السبت, 06-يناير-2007
محمد سعيد حميد الزريقي -
ثلاثين ألف قنبلة نووية من عيار قنبلة هيروشيما مقدار مارد الطاقة الذي انطلق من باطن الارض في الساعة 00.57 توقيت غرينيتشِ في 26 ديسمبر 2004م، ليسبب زلزال شرق آسيا الذي ضرب جزيرة سومطرة بقوة 9.0 على مقياس ريختر. واعتُبر هذا الزلزال والعصف البحري الذي تلاه من أكبر الكوارث التي تعرضت لها الإنسانية في العصر الحديث، ووصل قتلاه إلى نحو 285 ألف شخص، إضافة إلى عدد مماثل من الجرحى وملايين المشرّدين في إندونيسيا وسريلانكا وتايلاند والهند وماليزيا. وبدا طبيعياً أن يندفع العالم إثر هذه الكارثة إلى البحث الجدّي والسريع في مجال الاستشعار المبكّر للزلازل، والكشف المبكر عن المد البحري العملاق (تسونامي) قبل وقوعه بمدة كافية تتيح للناس النجاة بأرواحهم. الذي ترتب عليه نتائج ناجحة لجهود الباحثين العلميين في اميركا واليابان لتطوير طريقة حديثة للمسح الجغرافي للمحيطات من الجو، عن طريق أقمار اصطناعية مجهّزة لهذه المهمة. وتقدر تلك الأقمار على قياس ارتفاع الموج في عمق المحيط بدقة تصل إلى بضعة سنتيمترات. وزيادة عدد الدول المرتبطة بالنظام المبكر للتسونامي في المحيط الهندي ومنها بلادنا.
ولكن عند الحديث عن ذلك الزلزال وفي ذلك اليوم المشئوم لسنا بحاجة لذكر مكتب كولن باول وزير الخارجية الأمريكي حينها الذي أستلم بكل تأكيد قبل غيره أخبار ذلك الزلزال المدمر والموجة القاتلة التي أعقبته.
فالمؤشرات تؤكد بأن أمريكا متهمة في التسبب بحجم الكارثة المروع لتسونامي. حيث أشار الخبير الكندي ميتشل تشوسودوفسكاي الأستاذ في جامعةِ أوتاوا بأنّ الجيشَ الأمريكيَ ووزارة الخارجيةَ كان لديهم تحذير مبكر بكارثة تسونامي و أُشعرت بذلك القاعدة الأمريكية البحرية على جزيرةِ ديجو غارسيا في المحيط الهندي لكن المعلوماتَ لَمْ تُنْقَلُ إلى البلدانِ التي حَملتْ وطأةَ الكارثةِ.
و في تحليل له حول زلزال تسونامي تسأل لماذا لم تصل نفس التحذيراتِ التي وصلت إلى القوة البحرية الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية إلى الصيّادين في الهند وسريلانكا وتايلند؟. ولِماذا وزارة الخارجية الأمريكيةَ بَقيتْ صامتةً على وجودِ كارثةِ وشيكةِ ؟ في ظل وجود نظام إتصالاتِ حديثِ (بريد إليكتروني، هواتف، فاكسميل، تلفزيونات، اقمار إصطناعية)، لماذا هذه المعلومات التي كانت يُمكنُ أنْ تنقذ حياةَ مئاتِ آلاف من الناسِ لَمْ تنشر إلى الخارج؟. خاصة وأن موجة المدّ التسونامي النابعة من بؤرة الزلزال البحري كانت على بعد 350 كيلومتراً من سومطرة وتحتاج إلى نحو نصف ساعة للوصول إلى هذه الجزيرة، وأكثر منها في بقية المناطق المنكوبة، وهو وقت كاف لإخلاء بعض السواحل المواجهةً.
