الأحد, 24-ديسمبر-2006
د. علوي عبدالله طاهر -
أنزل الله دينه العظيم ليكون تزكية للحياة ونوراً للأحياء، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، ولقد بنى الله دينه على خمسة أركان يتم بها البنيان، وبدايتها شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، وختام هذه الأركان حج بيت الله الحرام.
ومن‮ ‬هذه‮ ‬الأركان‮ ‬ما‮ ‬نقوم‮ ‬به‮ ‬كل‮ ‬يوم‮ ‬عدة‮ ‬مرات،‮ ‬ونعود‮ ‬إليه‮ ‬كلما‮ ‬مرت‮ ‬علينا‮ ‬من‮ ‬الحياة‮ ‬ساعات،‮ ‬وهي‮ ‬فرائض‮ ‬الصلوات‮ ‬التي‮ ‬نؤديها‮ ‬يومياً‮ ‬خمس‮ ‬مرات‮..‬
والقرآن الكريم يقول: »إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً« (النساء، 103) فالصلاة فريضة يومية متكررة كلما مر علينا بضع ساعات هرعنا إلى محراب الصلاة، لنستغرق في المناجاة، وفي الحديث مع الخالق جل وعلا.
ومن هذه الأركان ركن نستطيع أن نسميه الفريضة الموسمية التي تتكرر في مواسم محددة من كل عام، وهي الزكاة بمختلف أنواعها، فزكاة الزروع تؤدى كلما حل موسم الحصاد، والقرآن الكريم يقول: »وآتوا حقه يوم حصاده« (الأنعام، 141) فإذا مر العام أو كما يقول الفقهاء حال الحول،‮ ‬وجب‮ ‬إخراج‮ ‬زكاة‮ ‬المال‮ ‬المدخر،‮ ‬إذا‮ ‬بلغ‮ ‬النصاب‮ ‬المطلوب،‮ ‬والقرآن‮ ‬الكريم‮ ‬يقول‮: »‬قد‮ ‬أفلح‮ ‬من‮ ‬تزكى‮« (‬الأعلى،‮ ‬14‮).‬
ومن هذه الأركان ما نؤديه في شهر واحد معين من كل عام، وذلكم الركن هو الصوم، الذي فيه يقول القرآن الكريم: »يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات« (البقرة، 183).
ومن هذه الأركان أخيراً فريضة تؤدى مرة واحدة في العمر كله، مهما طال وامتد، وهي فريضة الحج، الذي يقول فيه القرآن الكريم: »ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً« (آل عمران، 97).. ولأن الحج يؤدى كفريضة مرة واحدة في العمر كله، جعله الله خاتمة لقواعد الإسلام الخمسة، ففرضه على الناس، وشرعه بعد أن شرع الفرائض الأخرى، ولأمرٍ ما، ولحكمة يعلمها الله تعالى حج الرسول صلى الله عليه وسلم حجته الواحدة (حجة الوداع) في العام التاسع من الهجرة، وقبل وفاته بقليل.
واشترط الإسلام في وجوب الحج الاستطاعة، وفي القرآن الكريم: »من استطاع إليه سبيلاً« (آل عمران، 97) وهذه الاستطاعة فيما يفهم المتدبر المتبصر تتسع وتنفسح حتى تشمل الاستطاعة الصحية والاستطاعة المالية، والاستطاعة الذهنية، بحيث يفهم من يقوم بالحج كيف يحج ولماذا يحج،‮ ‬وبحيث‮ ‬يعقل‮ ‬ما‮ ‬يؤدي‮ ‬في‮ ‬مناسك‮ ‬الحج،‮ ‬لأن‮ ‬بعض‮ ‬الناس‮ ‬يؤدون‮ ‬هذه‮ ‬المناسك‮ ‬أداءً‮ ‬صورياً‮ ‬تقليدياً‮ ‬لايعقلون‮ ‬منه‮ ‬قليلاً‮ ‬ولا‮ ‬كثيراً،‮ ‬ومثل‮ ‬هؤلاء‮ ‬يحتاجون‮ ‬إلى‮ ‬تفقه‮ ‬في‮ ‬الدين‮.‬
ولعل السر في اشتراط القرآن شرط الاستطاعة في أداء فريضة الحج هو أنه يريد أداءها من صاحبها بإتقان وإحسان، لأنها تؤدى مرة واحدة في العمر كله، ولأنها ستكون تاجاً لبقية الفرائض التي سبقت وتمام الاحسان في العبادة.
