لقاء: عارف الشرجبي -
أكد اللواء/حسين محمد المسوري عضو مجلس الشورى أن الثورة أخرجت الشعب من الظلمات الى النور ومن عهود القهر والاضطهاد الى الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة، وقال في حوار مع »الميثاق«: ان المقارنة بين الماضي الإمامي والعهد الجمهوري كالمقارنة بين الموت والحياة والوجود والعدم، لافتاً الى أن الأصوات التي ظهرت مؤخراً وتحن للماضي البغيض إنما هي أصوات نشاز وهي امتداد لتلك الاسرة الظالمة التي حكمت اليمنيين بالحديد والنار وثار عليها الشعب وطردها الى غير رجعة.. ودعا المناضل المسوري الى وضع استراتيجية وطنية لإعادة النظر في التربية الوطنية وغرس قيم الولاء الوطني لدى النشء والشباب وكافة أفراد المجتمع.. وإلى نص اللقاء:
بعد 48 عاماً على قيام الثورة والجمهورية.. هل تحققت أهدافها على أرض الواقع؟
لاشك ان الثورة اليمنية قد حققت اعظم المنجزات للشعب الذي ناضل كثيراً للخلاص من الحكم الإمامي المتسلط المستبد، ولا أبالغ إن قلت ان الثورة قد اخرجت الشعب من عهود الظلام والتخلف الى حياة عصرية أكثر اشراقاً وعدلاً ومساواة.
منجزات شواهد
وإذا نظرنا الى أهداف الثورة لوجدنا انها في مجملها تهدف الى الرقي والنهوض بالانسان اليمني والحفاظ على كرامته وعزته.. وهو الامر الذي تحقق فعلاً على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجاء تحقيق الوحدة اليمنية ليتوج بها الشعب اليمني جبين الثورة اليمنية بالانتصار بعد أن أعادت الاعتبار للتاريخ في 22مايو 1990م على يد فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي بذل ومعه الشرفاء من أبناء الشعب الكثير في سبيل إعادة تحقيقها، وهذا لا يعني اننا قد وصلنا الى حد الكمال بل علينا بذل الجهود لتحقيق أعلى قدر من الرفاهية والامن والاستقرار للشعب.
وهذا لن يتحقق الا بتضافر كل الجهود الخيرة في المجتمع أحزاباً وجماعات ومنظمات مجتمع مدني.. لأن بناء الوطن مسؤولية مشتركة.
شتَّان بينهما
هل يمكن ان تقارن بين وضع اليمن قبل قيام الثورة وبعدها؟
من الصعب ان نقارن بين الحياة والموت والوجود والعدم، فلا يوجد شيء قبل الثورة يمكن أن نذكره غير الظلم والجوع والمرض والقهر والإذلال الذي كان يمارس ضد الشعب الذي قاد الفتوحات وبنى الممالك الإسلامية في اسبانيا »الاندلس« واندونيسيا والمغرب العربي وبلاد الرافدين، وغيرها.. من يصدق أن أسرة »بيت حميد الدين« قد حكمت عليه بالفناء والموت البطيئ بعد أن اعتبرته جزءاً من ممتلكاتها، غير أن إرادة اليمنيين لم تقهر، فقد ثاروا وتمكنوا من تحطيم القيود والعودة للحياة من جديد في 26سبتمبر 1962م، فلا يعقل ان نقارن بين وجود 200 طالب يدرسون على ألواح خشبية وبين أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة جزء كبير منهم في الجامعة.. أو نقارن الجيش المتدرب والمتسلح بأحدث الاسلحة بعدد قليل من الجندرمة والعكفة الذين لا يجيدون ارتداء بدلة أو بيادة، »حذاء«.. بفضل الجمهورية صارت لدينا عشرات الآلاف من المدارس ومثلها من المستشفيات وآلاف الكيلومترات من الطرق المسفلتة والمعبدة بالاضافة مشاريع الى الكهرباء والاتصالات كل هذا وغيره تحقق في زمن قياسي من عمر الثورة وقبل كل ذلك أصبح الانسان اليمني يعيش بكل حرية ويقول ما يريد ويختار من يحكمه بنفسه.
