يحيى علي نوري -
مرور 48 عاماً على قيام الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر»، فترة ليست بالهينة شهدت اليمن خلالها تحديات كبيرة وأجيالاً جديدة، تكاد تكون مفتقدة تماماً للمعلومة الكاملة أو الصورة الكاملة لعظمة حدث الثورة.. فترة لا ريب تستدعي بل توجب على الجهات المعنية بالإعلام والتوجيه والارشاد- سواء أكانت رسمية أم مستقلة أم حزبية- ان تقوم بدور فاعل باتجاه غرس قيم ومُثل الثورة اليمنية في نفس ووجدان الأجيال الصاعدة.
نقول ذلك من منطلق أن مناطق الضعف والهوان التي شابت أنشطة هذه الاطارات الاتصالية الاعلامية والتوجيهية قد أحدث خللاً كبيراً بين أجيال صاعدة وبين الاهداف والمبادئ والقيم التي قامت على أساسها الثورة اليمنية.. خللاً يبعث على الانزعاج والتخوف الكامل من أن يؤدي الى تصدعات عدة تجعل حراك الاجيال وتطلعاتها يتم بعيداً عن أدبيات ومثل وقيم الثورة اليمنية.
وما دفعني الى هذه التناولة عن بانوراما الثورة اليمنية هو أحد الشباب الذي خضت معه حديثاً يكاد يكون طويلاً عن الثورة اليمنية وقد شدني كثيراً انزعاجه من الاساليب و الطرق التي يتم من خلالها الاحتفاء بأعياد الثورة اليمنية واصفاً ذلك بالاسلوب الشعاري الذي لا يليق بمكانة وعظمة الثورة اليمنية كحدث عظيم في تاريخ اليمن المعاصر.
هذا الوصف الجريئ لذلك الشاب للأساليب المتبعة جعلني أحرص كل الحرص على طرح المزيد من التساؤلات الهادفة الى التعرف عن كثب على الدوافع والحيثيات الحقيقية التي أجبرته على ذلك القول وثقة عالية جعلتني أيضاً أشعر بأني أمام جيل أنا أضعف ما يكون عن الاجابة عن التساؤلات الجريئة التي يطرحها بهدف الوقوف أمام مختلف أبعاد الصورة الكاملة لعظمة حدث الثورة اليمنية.
قلت له الطرق والأساليب الاحتفالية الراهنة بأعياد الثورة ما الذي تأخذه عليها هل لكونها لم تساعدك على الإقرار باعتبارها امتداداً طبيعياً للثورة اليمنية؟ قال لي وبثقة عالية وبكبرياء مفعم بالمعرفة: ان هذه الاساليب المتبعة لم تدرك بعد التحولات المهمة التي تشهدها الساحة اليمنية وخلال 48 عاماً منذ قيام الثورة.. وأضاف بأنها تعكس حالة واحدة وهي «الاستحمار» للأجيال الصاعدة، وهنا وجدت نفسي أصعق من استخدام هذا الشاب لمفردة «الاستحمار» في الوقت الذي أجد نفسي مدافعاً عن هذه الاساليب والطرق الاحتفالية بأعياد الثورة اليمنية بل والانتصار لها باعتبارها واحدة من الضمانات الحقيقية التي تكفل ايصال ثقافة الثورة من جيل الى جيل.
وعندما قلت لذلك الشاب: إن استخدامك لمفردة «الاستحمار» فيها جانب من الغباء السياسي أو الشعور بالتعالي والعظمة الفارغة تماماً من الحيثيات المنطقية.. أسرع في الرد عليَّ قائلاً: إنك تؤكد يا أبا رياض بأنك لا تعيش معطيات الواقع الراهن لليمن بل تعيش في ظل معطيات لم تعد صالحة بل إنها فاسدة وغير قادرة على التفاعل مع اليوم وطبيعة التحولات والمتغيرات التي يشهدها.