فالسلطاتَ الأمريكيةَ سجّلتْ قوة الزلزال بشكل أولي 8.0 على مقياس ريخترِ. كما هو مؤكَّد من قبل تقارير لعلماء أمريكيين في هاواي، تنبأت بكارثةَ وشيكةَ، لكن أخفقَ الإتِّصال بنظرائِهم الآسيويينِ. وفقاً لما قاله تشارلز مكريري مدير مركزِ الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي في هونولو من أن مركز هاواي للمحيط الهادي بَذلَ أقصى ما يمكن للإتِّصال بنظرائِه في آسيا. لكن دون جدوى .
بينما تنفي الحكومةُ الهنديةُ بأنه ليس هناك تحذير كهذا قد تم إستلامهَ. ويرى مدير مركز تحذير هاواي رداً على ذلك "بأنّهم لَمْ يَعْرُفوا" بأنَّ الزلزال يُولّدُ موجة عارمة بهذا الحجم القاتل حتى ضَربتْ سريلانكا، بَعْدَ أكثر مِنْ ساعة ونِصْف (2.30 توقيت غرينيتشِ). ويقول مكريري للنيويورك تايمز في 27 ديسمبر " العلماء في هونولولو رَأوا تقاريرَ أخبارِ الأضرار حتى الموجة القاتلة التي ضَربتْ سريلانكا وإعترفوا بالذي كَانَ يَحْدثُ. واعترفوا بأن هناك شيءُ يَتحرّكُ عبر المحيط الهندي، "هذا الحديث على خلاف مع التسلسل الزمني لكارثةِ الموجة العارمةَ.
تايلند ضُرِبتْ قبل سّاعة تقريباً من سريلانكا وتقارير الأخبارَ كَانتْ على وشك النشر. - بالتأكيد، هذه التقاريرِ خارج تايلند معروفة بشكل جيد إلى العلماءِ في هاواي، قَبْلَ أَنْ تصل الموجة العارمةَ سريلانكا-.
الدّكتور مكريري قالَ "أردنَا المُحَاوَلَة لَعمَلُ شيءُ، لكن بدون خطة لم يكن ذلك طريقاً فعّالاً لإصْدار تحذير. ويضيف "كَانَ أمامنا بَعْض الوقتِ - لعمل شّيء ما في مدغشقر، أَو على ساحلِ أفريقيا، ". هنا يرى الأكاديمي الكنديُ التناقض. فالموجة العارمة، وَصلَت الشريط الساحلي الأفريقيَ الشرقيَ بعد عِدّة ساعات منْ وَصولها جُزُرَ المالديف. عاصمة المالديف ضُرِبتْ بعد الزلزالِ بثلاث ساعاتِ تقريباً 4.00 توقيت غرينيتشِ. في ذلك الوقتِ العالمِ كُله كان قد عَرفَ.
من الجدير بالملاحظة أن القوة البحرية الأمريكية كَانتْ بالكامل مدركة للموجة العارمةِ القاتلةِ، وكَانت على المحيط الهادي ولديها قائمةَ تُحذّيرات في مركزِ الإتصالاتِ. علاوة على ذلك، قاعدة أمريكا الإستراتيجية البحرية على جزيرةِ ديجو غارسيا كَان لديها معرفة بذلك، وهي مباشرة على طريقِ الموجة العارمةِ، ولم تتضرر. وكلما في الأمر كان بإمكان شخص ما رَفْع سماعة الهاتف وإبلاغ سريلانكا، ويبرر تشارلز مكريري، مدير المحيط الهادي لمركز تسونامي التحذيري، عدم الاتصال بقوله " لم يكن لدينا عناوين إتصالاتُ لأي شخص في ذلك الجزء من العالم".