واتذكر انه في ثورة 1948م والتي أدت إلى مقتل الإمام يحيى أمر الإمام أحمد انصاه باستباحة صنعاء فأحدثوا فيها القتل والنهب والدمار ولم يتجرأ أحد على الشكوى، أما اليوم إذا احتجز صحفي لساعات قامت الدنيا ولم تقعد، إذاً لا مجال للمقارنة بين حكم الإمامة المتخلف والنظام الجمهوري مهما حاول البعض فعل ذلك.
ثورة شعبية
هناك من يقول ان الثورة كانت انقلاباً.. فما ردكم؟
الأمور تحسب بالنتائج.. فالتقليل من أهمية الثورة ونتائجها أمر وارد من قبل أعداء الثورة وأعوان العهد المباد الذين تضررت مصالحهم، أما انها ثورة فهي كذلك وبكل المقاييس، فقد التحم في الدفاع عنها كل أبناء الشعب وقدم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين.. إذاً هي ثورة شعبية جاءت من رحم الشعب وليست انقلاباً لوضع رئيس بدل رئيس أو إمام بدل إمام ثم ان واقع عامة الشعب في ظل الإمامة المقيتة كان يتطلب ثورة تحقق طموحاته وتطلعاته.
أذيال التخلف
بعد هذه المدة من عمر الثورة.. لماذا ظهرت بعض الاصوات المزيّنة لقبح الإمامة؟
الأصوات التي نسمعها اليوم هي امتداد لذيول العهد الإمامي المباد ومرور 48 عاماً قد لا تكفي لإزالة كل تلك الرواسب المريضة، وهذه الاصوات النشاز هي أصلاً موجودة وهي لأشخاص من بقايا الكهنة أو ممن كانوا معهم وما هم إلاّ مجرد قطرة في بحر ولا تشكل أي خطر على الثورة والجمهورية فمتمردو صعدة هم من نفس العجينة الإمامية المتخلفة التي خرجت على الدستور وأعلنت تمردها بدعم خارجي، أولئك النفر خارجون على اجماع الشعب.
وكيف تجرأوا على تحدي الدولة وحاربوها وهم قلة؟
الحوثي وأسرته أشخاص معدودون بالأصابع ولكن الذين يحارب معهم مرتزقة من داخل الوطن وخارجه، وإذا كان المتمردون قد استطاع التغرير ببعض الشباب أو إغراءهم بالمال فذلك لاننا تركنا لهم الساحة مفتوحة حتى تمكنوا من بث سمومهم في بعض المناطق النائية، ناهيك عن الحالة الاقتصادية التي يعاني منها بعض من وقف مع المتمردين فطمعوا بالمال عن جهل بعواقب ما يفعلون بالوطن وأهله والا لما قتل الاخ أخاه في صعدة ولما ظهر أناس يقولون »الرسول وسيدي حسين سواء سواء«، وأمام هذه الثقافة لابد علينا من إعادة النظر في كل ما يدور في تلك المناطق بشكل جدي قبل أن تستفحل المشكلة.
ثقافة بائدة
لماذا تركت الساحة مفتوحة للمتمردين..؟
منذ قيام الثورة حتى عام 1970م والدولة غائبة عن صعدة وبعدها ظل وجود الدولة محصوراً على الدوائر الرسمية وعندما تولى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الحكم عمل على مد نفوذ الدولة الى كل أرجاء الوطن ومنها صعدة فتم بناء المدارس والمعاهد وادخال الحياة العصرية إلى بعض تلك المناطق ورغم ذلك كان هناك من يعمل على نشر ثقافة معينة تمتد جذورها الى الماضي الإمامي.. فأوجدت المدارس الخاصة ووزعت الملازم لنشر أفكارها.. وهنا تكمن الخطورة ليس على الثورة لأنها محمية بقوة الرجال ولكن على عقول الناس البسطاء، ولذلك لابد من إعادة النظر في كل الثقافة وبالتعليم وبدور الجوامع والخطاب الديني في صعدة وبحيث يكون كل شيء تحت اشراف الدولة.. وعمل كبير كهذا يجب ألا يقتصر على الحكومة فقط، بل على الاحزاب والتنظيمات السياسية والوجهاء والمشائخ ومنظمات المجتمع المدني ولابد ايضاً من توفير الخدمات التي يحتاجها المواطن في تلك المناطق، ولعل توجيه فخامة الرئيس مؤخراً بإنشاء جامعة صعدة كان قراراً صائباً لأنها ستسهم في استيعاب أبناء صعدة في التعليم النظامي وبالتالي سيحصل الخريجون على فرص عمل بدلاً من حمل البندق ضد الدولة أو الدعوة للعودة للماضي المتخلف.
