د.غيلان الشرجبي - ولعل اهم مؤشرات هذه السمات العامة لهذه الأمة، هو انها قد تبدو مترهلة مستكينة ومستسلمة وان هذه الاوضاع كثيراً ما تغري الآخرين الى اختراقها واستغلال الثغرات العشائرية او المذهبية والقومية لتمزيقها وبث الفرقة في صفوفها، او اثارة النعرات والعصبية في اوساطها، فإذا ركنت القوى الاجنبية الى سمة الخنوع هذه فأمعنت في تضييق الخناق على مكونات هذه الامة وبلغ هذا التضييق مداه، نهضت للانتصار لارادتها واحدثت تحولاً تاريخياً مذهلاً وغير متوقع.. وفي لحظة تاريخية حاسمة تنقل الأوضاع من حالة الكمون او الخمول او الهزيمة الى الحراك والنهوض او النصر. ومن يستقرئ التاريخ سيجد امثلة حية لهذه الحقيقة.. فمنذ خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من »حصار شعب ابي طالب« ليهاجر وصحابته الكرام الى المدينة المنورة لاقامة دولة اسقطت امبراطوريتي الفرس والروم. ثم ما عاشته هذه الامة من هوان »التتار« الاقرب الى ما تعيشه اليوم باكتساح نفس الخط الجغرافي بدءاً بــ»العراق« فالشام وصولاً الى مشارف مصر لتنقلب الهزيمة الى نصر ساحق لتبرز اسماء بارزة لقيادات تاريخية كــ»قطز« و»الظاهر بيبرس« والامر كذلك على يد »صلاح الدين الايوبي« الذي حرر القدس وقاد حرب تحرير تكللت بالقضاء النهائي على الحملات الصليبية بأطماعها الاستعمارية، ثم الثورات العربية المعاصرة لتطهير الاوطان العربية من القوى الاستعمارية التي تقاسمت تركة الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى. وكلها محطات تاريخية تشابهت فيها كامل ظروف الروح الانهزامية ثم الهبة الانتصارية والتي تبشر بأننا نمر بها - حالياً - في ظل هذا الحصار المطبق والتضييق المتلاحق الذي يهدد بتدمير الاوطان وابتلاع الارض بثرواتها وابادة الانسان واستلاب ارادته وفرض سياسات الاستسلام ومسخ الهوية وتمييع الشخصية العربية والاسلامية بتشويه الدين والقضاء على الثقافة الخ.. فهما رمز للتخلف ومصدر للارهاب وفقاً للحملة الدعائية المعلنة وحافز للممانعة والحفاظ على الروابط الاخوية كهدف غير معلن لهذه الحرب الشاملة الدائرة في المنطقة، بدافع وضع اليد الصهيونية على كل شيء.. ونهائياً، وربط العالم العربي والاسلامي بمشروع الشرق الاوسط الكبير برعاية اسرائيل الممثّلة لحلفائها الاستراتيجيين والوكيلة عنهم لادارة مصالحهم.. ولان هذا المشروع الاستعماري والاستثماري سيكلف ارصدة طائلة فلابد من تصفية كل بادرة لتخليص المنطقة من هيمنة هذا المشروع او اي صوت للتعامل المتكافئ، وهو ماتمثله بوادر المقاومة اينما كانت، وليست المقاومة الفلسطينية /اللبنانية، إلاّ نموذجاً لاشاعة الوعي الثقافي المقاوم لتظل جذوته حية في النفوس، واسقاط ثقافة العولمة التي تصدرها امريكا لكسب العقول والقلوب بالترهيب والترغيب للاستسلام الكلي لسياسات التطبيع التي تتجاوز التعايش والاعتراف بالحقوق المشروعة والمصالح المتبادلة بالقبول بالتطويع والتركيع. لهذا تمثل الاحداث الجارية بمثابة ذروة اللحظة الحاسمة قبولاً او ممانعة، انها المخاضات الصعبة التي تسبق لحظة ولادة مرحلة تاريخية حاسمة تضع هذه الامة على مفترق طريقين لا ثالث لهما.. فإما ان نضع العالم امام مسئولياته الاخلاقية لتحقيق سلام عادل وشامل للصراع العربي الاسرائيلي مالم يصبح اسناد المقاومة ضرورة، او نخضع للضغوط الامريكية لتصفية اية بادرة للمقاومة المشروعة والتي ستضطر للانتقام وتوسيع دائرة العنف على غرار المجاهدين الافغان الذين تنكَّر لهم العالم، فدفعهم للتمرد عليه. وبالمقارنة فإن تعامل بلادنا مع الحدث يعد اكثر عقلانية من سواها على الاقل في الساحة العربية والتي كان لها ثلاثة مواقف، اذ وقف بعضها متفرجاً وكأن لا علاقة له بما يحدث، فكان كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال هرباً من العاصفة، وانقسم بعضها الى جبهتين حيث تحرك الشارع تنديداً وتأييداً للمقاومة التي ادانها النظام الرسمي بينما تناغم الموقف الشعبي والرسمي في اليمن، لتقف السلطة في مقدمة الصفوف وتتخذ مواقف صريحة لإحياء اتفاقية الدفاع المشترك وطلب عقد قمة عربية طارئة.. الخ، ادراكاً بأن المقاومة حق مشروع في ظل غياب شرعية السلام وان ضرب المقاومة سيعقّد الاوضاع وسيؤدي الى مضاعفات وقد توسع دائرة الصراع. |