د.عبدالعزيز المقالح -
استعير عنوان هذه الزاوية من الصديق الكاتب والمفكر كاظم الموسوي العربي العراقي المغترب والمحترق حتى العظم بسبب ما يعاني منه وطنه من احتراب دموي وطاعون طائفي لم يكن في الحسبان وكل ذلك راجع اولاً واخيراً الى الاحتلال وما حمل فوق دباباته وعلى متن طائراته من اوبئة وطامعين وقوى غريبة تدربت على ايدي قادة الموساد في تخريب وطن عربي كان موضع تقدير امته ومحط رجائه الكبير.. لكنه في شهور قليلة بل وفي خلال ايام تحول الى غابة لوحوش الطائفية تفترس يومياً ازهى وانبل ما كان فيه عبر العصور، وتنشر بين ابنائه الابرياء الاذكياء طاعون الكراهية والحقد على انفسهم وعلى حاضرهم ومستقبلهم.
يشير الدكتور كاظم الموسوي في مقال حزين فاجع بالعنوان اعلاه: »الطاعون الجديد« الى تعرض العراق فيما مضى من العصور لكوارث وامراض اودت بحياة اعداد غفيرة من ابنائه، ومنها طاعون نزل بالعراق في عام ١٣٨١م، ذهب بالآلاف من ابناء بغداد ومثل كارثة فاجعة لا ينساها العراقيون.. ثم يمضي الكاتب بعد ذلك الى الحديث عن الطاعون الجديد الذي يفوق كل تصور عن الكوارث والطواعين القديمة والحديثة: واخطر ما في هذا الطاعون الجديد ان الذي يقوم بنشره ويشرف عليه الرئيس الامريكي بوش واداراته العسكرية والسياسية.. »وبالتأكيد سيسجل التاريخ هذا المرض باسمه ويحمله المسئولية عنه.. وقد يضيف اليه حلفاءه ومن يغمض عينيه عن الكارثة.. وسيكون وبالاً عليه مثلما على الشعب العراقي، ولن تنفع كثيراً لجنة جيمس بيكر واخواتها الكثير مما تسربت اخبارها عبر وسائل الاعلام، ولكن بيكر هذا وتقريره له علاقة مباشرة بما يحصل بالعراق اليوم، وينبغي ألا ننسى تهديده باعادة العراق الى الوراء قروناً عدة، وهو ما رآه بعينه الآن ويستهدف انقاذ شباب بلاده من الطاعون الجديد الذي نقله سيده الى العراق فحمله في تفكيره، ليعيد العراق من جديد الى ما هدد به واكثر مما عليه الآن من آثار هذا الطاعون رغم كل الكلمات والنصائح المعسولة.
فالأعداد المتزايدة من الضحايا العراقيين الذي تعترف بهم اليوم تقارير دولية وبحوث اكاديمية، وتقر الادارة الامريكية نفسها بها وتختلف بحجمها او بضخامتها هي حصيلة عدوان الادارة التي خططت لمثل هذه الجريمة الوحشية وسببت هذه الكارثة الانسانية«.
اعترف انني لا استطيع مواصلة الاقتباس، ومتابعة الارقام المخيفة لضحايا الطاعون الامريكي، طاعون الحرية والديمقراطية المستوردة والمحمولة على الدبابات والصواريخ، والمصحوبة بعدد ممن باعوا انفسهم ووطنهم للشيطان مقابل حلم بسلطة لم تستقر ولن تستقر، وفي مقابل حلم آخر للغزاة بآبار البترول التي تحولت الى آبار من الدماء.. ولعل اخطر ما في موضوع الطاعون الطائفي الذي يأكل العراق ويجتاح كل الخطوط الحمر بين ابنائه.. انه لن يتوقف عند حدود العراق، وانما سوف ينتقل حتماً الى الاقطار المجاورة وما بعد المجاورة وسوف يشهد العالم في المنطقة كارثة هي الاخطر في تاريخها.
وما يبعث على الحيرة ان الحديث عن الطاعون وتداعياته وما ينذر به من كارثة مرعبة على دول الجوار لم يحرك المشاعر ولم يدفع الى موقف ايجابي في بحث سبب هذا المرض وضرورة السعي الدؤوب والعاجل الى محاصرته والقضاء عليه، بإخراج حامليه والمتسببين فيه من العراق واعطاء الشعب العراقي فرصة لاسترجاع انفاسه والخروج من الدوامة الطاعونية العنيفة.