رواسب الماضي
ما سبب عدم انتشار التعليم النظامي في تلك المناطق؟
ماحدث قد لا يكون متعمداً ولكن هناك نوع من الإهمال، فبعد الثورة دخل البلد في حروب مع الملكيين حتى عام 1970م ثم بعد حركة 13 يونيو دخلت بعض القبائل الشمالية في خلاف مع الدولة فترتب عليه تأخر وصول التعليم والخدمات في تلك المناطق.. فتعطلت الامور وحدث ما حدث.
الأصوات الداعية للماضي ألا تستفزكم كمناضلين؟
لقد تعودنا على مثل هذه الخزعبلات منذ قيام الثورة سواء إعلامياً أو ميدانياً وهي لا تضايقنا بالقدر الذي تخلق لدينا إيماناً بضرورة العمل الجاد لصالح الشعب وإنهاء رواسب الماضي المتخلف.
كلنا مسئولون
بالأمس حملتم السلاح ضد الإمامة فما الذي تفعلونه اليوم؟
كثير من الثوار قد توفوا وقضوا نحبهم ومن بقي أصبح كبيراً في السن ومع ذلك لابد أن يشارك الجميع في بناء الوطن والدفاع عنه سواء بالكلمة الصادقة أو التوعية الاعلامية أو الكتابة أو غيرها المهم يجب أن لا نقف متفرجين إزاء ما يحدث.
وأي انسان لديه حس وطني وكان له اسهام في سبيل الوطن يجب أن لا يسلم الراية وينام في بيته أو يقول أنا ما لي.. فالواجب الوطني لا ينتهي الا بوفاة الشخص وعلى أقل تقدير يعمل على نشر القيم الوطنية في أسرته والحي الذي يعيش فيه أو المدينة ويحث الناس على مواجهة الخطر الذي يحدق بالوطن.
هل هناك خطر على الثورة والجمهورية؟
لم نشعر بأي خطر على الثورة حتى في أحلك الظروف عدا الأيام الاولى لقيامها.. وحتى أثناء الحصار وانسحاب الجيش المصري كنا متأكدين من النصر، وذلك لإيماننا بعدالة الثورة ومشروعيتها.. لكن الخطر الحقيقي يأتي عندما نهمل واجباتنا ولم نعمل ما يجب، فالتقصير والاهمال في الواجب هو الذي يخلق المصائب ولذا لابد من محاسبة المقصر في توفير العدل والمساواة بين الناس كما أن التهاون مع الخارجين على القانون والمتمردين يشكل خطراً على البلاد.
الوصاية للشعب
ادعاء الوصاية من قبل البعض على مناطق معينة في الوطن.. كيف يؤثر على الوحدة والثوابت؟
إذا عدنا بالذاكرة الى عام 1967م عندما اعلن استقلال جنوب الوطن نجد أن أحداثاً مؤسفة ومدمرة وقتالاً مستمراً كان يحدث بين أبناء تلك المناطق، والتي كان آخرها احداث يناير 86م في عدن وراح ضحيتها اكثر من 15 ألف مواطن معظمهم قتل بالهوية كما نزح عشرات ومئات الآلاف الى المحافظات الشمالية هرباً من موت محقق.. كل ذلك كان يحدث من أجل السلطة والوصول اليها ونحن اليوم في ظل دولة الوحدة نتحمل إرث الماضي وصراعاته، فقد كانت المناصب والمصالح تؤخذ بالقوة، وتربى على هذا المفهوم والثقافة جيل هم اليوم موجودون في تلك العناصر الخارجة على القانون وهناك مقولة يرددوها تقول: »إما نحكم أو نموت«.. لذلك عندما قامت الوحدة واقترنت بالديمقراطية وجعلت الصندوق حكماً للوصول الى السلطة وخرج الحزب الاشتراكي من السلطة عندما اعلن الانفصال والحرب في 94م من أجل البقاء في السلطة خلافاً للدستور، ومع ذلك أعلن فخامة الرئيس العفو العام عنهم من أجل لمّ الشمل وتضميد الجراح، ولكن البعض أبى الا أن يفتعل الأزمات والتي كان آخرها قطع الطريق ورفع الأعلام الشطرية واعلان فك الارتباط والقتل بالهوية، ولذلك نقول:إن ادعاء الوصاية ليس من حق احد غير أن تلك العناصر استلمت الملايين من الخارج للإضرار بالوطن ووحدته وهم قلة أما عامة الشعب في المحافظات الجنوبية والشرقية فهم ضد ادعاء الوصاية.