إنّ الحقيقةَ تلك فقط بعد الموجاتِ الأولى التي ضَربتْ سريلانكا، ومن ثم عمِلتْ الاتصالات في مركز تسونامي التحذيري بالمحيط الهادي وبالادارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي وبهاواي ونظمت عملية المكالمات الهاتفيةَ إلى الدبلوماسيين الأمريكان في مدغشقر وموريتيوس في محاولةِ لصَدّ الكارثةِ الأخرى. وتقول دلوريس كلارك، ناطقة مركزِ استعلامات تسونامي الدولي في هاواي " لم يكن لدينا إتصال طُبّق تستطيع من خلاله رْفعُ سماعة الهاتف أينما كنت ، وقالَت "نحن كُنّا نَبْدأُ من الصفر."
وهنا يؤكد الأستاذُ تشوسودوفسكاي مرة أخرى تناقض هذه البياناتِ ، حيث يرى بأن مجموعة من بلدان المحيط الهندي الآسيويةِ في الحقيقة أعضاء في نظامِ إنذار تسونامي. وهناك 26 مِنْ الدول الأعضاء للتنسيقِ الدوليِ لمجموعة نظامِ إنذار تسونامي، بما في ذلك تايلند وسنغافورة وأندونيسيا. كُلّ هذه البلدانِ عادة مسجلة ولديها عناوين لدى PTWC مجموعة التنسيقِ الدوليِ لنظامِ إنذار تسونامي ، التي تَعْملُ بالتنسيقِ مع منظمةِ مماثلة ICGTWS في هونولولو حيث مقرِ هيئة الطقس الوطنيةَ لمنطقةِ المحيط الهادي. وهي منظمة معنية بمُساعدُة الدول الأعضاء في تَأسيس أنظمةِ الإنذار الوطنيةِ، وتُقدّمُ معلومات عن التقنياتِ الحاليةِ لأنظمةِ إنذار تسونامي.
أستراليا وأندونيسيا هما البلدان اللذان إستلمَا التحذير. وكان على الكونغرس الأمريكي أَنْ يَتحرّى لِماذا الحكومةَ الأمريكيةَ لَمْ تُشعرْ الدول المطلة على المحيط الهندي وتحديداً المناطق المتأثّرةِ، وبالرغم من أن تايلند ضمن شبكةِ تسونامي الدولية للإنذار، فساحله الغربي ليس فيه مستشعرات موجةِ النظامَ على طوافاتِ المحيطِ. ويَظْهرُ أنْ تسونامي أسرعَ شرقاً نحو المصيفِ التايلانديِ لفوكيت. ويقولَ وافيرلي من مركزِ استعلامات الزلزالِ الوطنيِ في كولورادو، الذي يُراقبُ النشاطَ الزلزاليَ حول العالم "لم يكَنَ لديهمْ مقاييس مد ولاتحذير، وليس هناك طوافات في المحيط الهندي حيث حَدثَ تسونامي".
ويحق لنا هنا أن نسأل ، لماذا لم تستخدم الفضائيات المنتشرة في إصدار نشرة جوية خاصة في ذلك الوقت كما تستخدم في متابعة الإعاصير المتكررة على المحيط الهادي وغيره؟
كما أن هناك عدداً من الأسئلة لابد من طرحها: أولاً: لماذا حكومات بلدانِ المحيط الهندي لم تكنْ مطّلعة؟ هَلْ كَانتْ هناك "تعليمات" مِنْ الجيشِ الأمريكيِ أَو وزارة الخارجيةِ بخصوص إطلاقِ تحذير متقدّمِ؟
طبقاً لبيانِ هاواي PTWC التحذير الذي أُصدرَ كان على قاعدة إنتقائية. أندونيسيا ضُرِبتْ، لذا التحذير كَانَ على أية حال ممكن وأستراليا كَانتْ بعيدة بألآف الأميال مِنْ مركز الهزة الأرضيةَِ. ثانياً: هَلْ السلطات الأمريكية التي راقبتْ بياناتَ راسمات الزلازل seismographic لم تكن على علم بالزلزالِ قبل حدوثِه الفعليِ في 00.57 توقيت غرينيتشِ في 26 ديسمبر؟ .
