الخميس, 21-أكتوبر-2010
الميثاق نت - احمد الحبيشي احمد الحبيشي -
لحظة حرية:إرهاب بلا حدود

احمد الحبيشي
تخوض بلادنا هذه الأيام حرباً مفتوحة وباهضة التكاليف مع قوى متطرفة وجماعات إرهابية مسلحة تستهدف تحويل اليمن الى إمارة اسلامية على غرار (إمارة طالبان) التي أقامها في أفغانستان (طلاب الشريعة) الذين درسوا في مدارس التعليم الديني المنتشرة في مدينة بيشاور الباكستانية والمناطق الجنوبية في أفغانستان . وكانت بلادنا قد شهدت خلال السنوات الأخيرة عدداً من الأعمال الإرهابية التي بدأت بمهاجمة بعض الفنادق في مدينة عدن عام 1991م، مروراً بحادث اختطاف وقتل السياح في محافظة ابين عام 1998م، وحادث تفجير المدمرة الأميركية «كول» في ميناء عدن اواخرعام 2000م، وحادث تفجير ناقلة النفط الفرنسية العملاقة "ليمبرج" في ميناء الضبة بالمكلاّ بالتزامن مع إطلاق قذيفة صاروخية على طائرة تابعة لشركة "هنت" الأميركية للنفط اواخر عام 2002م، وصولاً الى ارتكاب عشرات الجرائم الارهابية خلال الفترة 2003- 2010م شملت خطف وقتل السياح والاعتداء على بعض السفارات الأجنبية وممثلي البعثات الدبلوماسية في اليمن، وتخريب بعض أنابيب النفط والاعتداء على المنشآت العامة والسياحية والمقرات الأمنية، وتفجير السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والقنابل الموقوتة بقصد اغتيال بعض القيادات الأمنية والديبلوماسيين وزعزعة الأمن والاستقرار.
ولا ريب في ان هذه العمليات الإرهابية اثبتت حقيقة مهمة لا يجوز تجاهلها، وهي ان خلايا "القاعدة" الناشطة في اليمن هي جزء من منظومة قتالية إرهابية متعددة الجنسيات وعابرة الحدود تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً، ما يؤدي الى إختراق سيادتنا الوطنية وتجاوز قوانيننا النافذة، وتهديد أمن واستقرار مجتمعنا، والحاق الضرر بعلاقات اليمن بالدول الأخرى، وبمصالحنا الإقتصادية الحيوية وفي مقدمتها القطاعات التي تضررت بشكل مباشر من الإرهاب مثل الموانئ والملاحة البحرية والنفط ووالسياحة والشحن والإستيراد والتصدير.
بلغت الخسائر التي اصابت اقتصادنا الوطني من جراء الجرائم الارهابية التي استهدفت الموانئ اليمنية نحو تسعة ملايين دولار اميركي يومياً، بالإضافة الى تلوُّث البيئة البحرية، وتدهور معيشة الآلاف من العاملين في قطاع الصيد، وارتفاع اسعار اللحوم والأسماك والمواد الغذائية بتأثير تراجع الإنتاج السمكي وارتفاع رسوم التأمين على البواخر المتجهة الى الموانئ اليمنية بواقع 250٪، ناهيك عن الأضرار التي لحقت بسمعة بلادنا ومواطنينا في الخارج.
لا يوجد منطق للذين يتباكون على السيادة بذريعة تعاون الحكومة اليمنية مع بعض الدول الشقيقة والصديقة (كالسعودية والولايات المتحدة الأميركية) لمحاصرة وملاحقة ارهابيين مطلوبين للعدالة، سبق لهم ان رفضوا تسليم انفسهم للسلطات رغم تقديم الرئيس علي عبدالله صالح ضمانات رسمية وشخصية لوجهاء وأعيان المناطق التي ينتمون اليها في العديد من لقاءاته بهم على امتداد السنوات الماضية، حيث تعهد الرئيس بأن يتم التحقيق معهم وفق الدستور والقوانين النافذة، وإطلاق سراح من تثبت براءتهم وإحالة المتورطين بأعمال خارجة عن القانون الى القضاء، والإلتزام بعدم تسليمهم لأية دولة اجنبية عملاً بأحكام الدستور اليمني الذي يمنع ذلك منعاً مطلقاً.
