الميثاق نت - فيصل جلول- الميثاق نت

الخميس, 26-أغسطس-2010
فيصل جلول -

على الرغم من الأجواء الايجابية التي اشاعها اتفاق 17 تموز يوليو الماضي بين المؤتمر الشعبي العام وتكتل احزاب اللقاء المشترك فان المخاوف من تبدد تلك الاجواء يظل واردا ما لم يبادر شركاء الحوار الى الافادة من زخم التوقيع وبالتالي تحقيق تقدم رمزي يطبع النفوس ويعطل كل رهان آخر خارج طاولة الحوار. والباعث لهذه المخاوف ناجم عن شحن طاولة الحوار بمقترحات وبنود بيروقراطية واجرائية وتحوطية متعددة ويتراءى لكثرة هذه المقترحات وتشعبها واللجان المكلفة بوجوب بمتابعتها يتراءى للمراقب عن بعد ان كل ذلك يلقي اثقالاً على قاطرة الحوار قد لا تتمكن من نقلها الى مسافات بعيدة والاخطر من ذلك هو ان فائض المقترحات الاجرائية والاحترازية والاحتياطية من شانه ان يحجم مساحة النقاش حول القضايا الاساسية. بعبارة اخرى يمكن القول: ان المتحاورين يضاعفون اثقال بعضهم البعض فاذا حاولوا التقدم يكون تقدمهم بطيئاً بل يشيع اجواءً سلبية وتراجعية ويعزز الشكوك المتبادلة وبالتالي لا يفيد الحوار والمتحاورين والقضايا المطروحة للتحاور.
ان الانطلاق من هرمية مبسطة في تناول مواضيع الحوار ربما يختصر كل هذا القدر من الاجراءات البيروقراطية التي يشترطها الطرفان فتبدوا اشبه بالمتاريس منها بمداخل الحوار ومقدماته الضرورية، وعليه ربما توجب الاعتماد على مشاورات غير رسمية حول الاساسيات المتصلة بالحوار والعمل من بعد على تظهيرها في الاطر المقترحة مع قدر من النقاش المفيد والضروري لاقرار المتفق عليه بعد اجراء تعديلات طفيفة، والراجح عندي ان هذا النوع من المشاورات ربما كان قائماً وربما يتم التحضير له وفي الحالتين ربما يتوجب العمل على اشاعة التفاؤل لدى الرأي العام عبر تصريحات من طرف لا يرد عليها الطرف الآخر ويوافق عليها بصمته او عبر تسريبات صحفية لاينفيها اي من الطرفين اوعبر مقالات يقول فيها هذا الكاتب المقرب من المؤتمر او ذاك المقرب من المشترك كلاماً يفيد بتقدم ما او بتوافق موعود اقله على مواصلة الحوار او شرح مقدماته الضرورية وربما الحديث عن بعض صعوباته دون اشاعة اليأس والقنوط في نفوس المواطنين.
ولعله من المحبذ ان لا يقتصر الاعلام عن الحوار على المقترحات الاجرائية والمقترحات المضادة ذلك انه على الرغم من اهمية هذه المقترحات بالنسبة للاطراف المعنية فان الاهم يبقى في ضمان استمرار تأييد الرأي العام للحوار والمتحاورين.
التفاوض بالارغام
أغلب الظن ان المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية تلتئم لحاجات صهيونية حصرية ولا تنطوي على أية رهانات فلسطينية جدية حول تحصيل الحقوق وبناء الدولة المستقلة وهي لم تحظ بحماس ظاهر من دول الاعتدال العربي في حين لم يبادر تيار الممانعة لاطلاق الرصاص عليها مفترضاً ان خضوع المفاوض الفلسطيني لشروطها المهينة هو افضل حجة على انعدام جدواها وبالتالي اتساع رقعة الرهان على المقاومة والمواجهة لانتزاع التنازلات من براثن الدولة العبرية.
وتفصح الطريقة التي اعتمدت في الانتقال من المفاوضات غير المباشرة الى المفاوضات المباشرة عن نجاح تل ابيب في فرض اجندتها الخاصة على جميع المعنيين بهذه المفاوضات وفي طليعتهم الولايات المتحدة الامريكية التي شرعت منذ انتخاب اوباما بتغطية اللهجة الشرطية العالية التي اعتمدها محمود عباس في وقف الاستيطان وفي مقاربة مواضيع الحل النهائي وتحديد سقف زمني لانشاء الدولة الفلسطينية لا يتعدى السنتين. والراجح ان الضغوط التي مارستها اللوبيات المؤيدة لاسرائيل قد ادت الى تراجع تيار اوباما وتقدم تيار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وبالتالي مباركة المفاوضات المباشرة دون تقدم مسبق ودون التزام زمني واستناد الى تاكيدات امريكية بتحرير المفاوضات من الضغوط الخارجية الامر الذي يحيل بيان الرباعية الذي سبق المفاوضات الى قصاصة ورق عديمة القيمة بالنسبة للمفاوض الفلسطيني.
وما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق ايضاً على الاتحاد الاوروبي الذي كافأ التعنت الصهيوني بضم اسرائيل الى منظمة التعاون والدفاع الاوروبي وهي خطوة على طريق ضمها الى الحلف الاطلسي ولم يشترط الاوروبيون ان تمتنع اسرائيل عن الاستيطان او ان تلتزم جدولاً زمنياً لاقامة دولة فلسطينية مع الاشارة الى ان اوروبا تعين اسرائيل منذ اتفاق اوسلو 1993م اذ تمول احتلالها للاراضي الفلسطينية وتمول السلطة الفلسطينية وبالتالي تضغط عليها بالاتجاه الذي يخدم اغراض الدولة العبرية.
اما الدول العربية المعتدلة التي تشجع الرئيس محمود عباس على خوض المفاوضات المباشرة وبخاصة تلك التي تحتفظ باتفاقيات سلام مع تل ابيب فانها وضعت بلدانها في موقع لا يتيح لها هامشاً كبيراً للمناورة في هذه القضية وفي قضايا شرق اوسطية اخرى. وهي اذ تضغط على السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات المباشرة فانها تستجيب لاملاءات الخارجية الامريكية و تبتلع تعهداً معاكساً كانت قد التزمته من خلال الجامعة العربية قبل اشهر معدودة بل ذهبت الى حد الحديث عن عدم ابقاء مبادرة السلام العربية على الطاولة اذا ما واظبت اسرائيل على ادارة الازمة الفلسطينية بدلاً من حلها..في ظل هذا القدر من الارغام يذهب السيد محمود عباس الى واشنطن لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الدولة العبرية في مشهد تريد من خلاله ان تقول لمن يرغب: انها الاقوى وان اجندتها هي التي تسود المفاوضات المباشرة.. فهل من يقوى على اعتراض هذه الاجندة بين المفاوضين والداعين الى التفاوض؟ وهل من يرغب اصلاً في الاعتراض؟ عندما يأتي المفاوض العربي الى واشنطن تحت شعار المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات فانه كمن يقول لعدوه: انا تحت رحمتك افعل بالمفاوضات ما تشاء وهو خيار ينتمي الى فلسفة" القوة في الضعف" المسؤولة في لبنان عن حروب العقود الثلاثة الماضية... في واشنطن لم يكن المفاوض العربي ملزماً بمفاوضات لا يريدها شعبه ربما كان عليه ان يستمع الى نصيحة المتنبي:
اذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بمادون النجوم
فطعم الموت في امر حقير كطعم الموت في امر عظيم.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:26 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-17227.htm