د/ رؤوفة حسن -
كل شيء في الحياة يملك طعما ورائحة ونكهة وحالة تذوق خاصة به. وهذا العيد من وجهة نظري امتلك رائحة عطرية وبخوراً، وشعورا لذيذا في الفم والروح مختلفاً عن كل عام. صحيح ان جعالة العيد والشاي والقهوة وانواع المشروبات المختلفة المقدمة للمعيدين أيام العيد، بما في ذلك في بعض الأوساط توفر الشوكلاتة النقية الغالية الثمن او حسب الحال والسوق الشوكلات والحلويات المقلدة والمتاحة كل ذلك له طعم حلو وطابع الترحيب وابتسامة الحبور وبهجة الأطفال، لكن شعورا مختلفاً مغايرا بالفخر والجمال تميزت به الأمة اليمنية هذا العام.
فقد كانت المباراة الثانية لكرة القدم في ملعبها الجديد الجميل تحفة فنية راقية من مباهج هذا العصر الذي صارت مباهجه على المستوى العام قليلة. تابعت المباراة وسعدت بفوز فريقنا لكني سعدت اكثر بالتأمل في الوجوه الشابة من جمهور المشجعين وبعضهم يرقص حماسا، وحناجرهم بالتشجيع تكاد تصل عنان السماء، وخاصة شباب ابين العاشقين للرياضة وجمال اللعبة والباحثين عن وسيلة بديلة لحياة مملة تطغى على طاقاتهم فلا يجدون لها ملاذا.
صحيح ان بعض مسئولي الوزارات وخاصة وزارة الشباب الحاضرين للمشاركة ولافتتاح الملعب لم يكن تخزينهم للقات ومحاولات وضع اللحف على وجوههم لتغطيتها من عيون الكاميرا وأمثالي، لكن المشهد كان واضحا فرب البيت الرياضي لا يزال بحاجة الى اعادة تأهيل ليخرج من هزال الكسل القاتي الى مجتمع الشراكة المحترمة مع الخليج والقدرة على الظهور بفخر امام العالم بدون ملامح مطلوب تغطيتها وإخفاؤها في حدث عام يشاهده الناس في كل مكان ويتابعه ابناء وبنات الخليج من اجل التأكد ان اليمن جاهزة لخليجي عشرين.
الملاعب الراقية المتزايدة:
قليل من الحسد اصاب مدن ومحافظات الجمهورية الأخرى التي لم يقع عليها الحظ لتستضيف حدثا مثل هذا. فالحديدة مثلا تملك على البحر والشطآن مساحات ممتدة تبحث عن يد حانية وخيارات مستقبلية تعيد انعاشها كميناء له تاريخه وقدراته وامكانياته وطاقاته البشرية الكبيرة وصعدة مثلا بمنافذها البحرية تملك قدرات مماثلة، كما تستطيع تعز في حوافها على الشاطئ ان تلعب نفس الدور اذا تمتعت بنفس الامكانيات. ماعلينا، اللهم زد عدن وأبين وأهلها نعمة ورخاء وازل عنها غمة الحسد ولنتمتع كلنا بانجاز في النهاية هو من الميزانية العامة وهو مضاف الى ملايين الدولارات التي تم صبها على مدينة عدن وشوارعها ومنتزهاتها وشطآنها وفنادقها وملاعبها منذ قيام الوحدة حتى اليوم. لأن أي منجز في أي محافظة هو مكسب لأبناء وبنات الوطن بمجمله.
المهم لقد استمتعت بمشاهدة فريقنا ينتصر في ابين على ليبيريا بجولين، واستمتعت اكثر برؤية الملعب كبيراً وضخماً ومهيباً ومنفذاً على اكثر المقاييس العالمية دقة وجمالية. وكان العشب أخضر يسبح بنعمة الله ونعمة الماء والخدمة الصحيحة في ايام الافتتاح الأولى.
كتابات إحباط سابقة:
الراحة النفسية والسعادة التي شعرت بها نتجت عن خيبة كل الأكاذيب والرسائل المحبطة لبعض الكتاب الذين كنت قد قرأت وتشبعت من الروح السوداوية لهم حتى إني لم اكتب حرفا واحدا من قبل عن خليجي عشرين.
أما الآن وانا اشاهد الملعب الثاني في ابين بعد أن رأيت الأول في عدن فأنا اعرف عن يقين اننا قد اجتزنا الاختبار بنجاح. ولم يعد مهما ان يقام هذا الخليجي أو لا يقام فالخاسر هو من يتردد عن الحضور. أما نحن كبلد ومكان لن يجدوا لنا في المنطقة مثيلاً وسيحرمون أنفسهم من زيارة احلى جار اذا صدّقوا كتابات الاحباط وترهات السياسيين الذين يخلطون بين المصلحة الآنية ومصالح الوطن على المدى الطويل. ويحملون شعارات من نوع وحدي وبعدي الطوفان، أو على نفسها وأهلها جنت براقش.
طعم العيد في اليمن له مذاق الضيافة، به شعور بالاستعداد للإستقبال. أحلى الملابس وألذ الكلام، وأمتع الابتسامات هي ما يتحلى به سكان عدن وأبين وزائروهما هذه الأيام. الشوق للفوز والرغبة في المنافسة واثبات الذات ورفع علم الدولة وعزف الشعار الوطني هو ما يجعل الفرق الرياضية تمثل سلاما وأمانا لبلدانها، وفي كل مرة تلعب وترفع علماً وتعزف شعارا سلاما وطنيا يرتفع علم البلاد المضيفة ويزداد تسامقا وسموا، وتعزف السلام الوطني للبلد المضيفة كل مرة فتهتز القلوب وتنتعش بالفخر كل الأرواح، وفي الغالب تبرق عيني رغم ارادتي بالدموع.
ثمانية ملاعب وآلاف غرف الإيواء تم تجهيزها للضيوف، وروح يمانية خالصة تعطر الأجواء تنتظر الزوار وتسعى لإسعادهم، فكما يقول بعض المرحبين في صنعاء بضيوفهم، نرحب بهم تراحيب المطر. يحلون أهلا ويطأون سهلا، ويستمتعون بزياراتهم كي يعودوا إلى بلدانهم بذكريات جميلة وصور تذكارية لأيام وساعات سعيدة يستعيدونها مع اصدقائهم الذين لم يحضروا. وليعودوا ثانية وثالثة فأبوابنا مفتوحة وقلوبنا مفتوحة، وضيفنا يصبح صاحب بيت.
كل عام وأنتم سعداء وفي منجزات وخير وعافية.
[email protected]