واردف قائلاً: يا أبا رياض كي نخرج من حالة الاتهام والاتهام المضاد بين جيلين عاشا تحولات ومتغيرات الثورة اليمنية يجب علينا ألاّ ننظر إلى الحدث اليمني الراهن بعيون يمنية خالصة.. واسترسل: قد تستغرب من قولي هذا وقد تتهمني بالخيانة العظمى لكوني طلبت هنا عدم التطرق الى الحدث ذات العلاقة بمسيرة الثورة اليمنية بعيون يمنية خالصة وقد تعتبر ان اشراك عيون أخرى غير يمنية جزء من الخيانة والتفريط بأهداف ومبادئ الثورة اليمنية..كلام لا ريب أحدث في نفسي ووجداني وقعاً غير عادي دفعني الى توجيه العديد من التساؤلات الى ذلك الشاب وفي صورة على عكس القاعدة المعروفة أن الجيل الجديد كان لابد له من أن يستفيد من الجيل الذي سبقه وبحيث أصبحت هذه القاعدة تقول: إن على الجيل السابق أن يستفيد من الجيل الذي يليه وهي قاعدة وجدت نفسي أنشد اليها يوماً بعد يوم خاصة وأن ما يدفعني الى انشدادات من هذا القبيل هو ان الظروف والمعطيات التي يعيشها جيل جديد لا يمكن ان تكون متفقة أو متناغمة مع معطيات وواقع الجيل الذي سبقه، وهذا يتطلب ايضاً الغوص في ثنايا تفكير كل جيل جديد بل والغوص في أحلامه وتطلعاته وأساليبه في بلوغ مستقبل أفضل في ظل راية الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر» التي لابد لها ان تستجيب لكل تطلعات وآمال أجيالها وبدرجة عالية من الموضوعية والمنطقية والانسانية وحتى تضمن لنفسها القدرة على الاستمرارية والبقاء والقدرة على التأثير الايجابي في نفس ووجدان كل جيل جديد يواصل نضاله في سبيل بلورة أهدافها ومبادئها باعتبار أهدافها هذه صالحة لكل زمان ومكان وقادرة على الاستجابة لمختلف الآمال التي تنشدها الاجيال والمعبرة عن حاجتها الماسة لها في ظل راية الثورة وديمومتها وإبداعها وألقها الكامل مع كل المعطيات والتحولات والتحديات التي تشهدها الساحة اليمنية بفعل متغيرات الحراك الحضاري العالمي ومتطلبات التطوير والتحديث الذي تنشده الساحة اليمنية في ظل مسيرة الثورة وقدرتها على ترجمة دماء شهدائها ومناضليها الى برامج وخطط فاعلة باتجاه تحقيق المزيد من التطوير والتحديث للحياة اليمنية وجعل الثورة هي المقياس الأول والاخير لرصد عظمة التحول اليمني باتجاه الانتصار لمتطلبات المستقبل على هدى أهدافها ومبادئها ودور أي تأثير آخر ومهما كان تأثيره في الحياة العالمية بل اليمنية.
وبما أن الكلام والآراء والتصورات التي يتحدث بها ذلك الشاب الذي أتى بعد جيلين من جيلي حملت في طياتها كلمات تشدني الى المزيد من التعرف على طبيعة الأفكار والتطلعات التي ينشدها هذا الجيل حيث بادرت من جهتي الى سؤاله عن الذي لا يعجبه في الطرق والأساليب الاحتفالية الراهنة والتي تتم في إطار الفعاليات الرسمية والشعبية بأعياد الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر» وقد فوجئت هنا أنه وقبل أن يجيب على تساؤلي قال لي: اعلم يا أبا رياض أن الأفكار والتطلعات التي كان ينشدها المناضل علي عبدالمغني أو المناضل لبوزة لم تكن حينها في الستينات في منتصف القرن الماضي تجد من يستوعبها من جيل الشباب يومها بل كان ينظر لها من قبل الغالبية العظمى أو السواد الأعظم لا تعدو كونها أحلاماً لا تختلف عن حكايات ألف ليلة وليلة أو حكايات عنتر ابن شداد أو عن حكايات الانتصارات للمظلومين التي قام بها أحمد بن علوان ضد الظالمين وغيرهم من كل من ساهموا في إفساد الحياة اليمنية وجميعها ينم على عكس عظمة الموروث الحضاري للشعب اليمني، وهو الموروث الذي مازالت أصداؤه تدوي حتى اليوم.
