بقلم المناضل/ عبدربه منصور هادي* -
ان ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة التي يعيش الوطن مباهج احتفالات عيدها الـ48 تتجلى عظمتها في كونها ثورة استثنائية في تاريخ شعبنا اليمني بالنظر إلى الظروف والأوضاع الكابوسية البائسة التي كان يرزح تحت أهوال ويلاتها إبان الحكم الإمامي الكهنوتي المتخلف الذي لم يكن له مثيل في الوجود إلا في بطون كتب التاريخ .. فقد كان يمثل ابشع صور الظلم والظلام والطغيان والاستبداد.. مدَّعياً شرعيته من خرافة أنه «ظِلُّ الله في الأرض»، فارضاً على شعبنا اسواراً رهيبة من العزلة المادية والروحية والثقافية، جاعلاً من ثالوث الفقر والجهل والمرض أساساً لفرض نظامه الاستبدادي على شعبنا وبلادنا. ولعل ما يجعل ثورة 26 سبتمبر 1962م ثورة متميزة لا يمكن مقارنتها بأيٍّ من الثورات المعاصرة، أن أهدافها ومبادئها لم تقتصر على الخلاص من ذلك النظام الإمامي الكهنوتي وجوره وطغيانه فحسب، بل حملت مشروع بناء دولة يمنية حديثة، برؤى استراتيجية واضحة تعبر عن آمال وتطلعات الشعب اليمني والحركة الوطنية في كفاحها ضد الإمامة والاستعمار .. علاوةً على أن ثورة سبتمبر المجيدة استطاعت أن تقضي على سياسة الفرقة والتمزق والتجزئة الطائفية والمذهبية والمناطقية والسلالية التي ظل ينتهجها أعداء شعبنا اليمني كسلاح في محاولة لضرب وحدة شعبنا الوطنية ليبقى ضعيفاً ممزقاً متناحراً فيما بينه بتلك الحروب العبثية التي ظل يضرمها الأئمة والاستعمار لإذلاله واستعباده.. بيد أن ثورة سبتمبر المجيدة أسقطت (سياسة فرّق تسد) وفتحت أمام أبناء الشعب اليمني عهداً جديداً وآفاقاً واسعة للمضي نحو الحرية والاستقلال والوحدة التي طالما ناضل وضحَّى بالغالي والنفيس من أجل بلوغها.. وهكذا استطاعت ثورة سبتمبر أن تضع النهاية لحالة الانحراف في مسار التاريخ الوطني لشعبنا بعد أن عبث به الأئمة والاستعمار، ليعود إلى مساره الصحيح.. وقد تجلَّى ذلك في انطلاق شرارة ثورة الـ(14) من أكتوبر 1963م من على قمم جبال ردفان الشماء ضد الاستعمار وأعوانه.. وهكذا توحد اليمانيون على مختلف جبهات القتال لمواجهة بقايا وأذيال جحافل التحالف النظام الإمامي والاستعمار بإرادة وطنية واحدة وقدموا أرواحهم رخيصة خلال سنوات حرب التحرير من أجل نيل الاستقلال الوطني المنجز في الـ30 من نوفمبر عام 1967م.. كما خرج شعبنا منتصراً بدحر قوى الظلام ومن معهم من المرتزقة عن عاصمة اليمن التاريخية صنعاء في ملحمة حصار السبعين يوماً والذي انتهى مطلع 1968م بترسيخ النظام الجمهوري الى الأبد . اليوم وفي غمرة أفراح شعبنا بأعياد الثورة اليمنية الخالدة (26 سبتمبر و14 أكتوبر) علينا أن نسترجع الروح النضالية العظيمة المفعمة بالشجاعة والإقدام والتضحية والاستشهاد في سبيل الوطن والثورة والجمهورية والوحدة.. مستلهمين من ذلك المعين الذي لاينضب والوهج الذي لا ينطفئ للثورة اليمنية، القوة والقدرة والعنفوان والإرادة الصلبة لتجاوز الصعوبات ومواجهة التحديات والتصدي للأخطار ومواصلة مسيرة الثورة الظافرة المنتصرة صوب المستقبل الأفضل.. منطلقين من الانجازات والتحولات الكبرى للثورة اليمنية وفي مقدمتها إعادة تحقيق الوحدة في الـ22من مايو عام1990 م لاستكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة على أساس النهج الديمقراطي التعددي.. إننا وفي هذه المناسبة الوطنية الغالية نقف أمام استحقاقات دستورية تعد من المكاسب الوطنية التي حُرم شعبنا منها إبان الحكم الإمامي والاستعمار.. واستردتها الثورة اليمنية لتحسم بذلك والى الأبد قاعدة «حكم الشعب نفسه بنفسه» عبر انتخابات ديمقراطية، يجسد فيها الشعب إرادته الحرة باختيار مَنْ يمثله في البرلمان ورئاسة الجمهورية وغيرها، وهي استحقاقات لا يمكن التفريط بها مطلقاً.. ومن يراهنون على ذلك واهمون ويلهثون وراء سراب.. إن الوطن ملكنا جميعاً وعلينا أن نعمل معاً على حل خلافاتنا وتبايناتنا عبر الحوار.. مفرّقين بعمق بين الممكن واللاممكن .. وأن ندرك أن مصلحة الوطن أكبر من أية مصالح وحسابات ضيقة حزبية أو شخصية.. وليكن الحوار خيارنا للحفاظ على انجازات ومكاسب الثورة والوحدة ومواصلة تنميتها نحو تحقيق نهضة وطنية شاملة لبلادنا وشعبنا .. ونجدها فرصة لنقول: على الذين في قلوبهم مرض أو أصحاب المشاريع الصغيرة، الاتعاظ من دروس وعِبَر الثورة اليمنية، فمؤامراتهم مآلها الفناء الحتمي.. ولامستقبل إلا لليمن الديمقراطي الموحد..
*نائب رئيس الجمهورية
النائب الأول لرئيس المؤتمر- الأمين العام