محمد انعم -
تتفجر المياه الحارة حول حرضة دمت من أعماق الأرض، تقذف بنافورات طبيعية يقصدها الناس من كل مكان.. وبحجم فرحة الزوار وبشاشة الابتسامة على محيا المرضى.. تحزن كثيراً وأنت تشاهد دموع أبناء المدينة البالغ تعدادهم ثمانون ألفاً تنهمر مالحة وسط ذلك الصمت المرعب، بسبب سياط المفسدين الذين ينغصون حياتهم..
تذكر الأساطير التي تُروى عن دمت، والحرضة منذ غابر العصور ويحكيها كبار السن عن قصة فساد وإفساد مفزعة جرت فصولها داخل قصر الملك الذي شيد في قمة الحرضة، وعندما ارتكب الملك جرمه سقط القصر في باطن تلك الحرضة.. وخُسفت بيوت كل القضاة الذين شاركوا الملك في ذلك الجرم في الفوهات التي تقذف المياه الحارة اليوم بجوار الحرضة الكبيرة..
وبغض النظر عن صحة أو خرافة الحكاية، لكن فوهة الحرضة التي تبدو مفتوحة كفك حيوان أسطوري مفترس، تنتصب وسط ذلك الوادي المنبسط بشكل يثير الرعب، تظل عبرة للفاسدين، وعليهم أن يتعظوا من مياه دمت الحارة والتي لا تقارن حرارتها بماء حميم..
اقطاعية دمت
اليوم دمت مدينة تتمدد إلى ما لانهاية.. مدينة يتجرع أبناؤها اسوأ صنوف الفساد والإفساد، لا أحد منهم يجرؤ على الكلام.. تاجران ومسؤولون يعينون بدعم نافذين صاروا يستبيحون كل شيء.. ومن له اعتراض، عليه أن يخيط فمه.. ما لم سيشرب من ماء الحرضة..
ولم يكتفِ أولئك الجبارون بنهب أراضي الدولة والوقف.. بل لقد تقاسموا حمامات المياه الحارة وصاروا يعبثون بها كملكية خاصة.. ثروة وطنية ظلت قروناً مصانة ومحمية للصالح العام.. اليوم تهدر وتدمر بطريقة ستقود إلى كارثة..
أما المال العام ومخصصات المشاريع الاستثمارية للمدينة وأبنائها فلها في مدينة دمت قصص فساد أخرى.. ويكفي الزائر انه لن يجد مشاريع متعثرة فيه كما في بقية المحافظات والمديريات..
مزار سياحي متميز
ثمانون ألف نسمة يعيشون محاصرين بمجاري الفساد.. بل المدينة كلها تكاد تغرق في تلك المستنقعات النتنة.. والتي تحاصرها أكوام النفايات من كل الاتجاهات.. أسراب الذباب والبعوض والكلاب والقطط وحدها تحظى برعاية المجلس المحلي ومسؤولي المدينة.. تبدو النعمة عليها واضحة بأشكالها ولا ينكر ذلك إلا جاحد..
وبالرغم مما تعانيه المدينة وأبناؤها وزوارها، إلا أنه يوجد فيها أكثر من 36 فندقاً وعشرات اللوكندات المكتظة بالزوار بصورة دائمة.. وفي شوارعها تشاهد عشرات السيارات الفارهة التي تحمل لوحات لدول شقيقة.. سياح ومرضى قطعوا آلاف الكيلو مترات بقصد الاستمتاع أو الاستشفاء بالمياه المعدنية التي حبا الله هذه المنطقة بها.. لكن المسؤولين في المدينة يحرصون على استقبال السياح بمجاري الفساد.. ولا فرق بين ما يقترفه الإرهابيون، وبين فساد المسؤولين.. فتطفيش السياح هو هدفهم وغايتهم.. وواضح انهم يعملون بإخلاص لتدمير تلك الثروة الوطنية..
شباب ساخطون
شباب المدينة يشكون بسخط شديد.. يتحدثون بغضب وكراهية عما يعانونه من سلب ومصادرة لحقوقهم ليس من عائدات ثروة المياه الحارة، وإنما من الحياة الطبيعية، بعد أن أغرق المستفيدون شوارع مدينتهم بمياه المجاري والقاذورات الأخرى..
شباب لا تعنيهم أبداً محاضرات الشيخ عبدالله صعتر، ولا مبررات المجلس المحلي الذي فضح مزاعم المشترك بهذا الحال المزري الذي وصلت إليه مدينتهم.. ولا يبرئون مدير المديرية أيضا مما يحصل من فساد، والذي يمرر أحياناً بتعصبات حزبية..
صمت وزير السياحة
الأستاذ نبيل الفقيه وزير السياحة يبدو انه لا تعنيه الجرائم التي تتعرض لها حمامات دمت.. ولا يهمه إن تم بيع الحرضة أو كل الحمامات المعدنية.. وكذلك لا تعنيه تلك الكارثة البيئية التي تتعرض لها دمت وسكانها.. وهنا يبقى السؤال عن جدوى الوزارة.. ؟ السياحة لا تحتاج إلى تنظيرات من »الحصبة«!.. فصناعة أو تنمية السياحة إذا لم تُترجم على الواقع فهي مجرد بيع للأوهام.. وهذا لم يعد مقبولاً أمام تحديات اليوم.. لأن كل مقومات الجذب السياحي تُدمر .. وإذا لم يتم إنقاذ دمت فوراً من كارثة عبث المفسدين.. فإننا نعتبر ما ننشره بلاغاً مقدماً للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نحمّل فيه وزير السياحة وقيادة السلطة المحلية بمحافظة الضالع والمجلس المحلي ومدير مديرية دمت المسؤولية، فهم شركاء في جريمة العبث بالثروة الوطنية والمتمثلة بالمياه المعدنية واهدارها عبر استنزافها بطرق جائرة.. وكذلك بيع وتأجير حمامات بدون حق وبأثمان بخسة.. إضافة إلى بيع أراضي الدولة والأوقاف..!
مشاهدات
العديد من الحمامات المعدنية والحرضة تم تأجيرها بمبلغ بخس جداً.. في الوقت الذي يؤكد أبناء المدينة أن رَيْع حمام واحد في الشهر يقدر بضعف مبلغ الإيجار..
يتردد أن أحد المتنفذين بنى غرفة في الطريق الى قمة الحرضة للاستيلاء على جزء من الحرضة نفسها- بدعوى حمايتها..
أكثر من أربع قمم بركانية (حرضات) بسط عليها نافذون بدون وجه حق.. أبناء المدينة يذكرونهم بسخط واضح..
حمام »الحساسية« من الحمامات المتميزة في دمت، ويقال إن له بخاراً مختلفاً عن بقية الحمامات الاخرى، لمعالجة امراض الحساسية.. قد تعرَّض للنهب من قبل متنفذ .. ولا حياة لمن تنادي.. شوارع المدينة تخضع للبيع والشراء ويتحكم بالمخططات تجار.. وآخر الفضائح شارع (24).