عارف الشرجبي -
قال وكيل وزارة الإدارة المحلية لقطاع التخطيط والموازنات المحلية أمين محمد عبدالله المقطري إن الانتقال إلى الحكم المحلي سيعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية وسيعزز عملية بناء الدولة اليمنية الحديثة.
وأكد أن التعديلات الدستورية المعروضة أمام البرلمان قد استوعبت الكثير من المواد التي ستمنح الوحدات الإدارية صلاحيات وسلطات واسعة لم تكن موجودة من قبل، الامر الذي سوف يوسع دائرة المشاركة المجتمعية في صنع القرار في إطار الوحدات الإدارية في عموم الوطن.
وكشف وكيل الوزارة في حوار لـ«الميثاق» أن وزارة الإدارة المحلية تعكف حالياً على وضع رؤية واستراتيجية واضحة للحكم المحلي تواكب التعديلات الدستورية ووفقاً لمنهجية علمية متعارف عليها على مستوى العالم، وأشار الى أن هناك فريقاً يعكف على وضع اللمسات الاخيرة لمشروع البرنامج الوطني للاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي والعمل على تطوير نظام اللامركزية في بلادنا ..فإلى التفاصيل..
ما أبرز مفاصل الحكم المحلي الواردة في مشروع التعديلات الدستورية؟
- أعضاء مجلس النواب الذين تقدموا بالتعديلات الدستورية طرحوا في حيثيات طلبهم إجراء تعديلات دستورية بأن أحد أهم أسباب ومبررات ذلك هو اعتماد نظام الحكم المحلي الذي يعزز ويرسخ الوحدة الوطنية واستكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة والقوية.
والتعديلات شملت خمس مواد في الدستور النافذ وهي: (13، 39، 144، 145، 146) الى جانب إضافة خمس مواد جديدة الى الفرع الثالث من الفصل الثاني من الباب الثالث الخاص بسلطات الدولة وتنظيمها.
وفي مشروع التعديلات استبدل اسم (أجهزة السلطة المحلية) إلى (الحكم المحلي) في الفرع الثالث من الفصل الثاني من الباب الثالث.
والدستور كما هو معلوم يعد بمثابة قانون القوانين في كل بلدان العالم وهو الذي ترتكز عليه وتنبثق منه السياسات العامة والقوانين والتشريعات على مستوى الدولة.. وبطبيعة الحال فإن هناك قانوناً للحكم المحلي سيتم إعداده وسيقر من السلطة التشريعية عقب إقرار التعديلات الدستورية والاستفتاء التي أشرنا اليها في الفقرات السابقة والتي تعتمد في الأساس على مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية، كما تستمد أساسها من مبادرة فخامة الأخ رئيس الجمهورية التي أعلنها يوم 2007/9/24م بشأن إصلاح النظام السياسي والانتقال الى نظام الحكم المحلي الذي يمنح الوحدات الإدارية صلاحيات وسلطات واسعة.
ركائز مهمة
هل الأحكام الواردة في التعديلات الدستورية كافية لقيام نظام حكم محلي قادر على النهوض بالتنمية المحلية والشاملة على المستوى الوطني؟
- الدساتير تحدد المبادئ العامة في الغالب ومن ثم تتولى القوانين ترجمة المبادئ الى أحكام تفصيلية.. والنقاط السابقة التي أوضحناها في معرض إجابتنا على السؤال الأول تشكل ركائز مهمة لقيام نظام حكم محلي يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة الشؤون المحلية وتعزيز المشاركة المجتمعية.
كما أن نقل المهام والوظائف الخدمية والتنموية الى وحدات الإدارة المحلية وتمكينها من إدارة الشأن المحلي وبما يحقق أهداف التنمية المحلية، وإفساح المجال لمشاركة جميع شرائح المجتمع المحلي في إدارة الشؤون المحلية عبر المجالس والأجهزة المحلية، ومنح الوحدات المحلية موارد مالية ومنح المجالس المحلية سلطات وصلاحيات فرض رسوم محلية وإصدار اللوائح المنظمة لأعمال الإدارة التنفيذية، كل ذلك وغيره من المقومات المهمة لقيام حكم محلي في بلادنا، وعموماً فالتعديلات ستخضع للمناقشة في مجلس النواب خلال الفترة القادمة.