قلت لذلك الشاب مقاطعاً: وما هذه الأفكار التي تحملها وتعتقد بأنها تتجاوز جيلاً وهل أنت من الغرور ما يدفعك الى قول كهذا لا يتفق مع أي شيء سوى تجاوز الجيل الذي سبقك والادعاء بأنك الوصي الذي تمتلك الحقيقة.. أجابني قائلاً: نعم أنا ابن هذا الجيل الذي أزعم لك ولغيرك من أبناء جيلك بأننا جيل يملك الحقيقة بكل أبعادها ومدلولاتها، وبأنكم الجيل الذين مازلتم تنظرون للواقع اليمني وفق قراءاتكم لمعطيات وطنكم إبان شبابكم وحيويتكم التي تترهل اليوم من عام لآخر بل وتنزوي بعيداً عن عظمة التحولات التي تشهدها الساحة اليمنية.
هنا شعرت بأنني أدخل معمعة طويلة من الجدال الذي لا نهاية له وشعرت بكل صراحة متناهية بضعف وسائلي، الأمر الذي وجدت نفسي مجبراً على أن أبدي المزيد من التنازلات أمام أطروحات الجيل الذي سبقني وان أسارع الى وضع تساؤل عن البدائل التي يراها هذا الجيل مناسبة للاحتفاء بأعياد الثورة اليمنية وهي القضية الأساسية لموضوعي هذا والذي بسببها دار هذا الجدال مع ذلك الشاب الذي حرصت على ألاّ يكون جدالاً عقيماً بل جدالاً يضفي الى نتائج مثمرة تصب جميعها في خير ديمومة الثورة وقدرتها على الاستمرارية والتألق والإبداع الحضاري.
فكان عليّ أن أكرر سؤالي له: الاسراع في تقديم مقترحاته عن طبيعة الاحتفائيات بأعياد الثورة.. فقال: إن ما سوف أطرحه لك من آراء وتصورات لا تعني بأنها الحقيقة الكاملة بل إنها مشروعات قابلة للمناقشة وهي موضوعات بحاجة الى إشباعها بالمزيد من الآراء والتصورات حتى تكون قابلة للتنفيذ ومستجيبة لمعطيات الجيل الجديد بل والجيل الذي سوف يلينا حتى تقوم الساعة.. قلت له: قل ما تريده بسرعة لا تقل عن سرعة المتغيرات التي تشهدها الساحة اليمنية في ظل مسيرة الثورة وعنفوانها قال: أبديك يا أبا رياض أني وغيري من الشباب الصاعد نبدى ارتياحنا مثلاً للطريقة التي يتم الاحتفاء بها عشية كل ذكرى للثورة اليمنية والمتمثلة في ايقاد شعلة الثورة حيث يتم الاحتفاء بهذه المناسبة بطريقة تقليدية بحتة تحمل في طياتها كل ما يبعث على الرتابة ويؤكد عدم القدرة على الخلق والإبداع.. بمعنى أدق أن القائمين على عملية الإعداد والتهيئة لهذه المناسبات قد أضحوا أسرى الاساليب التقليدية العقيمة التي أصبحت تفتقد تماماً لروح العصر وللقدرة على التأثير على الأجيال الصاعدة ولو بدرجة بسيطة.
قلت: وما الذي تراه من أسلوب جديد لفعاليات كهذه قال: إن شعلة الثورة يجب أن لا تتم فعالياتها بالصورة التقليدية في ميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء ويواصل ذلك الشاب حديثه بثقة تامة قائلاً: إننا نريد أساليب جديدة تبعث على جيلنا روح الحيوية والتفاعل الايجابي وبالصورة التي تجعل من سلوكنا ثورياً يستوعب معظم التراب الوطني لليمن الديمقراطي الموحد، بحيث يتم البدء في إشعال الشعلة في ميدان التحرير بالعاصمة ويحملها من بعد ذلك عدد من الشباب على طول المسافة من صنعاء إلى عدن.. وقال متسائلاً: أليس في أسلوب كهذا ما يجسد واحدية الثورة؟.