ما من شك في ان اليمن شريك عربي ودولي في مكافحة الإرهاب، ولا تتحقق هذه الشراكة بمقتضى التضامن مع الدول والشعوب التي يستهدفها الإرهاب فقط، بل ايضاً لأن بلادنا تعد واحدة من ضحايا الإرهاب، وسبق لها ان اكتوت بناره، الأمر الذي يجعل من مكافحة الإرهاب في اليمن مهمة وطنية بالدرجة الأولى.
وبقدر ما تكتسب مشاركة اليمن شرعية عربية بحكم التزام بلادنا بتنفيذ الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقّع عليها وزراء الداخلية العرب بالإجماع عام 1998م، والإتفاقيات الأمنية الثنائية مع العديد من البلدان العربية الشقيقة، بقدر ما تكتسب ايضاً شرعية دولية بحكم التزام اليمن بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن الالتزام بمبادئ الردع الجماعي للأعمال التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ومكافحة الإرهاب وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ آمن وتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله، بالاضافة الى ضرورة تقنين الجرائم الإرهابية بموجب القانون الدولي الذي لايعترف به تنظيم (القاعدة) الارهابي، بدعم مكشوف من بعض رجال الدين، بذريعة أنه قانون وضعي مخالف للشريعة الاسلامية بحسب فهمهم الدوجمائي الضيق.
من نافل القول ان مشاركة اليمن في الحرب على الإرهاب تتم بغطاء الشرعية العربية والدولية، الى جانب شرعية المصالح الوطنية العليا، وإذ يتجاهل الخطاب السياسي والاعلامي لبعض االأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة هذه الحقيقة، فإنه يقدم دليلاً اكيداً على افلاسها السياسي حين ترفض بغباء لا تحسد عليه إدانة الإرهاب، وتندد بمشاركة بلادنا في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما يعد هذا التجاهل دليلاً إضافياً على جهل هذه الأحزاب في قراءة واقع الحراك السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، وهو جهل ناتج عن مأزق بعض القوى السياسية التي أصيبت بالشيخوخة والتحجر الفكري والتبلد الذهني وعدم القدرة على تحديث برامجها وتجديد معارفها وإعادة بناء فكرها السياسي ، والعجز عن تأهيل نفسها للإنخراط الفاعل في العملية الديمقراطية.
هكذا يبدو الإرهاب خطرا متعدد الأبعاد وتبدو مكافحته ضرورة متعددة الأبعاد ايضاً.. ولما كان الإرهاب الذي يمارسه تنظيم "القاعدة" ينطلق من مرجعية فكرية ملتبسة بالدين، فاننا امام خطر ينطلق من ثقافة معادية للديمقراطية والتعددية والتنوع والتسامح، فيما يستخدم العنف للتحريض على إثارة الحروب والصدامات بين الأديان والطوائف والمذاهب والحضارات والمجتمعات، والإعتداء على اية مصالح او رموز مفترضة لأهل «الكفروالشرك والبدع والموالين لهم»، وصولاً الى محاولات القضاء على «مخالفات الأمم الجاهلية وإقامة الحاكمية وتدعيم الفضيلة ومحاربة المنكرات» بحسب الخطاب السياسي والديني للجماعات الارهابية ومن يواليها أو يتماهى معها من رجال الدين التقليديين.
ولأن كان هذا التحدي الإرهابي يهدد السيادة الوطنية واقتصاد البلاد ومصالح المجتمع، فإن من شأن التهاون معه وتجاهل الأبعاد الخطيرة لمرجعيته الفكرية ووسائله العملية واهدافه السياسية والآيديولوجية، ان يدمّر السلام الإجتماعي والوحدة الوطنية، ويمهد الطريق لقلب نظام الحكم والقضاء على الديمقراطية التعددية، وفرض حكم شمولي استبدادي متخلف على غرار العديد من نماذج الدولة الدينية التي أبتلي بها العالم العربي والاسلامي في التاريخ القديم والحديث، وعليه يخطئ من يعتقد بأنه سيكون بمأمن من خطر الإرهاب الذي سيحرق الأخضر واليابس في حال تمكنه من الحصول على ملاذ آمن في بلادنا، الأمر الذي يتطلب اصطفافاً وطنياً عريضاً ضد الإرهاب، تشارك فيه كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والفاعليات الفكرية والدينية والإقتصادية والثقافية بشكل منسق ومتكامل.