كان هناك إشاراتَ للنشاطِ الزلزاليِ الشاذِّ قبل 01.00 توقيت غرينيتشِ في 26 ديسمبر. وأَكّدَ المسح الجيولوجي الأمريكيُ أن الزلزالُ الذي سبّبَ الموجة العارمةَ والتي قيستْ بـ 9.0 على مقياس ريخترِ والأكبرَ والذي يعد الرابعَ من نوعه منذ 1900م. في مثل هذه الحالاتِ، يمكن الَتوقّعُ بدليلَ النشاطِ الزلزاليِ الشاذِّ قبل الحدوثِ الفعليِ للزلزال الرئيسي. ثالثاً: لماذا الجيش الأمريكي أُدار أمورَ الإغاثةِ الإنسانية أعقاب الكارثةِ؟ هَلْ الجيش الأمريكي (بديلاً للهيئات الإنسانيةِ المدنيةِ / منظمات الإغاثة التي تعملْ تحت رعايةِ الأُمم المتّحدةِ)؟.. القيادة الأمريكية لمنطقة المحيط الهادي عُيّنتْ لتَنسيق الإغاثةِ الطارئةِ. وعينت الفريقِ Rusty Blackman روستي بلاكمان، قائد الحملة العسكريةِ البحريةِ في سلاح البحرية ومقرّها في أوكيناوا، لقيَاْدَة برنامجِ الإغاثةِ الطارئِ. (الفريق Blackman كَانَ رئيس هيئة أركانَ قوّاتِ التحالف والمسؤول المباشرعن جنود البحرية في بغداد أثناء ما كان يسمى بـ "حرب تحرير العراق"). ثلاث "فرق تقييمِ إغاثةِ الكارثةِ " تحت قيادةِ بلاكمان أُرسلتَ إلى تايلند وسريلانكا وأندونيسيا ، والطائرة العسكرية الأمريكية تَجري مهماتَ المراقبةِ.
الأستاذ تشوسودوفسكاي يَكْتبُ، "في سخرية مُرّة، جزء من هذه العمليةِ تُنسّقُ خارج قاعدةِ أمريكا البحرية في ديجو غارسيا، التي لَمْ تُضْرَبُ بالموجة العارمةِ. وفي هذه الأثناء، تحركت حاملة الطائرات الأمريكية إبراهيم لينكولن ، التي كَانتْ في هونج كونج عندما ضَرب زلزال تسونامي ، إلى خليجِ تايلند لدَعْم عملياتِ الإنقاذ. حاملتا طائرات أُرسلتَا إلى المنطقةِ. لماذا الولايات المتّحدةِ تجري هذه التُعبّيئة الكبيرة لأجهزتها العسكرية؟ إنّ هذا النمطَ لم يسبق له مثيلُ. . . لماذا يُخصّصُ لقيَاْدَة برنامجِ الإغاثةِ الطارئِ الأمريكيِ قائد غزو العراق؟ "
ويبدوا أنه من حق المرء أن يضع العديد من الأسئلة التي لازالت غامضة وستجد لها إجابة عاجلا أم آجلا في زمن لم يعد فيه مجالاً لإخفاء الحقائق العلمية التي تسيطر وتدير سلوكنا اليومي . بما فيه البحث حول حقيقة مارد الطاقة الذي انطلق من باطن الارض ، هل يأتي في إطار الظواهر الطبيعية التي يعرفها الجميع ؟ أم في إطار التجارب التي تجريها الدول النووية ؟ هل عملية الإغاثة خرجت عن بعدها الإنساني ؟...ماذا عن المستقبل في ظل الإنظمة المتطورة والحديثة للإنذار المبكر لتسونامي ؟...الخ. أسئلة ستجيب عليها الإيام القادمة.
"المقال يعبر عن رأي كاتبه
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1875.htm