تركي ناصرالسديري - أول مجتمع عربي عرف لعبة كرة القدم الحديثة، وشاهد لعبها، ومارس لعبها هو (المجتمع اليمني)، وذلك في حدود عام 1839م، أي قبل مائة وسبعين عاماً تقريباً، حينما احتل الإنجليز عدن، أي في وقت مبكر من نشوء هذه اللعبة بشكلها الحديث على يد الإنجليز. وبعد تسعة أعوام فقط من استحداث أول قانون للعبة الحديثة على يد الدكتور توماس أرنولد عام 1828م، وقبل أن يكون ضمن طاقم اللعبة.. حكام للمباراة! شاهد اليمانيون، أفراد القوات البريطانية يلعبون كرة القدم وألعاباً رياضية حديثة أخرى في معسكراتهم، وجذبتهم فضولية تجريب لعبها، حتى تنامت ممارستها بين العاملين من أبناء عدن في معسكرات الجيش البريطاني، وكذلك بين أبناء الأحياء المجاورة لمعسكرات الإنجليز، حتى بلغت فرق الحواري التي تمارس هذه اللعبة الجديدة (كرة القدم) عشرة فرق في عام 1885م وبالذات في ضاحية كريتر التي شهدت تأسيس أول ناد عربي لكرة القدم الحديثة عام 1902م هو نادي (الترفيه المتحد) المتخصص بلعبة كرة القدم والرجبي، وفي الفترة نفسها تأسس كذلك نادي (التنس العربي) المتخصص بلعبة كرة التنس الأرضي وتنس الطاولة.
اليمانيون والمصريون عرفوا كرة القدم الحديثة قبل الإسبان الذين عرفوها عام 1894م.. ولعلها معلومة مثيرة للانتباه، وبالذات إذا ما قارنا بين حال هذه اللعبة في إسبانيا وبينها في مصر واليمن.. في زمننا الحاضر. وتأسس في عدن عام 1905م نادي (الاتحاد المحمدي) كأقدم الأندية العربية التي لعبت كرة القدم الحديثة، ونادي الاتحاد المحمدي هو الجذر الرئيس لنادي (التلال) الموجود الآن، وتأسس بعد أن انسحب عدد من منسوبيه عن (نادي الترفيه) عام 1905م، وما زال مستمراً على الرغم من توقفه فترات زمانية وما استرعى انتباهي في سجل بطولات هذا النادي حصوله على كأس (أرامكو) عام 1952م!! و ما يثيرالاستغراب غياب المعرفة بتاريخ الحركة الرياضية في أرامكو و مدى مساهمتها في نشر الألعاب الرياضية في المملكة، وهو لوم يوجه إلى مدوني التاريخ الرياضي في المملكة وتحديداً المحسوبين على الإعلام الرياضي في المنطقة الشرقية، ولعل اللوم الأكبر يقع على غياب مركز للبحوث والتوثيق التاريخي الرياضي.. في طول وعرض المملكة العربية السعودية.
في اليمن - بالمناسبة - 238 ناديا رياضيا و24 اتحادا رياضيا، فيما لا يزال عدد الأندية الرياضية في المملكة/ القارة.. حوالي 157 نادياً.. بعضها اسم أكثر منه منشأة ونادياً رياضياً فعالاً وحاضراً .
إذاً اليمن هو مهد لعبة كرة القدم الحديثة في عالمنا العربي.. وهي معلومة تبدو مغيبة، وغير معروفة في الثقافة المعلوماتية المتداولة لدى الرياضيين العرب، ولذلك مسببات عديدة، لعل من أهمها: غياب الإعلام الرياضي العربي.. واسع الأفق، والمنتمي إلى ثقافة الرياضة للجميع، والمتجرد من الاهتمام المحلي والقطري، إضافة إلى ضعف النشاط والوجود للإعلام الرياضي اليمني الذي أسهم في غياب هذه الحقيقة الرياضية (الريادية) التي يفخر بها اليمن السعيد و كون المجتمع اليمني سباقاً في معرفة وممارسة لعبة كرة القدم الحديثة له دلالات جديرة بالتأمل والاستكشاف، فهو مؤشر على انفتاح ذلك المجتمع العربي، واستيعابه وانفتاحه على ما لدى الآخرين من المجتمعات الأممية، وتأكيد حضور الجاليات اليمنية والحضرمية في مجتمعات إسلامية عديدة واندماجها معها منذ مئات السنوات تجعل من المجتمع اليمني أكثر المجتمعات العربية استيعاباً واندماجاً مع المجتمعات الإنسانية، والدارسون في علم الاجتماع هم الأقدر على كشف دلالات وجود الإنسانية الحديثة في المجتمع اليمني قبل أي مجتمع عربي آخر، لكن ضعف وجود عالم الاجتماع الرياضي الأكاديمي في الجامعات العربية ومراكز البحوث جعل مثل هذه الحقيقة اليمنية التحضرية غائبة ومغيبة. فعلاً.. من المخجل أن يبقى علم الاجتماع الرياضي دون حضور ومساهمة في المؤسسة الرياضية العربية من محيطها إلى خليجها، وذلك نتيجة غياب (العلمية) كوسيلة وعقلية ومنظومة من جسد الرياضة العربية الراهنة.