ينطلق مخططو وممولو ومنفذو العمليات الإرهابية من أفكار متطرفة ومنغلقة يحاول اصحابها إضفاء وتلفيق قداسة دينية زائفة عليها بهدف الحصول على نوع من الشرعية واليقين.. وتعود جذور بعض هذه الأفكار المتطرفة الى تأويلات فقهية متشددة لمفاهيم سياسية سلفية تتعلق بالحاكمية والجهاد والعلاقة بين دار الإسلام ودار الحرب، وهي تأويلات موروثة عن عهود مظلمة سادها الإنقطاع الحضاري والإنغلاق والتشدد، وغابت عنها شمس الحضارة وهيمنت عليها القساوة والبداوة!!.
ثمة جانب آخر من هذه الأفكار نشأ على تربة آيديولوجيا الجهاد الأفغاني التي جسدت مصالح سياسية لإرادات دولية وإقليمية مختلفة في ذروة الحرب الباردة بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان اواخر السبعينات، وكانت هذه الآيديولوجيا الجهادية قد ولدت منذ البدء مشوّهةً إذ كانت مصالح القوى المتحالفة في الحرب ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان تقتضي إحياء الأفكار السلفية الأكثر تشدداً وتزمتاً وإنغلاقاً، وفي مقدمتها تلك التي تتعلق بالتكفير والتفسيق والتبديع، بهدف توظيفها واستخدامها للتعبئة والحشد وإثارة مشاعر الكراهية الدينية ضد االشيوعية وحلفاء الإتحاد السوفييني في العالم العربي والإسلامي.
وزاد من تشوُّه هذه الآيديولوجيا ان التخلف الشديد للبيئة القبلية الأفغانية والباكستانية ساعد على إختلاط وتزاوج المفاهيم السلفية الموروثة عن الفقه البدوي المتشدد في عصور التراجع الحضاري والإنغلاق، بالأفكار التكفيرية الجهادية للجماعات الإسلامية الراديكالية التي استخدمت العنف والإرهاب لمحاربة الحكومات العربية والإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، بذريعة انها تمثل طوائف ممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وما انطوت عليه تلك الأفكار التكفيرية من إباحة «محاربة اهل الشرك والبدع، وقتل المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ الذين تتمترس بهم الأجهزة المدنية والعسكرية للنظم التي تمتنع عن تطبيق الشريعة».
وبعد إنتهاء الحرب في افغانستان وإنسحاب الجيش السوفييتي أنتجت آيديولوجيا «الجهاد» المشوّهة حروباً اهلية دامية بين الجماعات والفصائل الجهادية الأفغانية، وممارسات إجرامية الحقت ضرراً جسيماً بكرامة الإنسان المسلم في افغانستان، وشوّهت صورة الدين الإسلامي تحت يافطة تطبيق الشريعة الإسلامية، فيما واصلت الجماعات الجهادية التكفيرية ذات المنشأ العربي والآسيوي حروباً جهادية عابرة الحدود والقارات ضد الحكومات والمجتمعات العربية والإسلامية بدعوى امتناعها عن تطبيق الشريعة، وضد العالم بأسره بدعوى الجهاد المقدس ضد فسطاط الكفر!!.
على هذا الطريق توّحدت هذه الجماعات في اطار (الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى)، وانشأت جهازاً خاصاً مقاتلاً بإسم "القاعدة" لتحقيق اهداف الجبهة التي تتمثل في ((إقامة الحاكمية ومحاربة انحرافات الأمم الجاهلية مثل الأحزاب والنقابات والجمعيات النسائية والمصارف والموسيقى والتصوير والسينما والسفور والديمقراطية والإنتخابات)) بذريعة انها ((مخالفة لإجماع السلف والخلف))، بحسب ما جاء في البيان التأسيسي الذي اصدرته هذه الجبهة في فبراير 1998م، وكذلك ما تضمنته الكتب التثقيفية التي يتربى عليها مقاتلو تنظيم "القاعدة" وطلاب المدارس والمراكز السلفية، بالاضافة الى ما احتوت عليه الوصية الأخيرة التي كتبها قائد هذا التنظيم أسامة بن لادن، بخط يده، ومهرها بتوقيعه في نوفمبر 2001م.