لمسات أخيرة
يعد الحكم المحلي مطلباً شعبياً من أجل تحقيق أهداف التنمية المحلية.. متى سيتم إنجاز مشروع قانون الحكم المحلي؟
- أعتقد أنه ستشكل خلال الفترة القادمة لجنة وزارية وأخرى فنية لتطوير قانون جديد للحكم المحلي يرتكز على المبادئ الدستورية وعلى الدروس المستفادة من تجربة السلطة المحلية خلال السنوات الماضية وفقاً لما جاء في الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي التي أقرتها الحكومة في 2008/10/28م والبرنامج الوطني لتنفيذه.. وفي تقديري، فإن قانون الحكم المحلي المرتقب سوف يستحوذ على اهتمام كبير ومناقشات واسعة من قبل المعنيين على المستويين المركزي والمحلي، لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا أن بناء نظام الحكم المحلي يجب أن يتم في ظل الإدراك الواعي بضرورة المحافظة على وحدة اليمن أرضاً وإنساناً، فالجمهورية اليمنية دولة بسيطة موحدة تخضع في ظلها جميع مستويات التنظيم الإداري الحكومي- مركزياً ومحلياً- لذات المنظومة الدستورية والقانونية.
ولدينا في وزارة الإدارة المحلية رؤية استراتيجية مستقبلية واضحة لما يجب أن يكون عليه نظام الحكم المحلي المرتقب تضمنتها الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي التي تم إعدادها من قبل خبرات يمنية وفقاً لمنهجية علمية متعارف عليها عالمياً، وحالياً هناك فريق في وزارة الإدارة المحلية يعكف على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع البرنامج الوطني للاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي الذي يعد بمثابة الجزء التنفيذي المكمل للاستراتيجية، ويشتمل على تحديد الآهداف من حيث النوع والكم والفترة الزمنية للتنفيذ والاصلاحات الواجب القيام بها لتحقيق الرؤى والتوجهات الاستراتيجية لتطوير نظام اللامركزية في اليمن والانتقال الى صيغة جديدة ومتقدمة هي نظام الحكم المحلي.
عملية معقدة
وماذا تقول لمن يتحدث عن عدم اكتمال ملامح الحكم المحلي في هذه التعديلات؟
- أركان ومقومات الحكم المحلي في مشروع التعديلات الدستورية واضحة وجلية لكل من لديه فهم واطلاع على أدبيات اللامركزية وتجاربها على المستوى الدولي.
فمن المعلوم أن الانتقال الى تطبيق نظام الحكم المحلي أو اللامركزية عملية طويلة ومعقدة، وهناك من يتصور أنه يمكن تطبيق هذا النظام في أشهر معدودة، وبهذا الصدد نقول: إن تجارب الأمم في هذا المضمار تؤكد أن تطبيق اللامركزية أو الحكم المحلي يستغرق عقوداً من الزمن لأنها عملية تغيير وإصلاح جذري في منظومة الإدارة العامة للدولة، وتتطلب استراتيجيات وبرامج لتنفيذها، وموارد مالية لتمويل عمليات بناء القدرات للموظفين المحليين وإعادة هيكلة وبنية مؤسسية وتحتية وكل هذا يتطلب إمكانات كبيرة والكثير من الجهود والسهر والمثابرة.
إن المهتمين يتذكرون أننا بدأنا تطبيق نظام السلطة المحلية منذ عشر سنوات (صدر قانون السلطة المحلية عام 2000) ولايزال الجدل قائماً حول إيجابيات وسلبيات هذا النظام، وخلال السنوات الماضية جرى تطوير ومراجعة جادة لهذا النظام وخضع للتعديل عدة مرات.. ونحن الآن سندخل مرحلة جديدة ومهمة لتطوير نظام اللامركزية في اليمن..
رقابة
هل تضمنت التعديلات الدستورية قواعد دستورية لإحكام الرقابة على أداء الوحدات الإدارية في المحافظات والمديريات تصاحب عملية نقل المزيد من الصلاحيات والمهام الى الوحدات المحلية؟
- كمبدأ عام تخضع الوحدات الإدارية المحلية وإن كانت تتمتع بالاستقلال المالي والإداري لرقابة الاجهزة المركزية للتأكد من مدى تقيدها بالسياسة العامة للدولة والتزامها بتنفيذ القوانين والأنظمة.
وهناك مادة جديدة ضمن التعديلات الدستورية جاءت لتعزز من دور الجهاز الأعلى للرقابة والمحاسبة المالية بحيث يكون مستقلاً رقابياً ومالياً وإدارياً ويمارس دوره الرقابي على كافة وحدات الخدمة العامة والوحدات الإدارية على المستويين المركزي والمحلي.
بالإضافة الى ذلك هناك أجهزة أخرى معنية بالرقابة على أداء الوحدات الإدارية المحلية، وهناك ايضاً رقابة المجالس المحلية على الأداء المحلي.