- في مصر، يعد نادي السكة الحديد من أقدم الأندية العربية التي لعبت كرة القدم وقد تأسس عام 1903م بعيد تأسيس نادي (الترفيه العدني 1902م) والمصريون عرفوا كرة القدم الحديثة أول مرة عام 1882م أي بعد أن عرفها المجتمع اليمني بما يقارب نصف قرن من الزمان.. مع ملاحظة أن هناك أندية مصرية مارست ألعابا رياضية حديثة كرياضة الفروسية والسباحة وتنس الطاولة والبلياردو كنادي الجزيرة القاهري (1882م) ونادي سبورتنج (1889م).
- في السودان تأسس أول ناد لكرة القدم عام 1918م (نادي بحري) الذي تعود جذوره الأولى كفريق حواري إلى عام 1902م وهي الفترة التي عرف فيها لأول مرة السودانيون كرة القدم الحديثة من خلال طلاب كلية (غردون التذكارية).
المجتمع الجزائري عرف كرة القدم منذ عام 1898م حيث مارسها أفراد من جمعية (إقبال) الوطنية الذين تمكنوا من تأسيس نادي (النجم القسنطيني) عام 1917م.
- في فلسطين بدأت تأسيسية أول فرق لكرة القدم من خلال المدارس حيث تأسس أول ناد كروي في القدس عام 1908م من خلال مدرسة الروضة بالقدس.
هذه نبذة سريعة عن أوائل الأندية العربية التي لعبت كرة القدم الحديثة، أهلتها إلى أن تشارك في تصفيات أول كأس للعالم التي أقيمت نهائياتها عام 1934م، من خلال منتخب الكرة المصري ومنتخب الكرة الفلسطيني، حيث تأهلت مصر للنهائيات على حساب فلسطين.
والقصد من إيراد هذه المعلومات.. التأكيد على بواكير وجود هذه اللعبة في البلدان العربية على شكل أندية أو اتحادات رياضية مكنتها من الوجود والحضور منذ البداية الأولى للمسابقة العالمية لكرة القدم مع بقية العالم المتفوق الآن في اللعبة الرياضية الأكثر شعبية في العالم. إذاً.. بدأنا مع العالم.. ولكنهم سبقونا، وبقينا كما لو أننا لا زلنا نبدأ، أو هكذا تروج المؤسسة الرياضية العربية في عقل مدرج الرياضة العربية.. ولا يتردد مسؤولوها بكل استغفال للذهنية الرياضية من الاستناد إلى أن (الآخرين) قد سبقونا في تأسيسية الكرة والأخذ بالاحتراف كتبرير (بليد) لتفوق (الآخرين) علينا!! وهو منطق غير مقبول، لكون اللعبة الرياضية لا تحتاج إلى (اختراع العجلة) من جديد.. هي عملية تراكمية تبدأ من حيث انتهى (الآخرون) وتوفير الإمكانات اللازمة والجهد الحريص والبذل المنتج للمجاراة والمنافسة والتفوق.. على الآخر في ميدان المنافسة الرياضية الشريفة.
دأبت المؤسسة الرياضية العربية على استغفال الرأي العام الرياضي بمنطقيات وتبريرات ساذجة ومكذوبة تروج لها ولا تتوانى في التمادي بارتكاب عارها.. لعل من أكثرها فجاعة أكذوبة البدايات.. ودحرجة أكذوبة أننا جديدو عهد باللعبة الرياضية، فيما نحن لسنا كذلك.. بالدليل والحقيقة التاريخية.. في جانب، ولكون المسألة الرياضية لا ترضخ لناموس الأقدمية والأسبقية، لكون اللعبة الرياضية هي نتاج تخطيط وعمل وإمكانات من يفعلها يحقق المنافسة المواكبة للبقية.. ولنا في كرة القدم في اليابان وكوريا وألعاب القوى لدى دويلات لا تكاد ترى في خريطة كوكبنا الأرضي كالباهاما المثال والتأكيد على زيف ما ظل المسؤول الرياضي العربي يمارس ترويجه وجنايته على الرياضة العربية المغلوبة على أمرها.. حين شاءت الأقدار أن يقبض على مسؤوليات بعض شؤونها من لا علاقة لهم بالرياضة معرفة ومعارف، وإيماناً برسالتها ورحابة مبادئها السامية.
وماذا عن وجود كرة القدم الحديثة في المجتمع السعودي؟! وليكن السؤال عن بدايات الكرة في بلادنا.. أين كانت، ومتى؟! سنؤجل اجتهاد الإجابة، إلى مقالة قادمة، أطرح فيها رأيا جديدا، يدعو إلى إعادة النظر في المعلومة المتوارثة التي تحدد بداية كرة القدم الحديثة في المملكة من خلال الجالية الإندونيسية والملاوية القاطنة في مكة المكرمة التي هي أول من لعبها، وفعل نشرها، وهي معلومة ظلت وحيدة، وواحدة، نتوارثها منذ أن توجها أول كتاب عن الرياضة السعودية الذي ألفه أستاذنا القدير الدكتور أمين ساعاتي صاحب الجهد التوثيقي الرياضي الوافر. ما بذلت جهد الاجتهاد في تكشفه، عن تاريخ الرياضة في وطننا الغالي، قادني إلى حقائق وملاحظات مهمة ومؤثرة تكفي إلى أن لا نسلم بالمطلق بأن معرفة كرة القدم الحديثة كانت من خلال الجالية الإندونيسية، وإنما علينا أن نضع بجانب ذلك حقائق وشواهد لافتراضات أخرى مغيبة، تحتاج إلى تأمل وتحليل، لتعين على إيضاح حقيقة الكيفية التي وجدت فيها لعبة كرة القدم الحديثة في مجتمعنا السعودي.
المصدر :الجزيرة السعودية |