الأحد, 17-ديسمبر-2006
د.علوي عبدالله طاهر -
الفساد، وما أدراكم ما الفساد، إنه ينخر الاقتصاد ويشق لنفسه نفقاً في داخله، يصعب رؤيته بالعين المجردة، لأن له أساليب ذكية في التخفي، وهو في تخفيه يشبه تماماً النمل الأبيض أو ما يطلق عليه شعبياً (الأرضة) التي تنخر المباني المشيدة، وتهدم أساساتها وتخرب جدرانها،‮ ‬وتدمر‮ ‬سقوفها،‮ ‬فتراها‮ ‬تنهار‮ ‬فجأة،‮ ‬لأن‮ ‬هناك‮ ‬فساداً‮ ‬في‮ ‬بنيتها‮ ‬الداخلية‮ ‬لم‮ ‬يتنبه‮ ‬الساكنون‮ ‬لوجوده‮ ‬أو‮ ‬أنهم‮ ‬تساهلوا‮ ‬في‮ ‬مقاومته،‮ ‬رغم‮ ‬علمهم‮ ‬بوجود‮ ‬بعض‮ ‬مظاهره،‮ ‬ومعرفتهم‮ ‬بخطره‮.‬
وإذا كان فساد المباني قد أدى إلى انهيار الكثير منها، فإن فساد الاقتصاد سيؤدي لا محالة إلى خراب العباد والبلاد إن بقي يتغذى سراً من (سيسولوز) المال العام، الذي يعتبر لبَّ الاقتصاد الوطني، فهو مالم يتم اكتشافه والعمل على مقاومته فإنه سينمو ويزداد قوة ومناعة ويتسع‮ ‬انتشاره‮ ‬في‮ ‬عموم‮ ‬أجهزة‮ ‬الدولة‮ ‬ومؤسساتها،‮ ‬بحيث‮ ‬يصعب‮ ‬السيطرة‮ ‬عليه،‮ ‬أو‮ ‬يستحيل‮ ‬مقاومته‮ ‬بالإجراءات‮ ‬الإدارية‮ ‬التقليدية،‮ ‬بل‮ ‬يحتاج‮ ‬لعمليات‮ ‬جراحية‮ ‬صارمة‮ ‬تستأصل‮ ‬كل‮ ‬جذوره،‮ ‬لكي‮ ‬ُيقضى‮ ‬عليه‮ ‬نهائىاً‮..‬
والفساد بمفهومه العام هو سلوك سيئ يمارسه الموظف العام وينحرف به عن جادة الصواب، لتحقيق مكاسب مادية، أو لتلبية مطالب شخصية، أو استجابة لرغبة جامحة شريرة تحركها النفس الأمارة بالسوء، وتدفعها للاستغلال السيئ للوظيفة، أو تزيّن لها إساءة استعمال الوظيفة من أجل مصلحة‮ ‬شخصية‮.‬
ولاينمو‮ ‬الفساد‮ ‬إلاّ‮ ‬في‮ ‬بيئة‮ ‬ملائمة‮ ‬لنموه،‮ ‬ولا‮ ‬ينتشر‮ ‬في‮ ‬المجتمع‮ ‬إلاّ‮ ‬إذا‮ ‬وجد‮ ‬قبولاً‮ ‬بين‮ ‬أفراده‮ ‬أو‮ ‬تم‮ ‬التغاضي‮ ‬عن‮ ‬وجوده،‮ ‬والتساهل‮ ‬في‮ ‬مقاومته،‮ ‬وتجاهل‮ ‬عوامل‮ ‬انتشاره‮.‬
وإذا بحثنا في أبرز عوامل انتشار الفساد في بلادنا لوجدنا أن هناك جملة من العوامل الناجمة عن سوء الإدارة وما ينجم عنها من تجاوزات للقوانين النافذة، كاللجوء إلى الأعراف القبلية- أحياناً- لحل المشكلات بدلاً من اللجوء إلى القوانين، واللجوء إلى قوة النفوذ القبلي للحصول على الحقوق بدلاً من الاحتكام إلى الأنظمة المرعية، واللجوء إلى الرشوة لإنجاز المعاملات، واللجوء إلى الوساطات للوصول إلى الغايات وتحقيق المطالب، واللجوء إلى بيع الوظيفة العامة بدلاً من المفاضلة وتكافؤ الفرص.. ونحو ذلك من الممارسات والسلوكيات والطرائق‮ ‬غير‮ ‬المشروعة‮ ‬للحصول‮ ‬على‮ ‬المال‮ ‬الحرام‮.‬
وليس بخافٍ أن الفساد بمختلف أشكاله وألوانه قد عطل دوران حركة التنمية، وأخَّر عملية البناء، وبدد الموارد، وخرب الاقتصاد الوطني وأساء إلى البلاد والعباد، وهو ما يستوجب اتخاذ إجراءات جادة وعملية صارمة لمكافحته واستئصال جذوره وسد منابعه.
ولقد كانت القيادة السياسية ممثلة بالأخ علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية عند مستوى المسؤولية حين اعتبرت مسألة مكافحة الفساد ضمن أولويات اهتماماتها في المرحلة القادمة، وهو ما أكد عليه البرنامج الانتخابي لمرشح المؤتمر الشعبي العام لرئاسة الجمهورية، والذي حصل بموجبه على ثقة الشعب في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2006م، ولقد وعد الأخ الرئىس باتخاذ جملة من الإجراءات العملية لمكافحة الفساد المالي والإداري من خلال تطوير سياسات وآليات مكافحته، ومن ذلك تطبيق قانون الذمة المالية، والذي من شأنه عند تطبيقه أن يحول دون الإثراء غير المشروع من قبل كبار موظفي الدولة ومؤسساتها، وكذا العمل على إصدار قانون مكافحة الفساد، والعمل على إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد المالي والإداري، وأملنا كبير في أن يسهم هذا القانون والهيئة في الحيلولة دون انتشار الفساد، والحد من نطاق انتشاره‮.‬
والأهم من ذلك هو أن يفي الرئىس بوعده بتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة لحماية المال، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة الفاسدين بصرف النظر عن مواقعهم وقوة نفوذهم.. ونحن واثقون في جدية القيادة السياسية في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1763.htm