دور توعوي
كيف تفسر وجود طلاب بعض المدارس مع العناصر الخارجة على القانون؟
لابد أن يكون للحرية ثمن، فهناك من يستغل الديمقراطية التي جاءت بها الوحدة استغلالاً خاطئاً وإذا شاهدنا عشرات الطلاب ينضمون للخارجين على القانون في تلك المناطق بعد أن غرر بهم، فهناك ملايين الطلاب في نفس المناطق مع الوحدة ومع ذلك لابد أن نتحمل المسؤولية في توعية الناس بأهمية الحفاظ على الثوابت »الوحدة والجمهورية والديمقراطية« كما يجب ان نعرف الشباب بالمآسي التي كانت تحدث قبل الوحدة لكي يتعظوا من الماضي ويحافظوا على النعمة التي جاءت بها الوحدة وهذا الدور يجب أن نقوم به جميعاً سلطة ومعارضة وكل افراد المجتمع.
واهمون
كيف ترى موقف المعارضة في قضية الحفاظ على الثوابت؟
للأسف الشديد- هناك أحزاب في المشترك تحرص على الوصول للسلطة بأي شكل حتى وإن كان ذلك سيؤدي بالوطن الى الهاوية .. فسكوتها على أعمال القتل والتخريب وإعلان فك الارتباط والدعوات الإمامية شيء محير، ولذا على قيادات تلك الأحزاب ان تعلن موقفاً واضحاً وتدين الحراك ودعاة الإمام وفك الارتباط.. أما اذا أرادت الوصول الى السلطة بدعمها الحراك والانفصال أو التمرد فهم واهمون لأن الشعب سيكون بالمرصاد لكل من يحاول العبث بأمنه واستقراره ووحدته وثورته.
تهويل
تقول المعارضة ان الدولة غير جادة في حل القضايا ومحاربة الفساد الذي استشرى .. فماذا ترى كمناضل ورجل اقتصاد؟
نعلم أن الدولة قد وجهت بحل الكثير من المشاكل والقضايا العادلة وفعلاً تم حل الجزء الأكبر منها، أما مسألة الفساد فهناك تهويل كبير بوجوده، وأنا هنا لا أدافع عن الفساد والمفسدين، أقول إن التهويل من قبل المعارضة مبالغ فيه وهو لإثارة الكراهية في أوساط الشعب ضد الدولة بل وتشويه صورة اليمن أمام الدول الشقيقة والصديقة.ومع ذلك أقول على الدولة محاسبة الفاسدين أمام الرأي العام، بحسب توجيهات فخامة الرئيس.. ولابد من الفصل بين المعارضة الحقيقية وبين المكايدة السياسية التي تضر بالوطن.
استراتيجية وطنية
التصرفات الخاطئة من قبل البعض.. ألا تنم عن خلل في الثقافة الوطنية؟
أي قول أو تصرف يضر بالوطن لا يأتي الا من شخص يعاني من خلل في ولائه الوطني ونقص بالوعي الوطني سواء أكان من قبل سياسي أو مواطن عادي.
وما الحل في نظرك؟
لابد من وضع استراتيجية وطنية لرسم ملامح للتربية الوطنية والثقافة الوطنية ابتداءً من طلاب المدارس والجامعات سواء من خلال إعادة صياغة المناهج أو التنشئة السليمة، وهذا الامر يجب أن تشترك فيه كل الاحزاب والشخصيات الوطنية ولابد أن نعيد صياغة الخطاب الاعلامي ودور الجامع كما ذكرت لأن الوطن مسؤوليتنا جميعاً.