من نافل القول أن العمليات الإرهابية لعناصر "القاعدة" تنطلق من منظومة فكرية تحث على الجهاد المقدس، وتهدي "المجاهدين" وعداً بالشهادة والجنة والفوز بالزواج الأبدي من البنات الحور، ولذلك فانها توجب استخدام العنف لتحقيق هذه الغاية، وتبرر قتل المدنيين بزعم ان الأبرياء منهم سيبعثون على نياتهم يوم القيامة!!.
لا تقيم هذه الجماعات وزناً للحياة كقيمة انسانية وهبها الله للناس، ولا تضع حدوداً لساحات معاركها الجهادية، ولا تعرف سقوفاً للأهداف التي تسعى الى تحقيقها، بدعوى (ان الدين لا يجيز ان يبقى شبر على وجه الأرض لا يحكمه الإسلام، ولا يجيز في الوقت نفسه ان يبقى انسان بين البشر لا يدين بالإسلام، فالله لم يرسل نبيه (عليه الصلاة والسلام) ليدعو ويبقى في مكانه، بل قال له ولأتباعه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فالصراع مستمر على هذا الأساس، والمعركة قائمة لهذا الغرض)، بحسب ما جاء في كتاب "الحصاد المر" لأيمن الظواهري، الرجل الثاني في قيادة الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى!!.
امّا اخطر ما تتضمنه هذه التربية الفكرية التي يدرسها طلاب المدارس والمراكز السلفية غير القانونية في اليمن تحت مسمى "العلوم الشرعية"، وتمتلئ بها كتب وأدبيات الجماعات الارهابية، فهي الدعوة الى (تدمير وإحراق كنائس النصارى واليهود ومعابد المشركين واضرحة المبتدعين، وعدم موالاة الأفكار العلمانية مثل الديمقراطية وحرية الصحافة وانشاء الأحزاب، لأن ذلك يعني افساح المجال للمبتدعة المخالفين من اهل الفرق الضالة مثل الشيعة والمعتزلة والصوفية والأباضية واهل الرأي الذين خالفوا اهل الحديث وخرجوا عن اجماع السلف.. فليس لهؤلاء عصمة في الدم والمال، ولا تقبل شهادتهم ولا يُصلّى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يُناكَحون ولا يُعطى لهم الحق في الرأي.. فالمجاهدون مأمورون بعداوة هؤلاء المبتدعين والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاز الى جهتهم بالقتل فما دونه)!!.
في هذا السياق لا يضع مدبرو وممولو ومرتكبو هذه العمليات الإرهابية أي إعتبار لما ينجم عنها من ضحايا بشرية وكوارث بيئية وخسائر اقتصادية وتداعيات سياسية وامنية تلحق الضرر الفادح بالمجتمعات والدول والعلاقات الدولية والسلام العالمي، ومما له دلالة عميقة ان الخلايا الإرهابية التي تسللت الى بلادنا تضم ناشطين عرب اجانب من جنسيات متعددة دخلوا البلاد او يقيمون فيها بطريقة غير قانونية، ويدين هؤلاء الناشطون بالولاء لبعض رجال الدين المتزمتين من جنسيات متعددة في الخارج، ترسم لهم الخطط وترسل اليهم الأموال والأوامر لإنتهاك سيادتنا الوطنية و تنفيذ جرائم ارهابية في بلادنا.. والحال ان ما يقوم به هؤلاء الإرهابيون يعتبر انتهاكاً سافراً لسيادة الدولة على اراضيها ومياهها، ما يستدعي التصدي له بحزم دفاعاً عن السيادة والمصالح الوطنية العليا.