والعجيب أن أركان الإسلام هذه مرتبة في الحديث الشريف ترتيباً يتناسب مع مقدار الزمن الذي يتكرر فيه كل ركن، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: »بني الإسلام على خمس: شهادة ألاَّ إله إلاَّ الله، وان محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت‮ ‬لمن‮ ‬استطاع‮ ‬إليه‮ ‬سبيلاً‮« ‬ونلاحظ‮ ‬ان‮ ‬هذه‮ ‬الأركان‮ ‬جميعها‮ ‬تصاحب‮ ‬الإنسان‮ ‬على‮ ‬امتداد‮ ‬حياته،‮ ‬بل‮ ‬تصاحبه‮ ‬الدهر‮ ‬كله‮.‬
فشهادة‮ ‬التوحيد‮ ‬تأتي‮ ‬أولاً‮ ‬لأنها‮ ‬تصاحب‮ ‬الإنسان‮ ‬دائماً‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬حياته،‮ ‬فمع‮ ‬كل‮ ‬نفس‮ ‬داخل‮ ‬أو‮ ‬خارج‮ ‬يتذكر‮ ‬الإنسان‮ ‬أن‮ ‬ربه‮ ‬هو‮ »‬الله‮ ‬لا‮ ‬إله‮ ‬إلاَّ‮ ‬هو‮ ‬الحي‮ ‬القيوم‮ ‬لا‮ ‬تأخذه‮ ‬سنة‮ ‬ولا‮ ‬نوم‮« (‬البقرة،‮ ‬55‮)..‬
ثم تأتي الفريضة الثانية وهي الفريضة اليومية التي تصاحب الإنسان كل يوم مرات، ثم تأتي الزكاة وهي تتكرر في كل موسم من مواسم الحصاد أو عند تمام العام، ثم يأتي الصوم وهي فريضة سنوية لاتكون إلاَّ في شهر واحد في السنة وهو رمضان، ثم تُختم الأركان بفريضة الحج الذي لايُفرض‮ ‬إلاَّ‮ ‬مرة‮ ‬واحدة‮ ‬في‮ ‬العمر‮ ‬كله‮.‬
ولما كان الحج هو آخر فرض من حيث الترتيب التصاعدي فهو لذلك الفريضة الدينية الكبرى التي تجمع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، حيث يلتقي الأبيض والأسود، والقريب والبعيد، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم، متجردين جميعهم من زينة الدنيا، منصرفين عن شهواتها وشواغلها،‮ ‬مستجيبين‮ ‬لربهم،‮ ‬ملبين‮ ‬دعوته،‮ ‬مرددين‮ ‬نشيد‮ ‬الاستجابة‮ »‬لبيك‮ ‬اللهم‮ ‬لبيك،‮ ‬لبيك‮ ‬لا‮ ‬شريك‮ ‬لك‮ ‬لبيك،‮ ‬إن‮ ‬الحمد‮ ‬والنعمة‮ ‬لك‮ ‬والملك،‮ ‬لا‮ ‬شريك‮ ‬لك‮«..‬
وبعد أن يكون المسلمون قد طهروا حواسهم ونفوسهم وزكوا قلوبهم وعقولهم يتلاقون على المحبة في ذلك المؤتمر الإسلامي الأكبر، ليناقشوا قضاياهم، ويتدارسوا شؤونهم، وما أكثر القضايا التي تهم المسلمين اليوم، وما أحوج المسلمين اليوم لدراسة شؤونهم، وإيجاد الحلول لمشكلاتهم‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬حصر‮ ‬لها،‮ ‬ما‮ ‬أحوجهم‮ ‬للقاء‮ ‬والتواصل‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬المؤتمر‮ ‬الأكبر،‮ ‬ليكونوا‮ ‬كالبنان‮ ‬أو‮ ‬كالبنيان‮ ‬يشد‮ ‬بعضهم‮ ‬بعضاً‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 17-يوليو-2024 الساعة: 10:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1825.htm