اعداد: بليغ الحطابي -
ما أجمل ان تحملك الصدفة لتقف مع مناضل وطني ثار ضد الظلم والطغيان والاستعمار والاستبداد وتنقلك إلى ينابيع المعرفة الحقيقية لتتزود من بحره علوم قوم وحكمة شعب حمل ابناؤه رؤوسهم على أكفهم وقدموا النفيس من أجل رفعة وازدهار الوطن..
ان بصماتهم تملأ صفحات أيام الوطن.. ودروب الحياة هذه الخواطر أحاطتني وأنا اتصفح كتاب المناضل الوطني البارز »محمد علي هيثم احد فرسان الثورات الثلاث« وفيما يلي حصيلة ما استطعنا استخلاصه من سيرة ومسيرة فارس ترجل..
حكايات طويلة ومواقف مثيرة صنع تفاصيلها المناضل محمد علي هيثم منذ نعومة اظافره حتى استطاع جمع الوطنيين ووفق بين القوى السياسية..
وقد يستغرب البعض عن كيفية تكون فكر المقاومة لشباب امثال المناضل محمد علي هيثم الذي ينحدر من منطقة زراعية نائية وبيئة ريفية للبدء بمناهضة التواجد الاستعماري على أرضه والرفض للواقع الكامن في الجزء الشمالي من وطنه.. وكيف لمنطقة تقع على مشارف بحر العرب تمتاز بأنها ولادة لقادة وسياسيين وآلاف المناضلين الذين توزع عطاءهم خلال مراحل الثورة اليمنية بين شهداء من أجل الوطن وانتصار قضية الثورة اليمنية الذي لايزال البعض الآخر يواصل العطاء لذات الاهداف العظيمة التي انطلقت من اجلها ثورة الشعب واندفعت الارادة الوطنية لتتحدى أعتى الجيوش العالمية ليشهد الشعب رحيلها مهزومة يوم الـ30 نوفمبر 1967م.
وعي ثوري
كان لوعي هيثم- كما يقول رفيق دربه محمد السياري وادراكه لثقافة الحياة ورتابة التطور وركام التخلف المخيف الذي احاطت به السياسة الاستعمارية منطقة الجنوب من الوطن كانت الدافع الاساسي للبدء برحلة البحث الشاقة والطويلة للوقوف على الوسائل والادوات الكفيلة بانتفاض الواقع على نفسه وثورته على مقومات تخلّفه ورموزه.. بما في ذلك الارتقاء بوعي الناس وايصال المواطن الى استيعاب هذه القناعات والامتثال لتبعاتها والتضحيات التي ستترتب على ذلك معتمداً على ماتميز به من هدوء ورصانة وسعة صدر وواقعية.
لجأ محمد علي هيثم الى التعليم الممنهج بمراحله المختلفة بمدينة عدن الباسلة كمدخل لتحقيق ذلك الهدف فكافح من أجل اولى اهدافه ليعود بعدها الى مسقط رأسه منطقة دثينة وهي الولاية الوحيدة التي رفضت قبول الحماية البريطانية كما لم تقبل بتوقيع اتفاقية بهذا الصدد مع المحتل في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي على النحو الذي عملت به بقية السلطنات والمشيخات في جنوب الوطن فاعتمدت على اختيار لجان اهلية لادارة شئونها وحل قضايا مواطنيها ولذلك سميت جمهورية »دثينة« وهي تسمية جريئة اتخذت الصفة الشعبية والرسمية وطبعت على أوراق التعامل المختلفة.. كما كانت دثينة احدى بؤر القومية المولدة للانتفاضات الشعبية ضد القوات البريطانية التي زج بها المستعمرون الى المنطقة والتي مثلت مع منطقة العواذل مديرية لودر حالياً ساحة مشتركة للمقاومة وللتواصل مع الثوار والمناضلين في شمال الوطن لدك حكم الامامة البائد فيما بعد.
البداية..
حين انهى فقيدنا دراسته بمدينة عدن كان قد تأثر بأفكار التيارات السياسية الوطنية في عدن وانعكاس الحركة القومية العربية التي كانت لها حضور وصدى واضح وملموس، وقرر العودة الى مسقط رأسه لغرض التوعية وتجييش الناس وخلق الاستعداد لديهم للتعامل مع الحقائق الجديدة وهي وجود الاستعمار في ارض الوطن وضرورة تحريره.
يقول الكاتب الصحفي عبدالرحمن خباره، احد زملاء المناضل محمد علي هيثم لقد وجد نفسه قائداً على هذه الجبهة بل وفي صدارة القيادة السياسية نظراً لمساهمته الكبيرة التي تجلت عبر نضاله الثوري ونضاله في العمل السياسي فيما بعد وكان ظاهرة وطنية ما احوجنا اليوم الى معرفتها وسبر اغوارها لنتعلم منه الكثير وما أكثر مايمكن ان نتعلم من ذلك المناضل الفذ صاحب التجربة الكبيرة والعميقة.