قلت: وماذا بعد؟
قال: إن الفعاليات الاعلامية المكرسة للثورة مازالت بعيدة عن روح أعياد الثورة وعظمتها وبعيدة عن الذين اسهموا في اندلاعها وبعيدة عن الذكريات للعديد من القيادات التي ناضلت من أجل إنجاحها ومعبرة أيضاً عن حكايات وذكريات الجندي المجهول وبعيدة أيضاً عن بانوراما الثورة اليمنية الحقيقية التي تكشف عظمة التحديات التي واجهتها الثورة اليمنية على الاصعدة العالمية والعربية والاقليمية وكذا التحديات الكبيرة التي واجهتها الثورة على صعيد الواقع اليمني ومدى تأثيرات حكم الأئمة والاستعمار على الشعب اليمني الذي جعله غير مدرك وبالذات السواد منه لعظمة الثورة واهدافها التي تحاول ربط حاضره بماضيه التاريخي العظيم، وبأساليب إبداعية تمتلك كثيراً من أدوات التشويق والجذب.
وأضاف ذلك الشاب: إننا مازلنا بحاجة الى رؤية علمية لطبيعة المنهج المدرسي الذي يقدم الصورة الكاملة عن الثورة اليمنية وعن طبيعة دور المؤسسات الثقافية والاعلامية والتوجيهية وأهمية دورها في ترسيخ قيم ومثل الثورة بعيداً عن الأساليب الشعاراتية التي لا تزيد الشباب الا حالة نفور عن الثورة ومبادئها وتتيح المجال للأفكار المعادية لأهدافها ومبادئها في استغلال واضح لضعف آليات التوعية والارشاد لمؤسسات الثورة وفعاليات المجتمع المختلفة المنتصرة لها.
وخلاصة ان حديثاً من هذا القبيل قد حرصت على الإحاطة به من جميع جوانبه قدر الإمكان على أن أتمكن هنا من تقديم أقوى الرسائل المهمة للجيل الصاعد والموجهة الى قيادات المؤسسات الاعلامية الجماهيرية والاجتماعية والدينية المعنية بترسيخ مُثل وقيم الثورة اليمنية علها تستفيد من اطروحات الجيل الجديد حول طبيعة احتياجاته من أساليب المعرفة بأهداف الثورة اليمنية وبأساليب وطرق التعاطي معها في كل زمن بما يتفق مع المتغيرات والتحديات.. إنها رسالة مهمة نجد أن مرور 48 عاماً من عمر الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر» لأن نقنع هذه المؤسسات وقياداتها على ضرورة البحث المسؤول عن أساليب وطرق جديدة لإيصال روح الثورة وزخمها الى الاجيال الصاعدة.
رسائل تحمل في مدلولاتها وطياتها تحذيرات واقعية من مغبة الاستمرار في التعاطي لهذه المؤسسات التوعوية والارشادية بالطرق والاساليب التقليدية العقيمة.. وهي طرق وأساليب لن تعطي سوى المزيد من تعكير الأجواء في مسيرة الثورة وجيل مسيرتها تمنى بالمزيد من التواري والانزواء عن أجواء التيار الحضاري وهو التيار الذي استهدفته الثورة وثبتت عليه أهدافها ومبادئها.
كما نؤكد هنا على أهمية الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في طرق الاحتفاء بأيامها الوطنية المفعمة بضمانات ربط أجيالها جيلاً بعد جيل بالاهداف العظيمة التي تنشدها على صعد الحضارة الانسانية التي مازالت تحتل ميداناً زاخراً بالتنافس بين الشعوب حتى يرث الله الارض ومن عليها.
نسأل الله أن نكون من هذه الشعوب التواقة الى المزيد من آفاق المستقبل والمستندة في انطلاقاتها الى رصيد شعوبها الضخم من التضحيات والنضالات ..من أجل بلوغها المستقبل الافضل، وهذا المستقبل الذي وعد به شعبنا فخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام في إطار برنامجه الانتخابي في إطار رؤية شاملة للحاضر والمستقبل تراعي المتغيرات والتحولات المتسارعة على صعيد مواكبة الثورة اليمنية وتتطلب من الجهات المعنية ومختلف الفعاليات السير باتجاه المستقبل برؤية ثاقبة تؤكد الايمان المطلق بالخيار الحضاري والإنساني والوطني.