د/ علي مطهـر العثربــــي -
< ليس منطقياً الزعم بقيادة الشارع إلا إذا كان الزاعم بذلك يمتلك الرؤية التي تجلب الخير العام وتدرأ الفتنة والفساد في المجتمع، أما الذي يمتلك زمام المبادرة لإحداث التخريب والتدمير وإشعال الفتن واحتضان عناصر التدمير والتعاون مع الشيطان من أجل الفتنة والخراب، فذلك ادعاء شيطاني عدواني على الإنسانية ترفضه العقول المستنيرة وتستهجنه النفوس السوية وتقاومة الإرادة الانسانية، ولا يقبل به إلا خارج متمرد وفاسد، وينبغي على من يدعي أنه يمتلك زمام الشارع أن تكون رؤيته ملتزمة بالسلام الاجتماعي ومحترمة لإرادة الشعب تنشد التداول السلمي للسلطة وترفض التخريب والتدمير وتؤمن برأي الأكثرية وتلتزم به، وتمارس العمل المشروع وتجعل مصالح البلاد والعباد العامة فوق مصالحها الخاصة وتصون السيادة الوطنية وترفض الارتماء في أحضان الغير، وتحترم الدستور وتعزز القانون وتجسد الوحدة الوطنية، وتحترم الإرادة الناخبة وتخطب ودها، وتنزع من خطابها عبارات التحدي والتعالي على الشعب وتنزل من أبراجها العاجية، وتقدم رؤاها الواضحة والشفافة الى الشعب.. إن مجرد الإدعاء بامتلاك الشارع غباء، لأن الشارع ليس عبيداً للأدعياء ينفذ إرادتهم الشيطانية، الشارع اليوم يريد من يلتزم بقدسية الإرادة الشعبية المستمدة من الإرادة الإلهية التي تنشد الخير والسلام للناس كافة، ولا يمكن أن ينجر خلف دعاة الفتن وصناع الأزمات، ودعاة الحروب والاقتتال والتمزق والتشرذم.. الشارع اليوم أكثر وعياً وإدراكاً لغاية الدولة العصرية الحديثة، أكثر فهماً لمتطلبات الحياة المعاصرة الآمنة والمستقرة، ولم يعد يقبل بالدفاع عن المصالح الشللية الشيطانية التي تضمر الشر للشعب، ولذلك فالشارع اليوم مع من يجسد الوحدة الوطنية ويصون السيادة الدستورية والقانونية، مع من يغلب المصلحة العليا للجميع على مصالحه الخاصة، مع من يحترم الهيئة الناخبة ويسعى لتحقيق الخير العام ويعزز الأمن والاستقرار ويفتح آفاقاً جديدة لمستقبل أكثر نماءً وتطوراً.. يرى كثير من المفكرين السياسيين أن مسرح الحياة اليومية مدرسة سياسية ينبغي أن يتعلم منها الخاصة قبل العامة، النخب السياسية قبل السواد الأعظم من الشعب، ويرون أن ارتكاب الخطأ قد يحدث ولا يرونه عيباً فاضحاً، إنما العيب الفاضح هو الاستمرار في ارتكاب الخطأ وتكراره مرة بعد أخرى دون الاستفادة من مدرسة الحياة اليومية.
إن ما نلمسه في ساحة الفعل السياسي من قول أو فعل لبعض القوى السياسية دليل على حالة الغباء السياسي المستحكم في عقول تلك القوى التي امتلأت عبثاً وجنوناً، فلم تعد تميز بين الخير العام والشر الماحق، ولم تعد تعقل القول الصواب من القول الباطل، ولم تعد تفرق بين الفعل المشروع وغير المشروع، ولم تؤمن بالثوابت أو تحترم الإرادة الشعبية الكلية، ولم تعد قادرة على السير في الطريق الصحيح.. إن الخير كل الخير لهذه القوى المتهالكة ان تلتزم الصمت وتعيد ترتيب أوراقها من جديد وتسعى بعقلانية الى خطب ود الجماهير بخطاب إعلامي وسياسي نقي وخالٍ من الشوائب، فذلك هو السبيل الوحيد أمامها لتستعيد ما بددته من ثقة الجماهير بفعلها المجافي للخير العام وقولها المنافي لجوهر العدل.. فهل ستشهد المرحلة المقبلةحالة من استعادة العقل؟ نأمل ذلك بإذن الله..{