كما ستخضع الوحدات الإدارية للمساءلة من قبل المجتمع المحلي عن مدى كفاءتها وفاعليتها في تحقيق الاهداف التنموية، عبر خضوع عمليات صنع القرار لقدر عالٍ من الشفافية بما يسمح للمجتمع المحلي وكل المعنيين بالتنمية المحلية بمتابعة الأداء وتقييمه وكذا خضوع عملية تقديم الخدمات وإدارة مرافق الخدمات المحلية للرقابة المجتمعية للتحقق من مدى كفاءة إدارة هذه المرافق وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
ولقد دلت التجارب الدولية على أن منح وحدات الحكم المحلي صلاحيات ومهاماً بدون نظام رقابي فعال، يترتب عليه مخاطر كبيرة.
والخلاصة أن التعديلات الدستورية تتضمن إصلاحات جديدة تعزز عملية بناء الدولة اليمنية الحديثة ونظامها الإداري والسياسي وتعزز منظومة الرقابة على الأداء الحكومي مركزياً ومحلياً.
وسوف يترتب على إقرار التعديلات الدستورية إحداث تعديلات مهمة على الكثير من التشريعات النافذة ذات الصلة بمنظومة الإدارة العامة للدولة لتتواكب مع التحول نحو الحكم المحلي بأبعاده الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
شخصية اعتبارية
ماذا يعني أن تتمتع الوحدة الإدارية بالشخصية الاعتبارية؟
- الشخصية الاعتبارية هي قوة قانونية يعطيها المشرع للوحدات الإدارية لتتمكن من تحمُّل مسؤولياتها والإيفاء بالتزاماتها واكتساب الحقوق التي حددها الدستور والقانون.
أربعة موارد
يرى البعض أن هناك تفاوتاً في موارد الوحدات الإدارية من وحدة الى أخرى.. فكيف ستفي الوحدات الإدارية بالخطط التنموية إذا كانت مواردها محدودة؟
- لكل وحدة إدارية أربعة أنواع من الموارد وهي موارد محلية على مستوى كل مديرية وموارد مشتركة على مستوى المحافظة مثل: رسوم المرور أو البطاقات الشخصية مثلاً، وهذه الإيرادات تجمع في إطار عاصمة المحافظة ويعاد توزيعها في إطار المحافظة والمديرية، وتعطى المديرية التي حصلت على هذه الإيرادات نسبة 25% منها، و25% تذهب لصالح المحافظة، و50% يعاد توزيعها في إطار المحافظة على المديريات حسب الاحتياج والخطط التنموية المقرة، وهناك موارد مشتركة تجُبى بمعرفة وزارة الإدارة المحلية وهي مثلاً 30% من رسوم تذاكر الطيران، و30% من موارد صندوق تشجيع الانتاج الزراعي والسمكي، و30% من موارد صندوق صيانة الطرق، و30% من موارد صندوق النشء والشباب والرياضة، وهناك الدعم المركزي المقدم من الحكومة المركزية.. والبندان الاخيران يتم توزيعهما وفقاً لمعايير محددة بحسب احتياج كل وحدة إدارية كمعيار السكان، ومعيار النمو الاقتصادي والاجتماعي، وغيرها من المعايير التي حددها القانون، والمعمول بها في كل بلدان العالم التي تأخذ بنظام الحكم المحلي.
نحن الأفضل
كيف تقيم أداء المجالس المحلية خلال الفترة الماضية؟
- عملية التقييم لابد أن تخضع لمعايير ومعطيات، وإلا سنكون غير منصفين، فلو نظرنا الى تجارب الدول التي سبقتنا في الحكم المحلي سنجد أنه تجاوز المائة العام.. أما نحن فعشر سنوات وتعد مدة قصيرة ومازلنا بحاجة الى مزيد من الوقت لتطوير هذه التجربة، وعلى كل حال سوف يشهد الحكم المحلي في المرحلة القادمة تطورات كبيرة ونقلة نوعية في كافة الجوانب وبما يحقق الهدف المرجو منه في خدمة التنمية في بلادنا، والجدير ذكره أننا قد سبقنا الكثير من الدول العربية بل إننا الافضل، وأتذكر أن أحد المسؤولين الاردنيين عندما اطلع على قانون الحكم المحلي قال لي بأننا سبقنا الجميع وأننا الافضل في الوطن العربي.. وعموماً لابد لأي عمل من نجاحات هنا وقصور هناك وهذه سنة الحياة بشرط أن نتلافى أي قصور في المستقبل إن وُجدت.