ولا نبالغ حين نقول بأن ما يتضمنه الخطاب السياسي والاعلامي والديني لبعض القوى السياسية ورجال الدين الحزبيين والصحف المعارضة من خداع وتضليل بهدف تحسين صورة مرتكبي الجرائم الارهابية أمام الرأي العام، لا يعدو ان يكون محاولة مفضوحة للتذاكي والهروب من الوفاء بالواجب الوطني والديمقراطي والأخلاقي الذي يحتّم على الجميع إدانة العنف والإرهاب، إذ تصر هذه القوى السياسية والشخصيات الدينية على التعاطي مع خطاب سياسي وإعلامي وديني يتماهى مع الإرهاب، وإظهار مرتكبي الجرائم الإرهابية في صورة الأبطال والشهداء والضحايا المعتدى عليهم، بالإضافة الى محاولة تحريض المجتمع ضد الدولة والحزب الحاكم بدعاوى الدفاع الزائف عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، بينما يتجاهل هذا الخطاب علاقة الإرهاب العضوية بالأفكار المتطرفة، ويمتنع عن نقد الأسس الفكرية لهذه الجماعات الإرهابية التي تعادي الديمقراطية وتمتهن حقوق المرأة، وتصادر الحريات وتعتدي على حقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق المقدس في الحياة، ناهيك عن إصرارها على الدعوة الى ((تحريم الديمقراطية والانتخابات، والغاء الأحزاب والنقابات وحرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير)) بزعم انها من انحرافات الأمم الجاهلية التي تخالف اجماع السلف والخلف.
لم يعد للإرهاب حدود جغرافية ثابتة منذ ان اصبح خطراً -بإمتياز- يهدد كافة دول العالم، ويتربص بالحضارة الحديثة والإقتصاد العالمي، وتزداد خطورة الإرهاب العابر للحدود والقارات في الظروف الراهنة، بسبب انطلاقه من مرجعية فكرية متطرفة تؤمن بتقسيم العالم المعاصر الى دار للإسلام وآخر للكفر، ما يفسر تباهي اسامة بن لادن وايمن الظواهري- حين دشنا معاً بداية (المعركة الفاصلة بين فسطاط الإسلام وفسطاط الكفر) في احاديثهما المتلفزة- بدعوتهما كافة المسلمين في جميع انحاء العالم الى "الجهاد الديني المقدس" ضد فسطاط الكفر، والقضاء على "انحرافات الأمم الجاهلية" والمقصود بها قيم الحضارة الحديثة.
بمقتضى هذه المرجعية الفكرية التي ترتدي طابع اليقين الإيماني يوزع قادة ومنظرو تنظيم "القاعدة" على طريقة الإكليروس وعوداً لمرتكبي الجرائم الإرهابية بالجنة وحياة النعيم الأبدي والفوز بالبنات الحور، ويسرفون في مخاطبة لا وعي المغرر بهم من خلال الترويج للخرافات التي تزعم بأن ملكوت الله يساندهم في جهادهم، ويؤازرهم بخوارق وكرامات الملائكة التي تقاتل الى جانبهم ضد اعدء الله المفترضين!!.
والثابت أن الخطاب الخرافي الجهادي ارتبط بظروف حشد المتطوعين من العالم العربي والإسلامي لمحاربة القوات السوفييتية في افغانستان، وبهذا الصدد نشر الأكاديمي الباكستاني المعروف، البروفيسور احمد رشيد مؤلف كتاب «TALBAN» الذي طبع بعدة لغات وبيعت منه ثلاثة ملايين نسخة، وثيقة صادرة عن المخابرات المركزية الاميريكية (CIA) عام 1998 برّرت فيها لجوءها الى التوسٌٌُُُُّل بالخرافات المعادية للعقل، بهدف تحفيز اكبرعدد ممكن من المتطوعين العرب والمسلمين للقتال تحت راية الجهاد ضد الإتحاد السوفييتي في افغانستان، وتحويل وجهة الشباب العربي الى جهة بعيدة خارج الشرق الأوسط الذي كان يشهد موجات من المتطوعين العرب للقتال الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية ضد القوات الإسرائيلية في شمال اسرائيل وجنوب لبنان، وفيما بعد ضد الغزو الإسرائيلي للبقاع وبيروت، والإنزال الإميركي لقوات المارينز في ميناء "جونية" شرق بيروت اوائل الثمانينات، حيث تزامنت هذه الأحداث مع بداية الحرب الأولى التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في افغانستان، بدماء واموال عربية واسلامية ضد الإتحاد السوفييتي الذي كان حليفاً رئيسياً للثورة الفلسطينية والقضايا العربية آنذاك!!.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-17956.htm