترة لتدريب المعلمين حيث لديهم خبرة وكفاءة ومجال معرفي أكثر من المدربين الذين تستعين بهم الوزارة.. لذا نجد وزارة التربية بعيدة عن التخطيط، وليتها تنفذ استراتيجياتها لأن الرؤية منعدمة لهذا تغيب لديها الجوانب التخطيطية..
ويخلص الدكتور العبيدي إلى أن تعدد الوزارات المتعلقة بالتعليم يُعد إهداراً للمال والثروة والقوى البشرية.. لأن زيادة الهيكلة في كل قطاع من القطاعات يزيد في الترهل.. لذا- من وجهة نظره- يجب أن تكون وزارة واحدة.
الواقع‮ ‬بحاجة‮ ‬إليها
> إلاّ أن الدكتور صائب سلام مدير مشروع إدارة الأعمال بكلية التجارة والاقتصاد جامعة صنعاء يخالفه الرأي حيث يرى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تُعد من أهم الوزارات وبالنسبة للتداخل موجود وواضح للعيان والجدل الآن قائم حول وجود ثلاث وزارات لأن ذلك مكلّف.. لكنني شخصياً أرى أن مشكلة التداخل ليست عصية ويسهل حلها وفقاً للقوانين والاختصاصات.. ويضيف سلام أن الوزارتين التعليم العالي والتعليم الفني مازالتا حديثتين وفي طور التطور والتجديد والواقع الآن يتطلب التركيز على البحث العلمي والتدريب التقني والمهني لأننا مازلنا‮ ‬في‮ ‬مراحل‮ ‬بدائية‮ ‬في‮ ‬عملية‮ ‬البحث‮ ‬العلمي‮ ‬لذا‮ ‬يجب‮ ‬تفعيل‮ ‬هذا‮ ‬الدور‮ ‬المهم‮.‬
غياب‮ ‬الهيكلية
> الدكتور عبدالعزيز محمد المخلافي كلية التجارة والاقتصاد قال: إذا وجد هيكل تنظيمي في توصيف وتصنيف الوظائف في أية منظمة من المنظمات يحد من الازدواجية في ممارسة الاختصاصات لذا يجب أن تكون هناك لوائح منصوصة فيما يتعلق بالهيكل التنظيمي للوزارات الثلاث.. فقضية الابتعاث‮ ‬مثلاً‮ ‬من‮ ‬حق‮ ‬وزارة‮ ‬التعليم‮ ‬العالي‮ ‬فلا‮ ‬داعي‮ ‬للازدواجية‮ ‬الموجودة‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬غياب‮ ‬توصيف‮ ‬وتصنيف‮ ‬المهام‮.‬
ويضيف الدكتور المخلافي: لابد من التنسيق بين الوزارات.. فمثلاً لماذا لايجلس الوزراء الثلاثة ويوزعون المهام والصلاحيات والمرجعية في اقتناع الجميع باللوائح والصلاحيات.. وأنا أرى أن نجاح الوزارات لن يتأتى إلاَّ بالتنسيق فيما بينها.
ختاماً
> يبقى التعليم- وإن تعددت وزاراته- بحاجة ماسة لتكثيف الجهود وتحديث الرؤى حتى نواكب التطور العلمي المذهل الذي حققه الإنسان في القرن الماضي والذي أثر بفاعلية على أسلوب الحياة في كافة المجتمعات المعاصرة.. ولأن التعليم في بلادنا لايحتمل المزيد من الغموض والتشويش،‮ ‬وكفاه‮ ‬ما‮ ‬يعانيه‮ ‬من‮ ‬أزمات‮.. ‬فهل‮ ‬نضيف‮ ‬إليه‮ ‬عبء‮ ‬خلط‮ ‬المفاهيم؟‮!!‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:56 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1718.htm