فيصل الصوفي - بين شنق الرئيس العراقي المخلوع وآخر رئيس عربي تم اغتياله هناك فترة فاصلة تمتد لأكثر من 13 سنة فبعد اغتيال الرئىس الجزائري محمد بوضياف في يونيو 1992م انتهت مرحلة تصفية الحسابات السياسية بالرصاص والمتفجرات أو هكذا كنا نتخيل الأمر.. وقد احصيت على عجل عدد الرؤساء والملوك العرب الذين قتلوا أو اغتيلوا منذ منتصف القرن الماضي إلى نهاية ديسمبر 2006م فإذا أعدادهم نحو 17 رئىساً وملكاً، لكن ظروف وملابسات شنق الرئىس صدام مختلفة تماماً.. إن أول رئىس يخلع بقوة خارجية ويحاكم وبلده تحت الاحتلال ويشنق يوم عيد الأضحى ويتعرض قبل اعدامه وبعد اعدامه لإهانات مدمرة وعلى المكشوف وتحتفل حكومة بلاده بيوم الشنق وتنظم طائفة من أبناء شعبه مهرجانات راقصة ويرفع شانقوه رايات الزهو والطائفية ويغطون وجوههم بأقنعة رجال العصابات والمليشيات.
> إن مشهد شنق صدام رحمه الله محزن ومستفز لمشاعر بني البشر والذين ساقوه إلى المشنقة على عجل افتضحوا وخسروا وهذا واضح.. لكن لاينبغي أن نستسلم للعاطفة وحدها في قراءة المشهد، هناك أمور أخرى هي الأخطر.. إيران ترحب بشنق صدام وتحكم بلده من الداخل، وحزب الله اللبناني يحتفل وحركة حماس التي عاد زعيمها من طهران لتوه لم تشارك حركة فتح في الاستنكار وسوريا الغاضبة من الولايات المتحدة الأمريكية تتحالف مع دولة تعرف أنها تسعى لابتلاع المنطقة مباشرة بدلاً من خيارها القديم في تصدير الثورة من بعيد.. لأول مرة يجري هذا الفرز الحاد بين السنة والشيعة في العراق، وما يجري هناك تحت ضوء الشمس يتم تدبيره في الخفاء داخل البحرين والكويت والسعودية، والمسألة لاتتعلق بالتمييز المذهبي وحده كما تبدو في الظاهر.
> إن هذا الاحتفاء الشيعي المبالغ فيه بشنق صدام هو رسالة أو عنوان ابتهاجي بسقوط رمز المقاومة التي اعاقت التوسع الإيراني في المنطقة العربية.. كان صدام زعيماً علمانياً لايحدد مواقف من الآخرين استناداً إلى مذاهبهم أو دياناتهم وعندما دافع عن الجبهة الشرقية للوطن العربي لم يفعل بوصفه سنياً أو لأن الثورة الإيرانية اعلنت عزمها التبشير بالمذهب الشيعي الاثني عشري بل فعل ذلك لأنه كان يدرك أن التبشير بالمذهب يتبعه السيطرة على الحكم وها قد تم لهم ذلك في العراق، ويؤسسون لذلك في لبنان ومناطق عربية أخرى ويجدون من يدعمهم ببلاهة لمجرد أنه غاضب من الولايات المتحدة أو إسرائىل.
❊ رئيس تحرير صحيفة "22 مايو"
|