الوعاء الوطني
ويخلص نجيب السلامي في حديثه عن رفيق دربه هيثم فيقول: انه كان يمثل الوعاء الوطني الحقيقي الذي يحوي ويجمع مختلف أبناء الوطن.
فيما يقول محمد ناصر شراء- أحد طلابه:
حين عاد الى منطقته دثينه للتدريس بعد انهاء مراحله التعليمية في عدن وتشرّب منها الروح القومية والمبادئ الثورية بدأ بجمع الناس من أهالي المنطقة حوله وتوعيتهم وتثقيفهم حول الثورة والاستعمار الطاغية وضرورة الانتفاضة على ذلك كنا نشعر انه شخصية غير عادية وما هي إلا اشهر معدودة حتى حرك المياه الراكدة في تلك المنطقة ولدى مجموعة من رفاق دربه من المناضلين لمساندة ثورة 26 سبتمبر 1962م والبدء بخوض مسيرة الكفاح المسلح لتحرير الشطر الشمالي من الوطن من الامامة الكهنوتي.
ويذكر الاستاذ عبدالله عبدالرحمن بكير احد رفاق الفقيد بأنه كان يجمع بين الرؤية الثورية في التغيير وبين مرونة الموقف المبدئي من أجل غايات اسمى وأنبل وأعظم وهي اهداف الثورة اليمنية الذي ظل مخلصاً لها ولقيم الشعب وتطلعاته حتى ارتبط اسمه بتاريخ الثورة ومسار تطورها، بل واصبح واحداً من رموزها ليبقى من الصعب جداً الفصل بين سيرهم الذاتية والمسار التاريخي لنضال شعبنا اليمني في التاريخ المعاصر.
النضال الثقافي
- عاش محمد علي هيثم محبوباً ومات محبوباً فكان رحيله في 9 يوليو 1993م خسارة وكارثة كبيرة للوطن لانه عاش للآخرين قبل نفسه.. حيث يقول شاعر اليمن الكبير المرحوم عبدالله البردوني ان محمد علي هيثم حين كان رئيساً للوزراء هو أول من جمع أدباء الشطرين في الشمال والجنوبي عبر اقامة مأدبة غداء للتعارف في دار14أكتوبر فكان ذا ثقافة عالية لكنها من النوع الذي يغمر ولايبصر.. وكان يوم ذاك سلطة منفصلة عن تناظر الامين العام واقتراح مجلس الرئاسة وكان يخصص كما سمعنا وقتاً للشعراء والادباء خاصة في الادب والرواية.
أهداف مشروعة
-هكذا عاش محمد علي هيثم المعلم والمناضل فلم يكن يتطلع من خلال مواجهة الاخطار التزامه الوطني اكثر من بلوغ الاهداف المشروعة للشعب وطموحاته وامانيه التي جسدتها مبادئ واهداف الثورة.. ويقول أحمد المقشطة: ان هيثم جسد سلوكاً نضالياً رفيعاً وموقفاً وطنياً لم يتفرد به إلا القليلون من رموز النضال الوطني في تلك المرحلة والتي تتعلق بقضية وحدة الثورة اليمنية ووحدة المصير الوطني ووحدة الشعب والوطن اليمني.
رؤية القائد
اما احمد المقشطة وهو من رفقاء الفقيد هيثم فيقول: »مثنى« وهو الاسم الحركي للفقيد الذي اتسم بالذكاء المتقد والتواضع وجمع بين صلابة المواقف وهدوء الحوار وبين شجاعة المواجهة وصراحة الطرح بين حماس المناضل ورؤية القائد بين بشاشة التسامح وصرامة الحديث ومصداقية العهد والوعد فكان بذلك رمزاً وطنياً وقوياً فرض احترامه حتى على ألد خصومه.. ونظراً لتلك السمات القيادية فقد جعلته يوسع علاقته العربية والقومية ويحظى بحضور دولي ومواقف مؤيدة لشفاعته ليوظفها لمصالح وطنية لذا ظل حاملاً همومه بين جوانحه مخلصاً لقضاياه الى الحد الذي نسي معه معاناة الغربة والمنفى..
وأخيراً
- في الأخير لا نستطيع أن نقول أكثر مما قاله فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية »لقد خسر الوطن بفقدان »محمد علي هيثم« (الذي توفي إثر نوبة قلبية صبيحة يوم الخميس التاسع من شهر يوليو 1993م) ابناً باراً وعلماً بارزاً من أعلامه ومناضلاً صلباً وفارساً شجاعاً وجسوراً اقتحم دروب النضال والحرية وقدم الكثير من اشكال البذل والعطاء والمعاناة والتضحية من أجل حرية الشعب ورفعة اليمن وتقدمها وعزتها.. وهي الحقيقة التي مكنته من أن يحتل مكانة مرموقة وخالدة في حياة شعبنا وتاريخه.