أحمد الجبلي - قبل أيام من تنحي الرئيس محمد حسني مبارك سألني بعض الأصدقاء: هل تعتقد بأن مايحدث في مصر وماحدث في تونس سيتكرر في اليمن؟.. قلت لهم: لا اعتقد فسألوني ثانية لماذا؟ فأجبتهم؟ لأن الرئيس علي عبدالله صالح يملك من الحكمة والذكاء مايجعله قادراً على تجنيب الوطن المخاطر المحتملة. بعد يومين أو ثلاثة أيام، أعلن الرئيس مبادرته الوطنية أمام مجلسي النواب والشورى والتي تضمنت العديد من التنازلات كانت قيادات عديدة في الحزب الحاكم تصر على انه لاتراجع عنها.. بينما كان الرئيس وهو يتحدث الى الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى يرى بأن كل شيء يهون من أجل الوطن ومصالحه العليا.
وقد لاقت المبادرة قبولاً لافتاً لدى الكثيرين من العقلاء الذين رأوا فيها تحقيقاً لماكانت تطالب به احزاب المعارضة المنضوية في اللقاء المشترك، وخاصة فيما يتعلق باستئناف الحوار، وتأجيل مشروع التعديلات الدستورية والانتخابات، والأهم من ذلك تأكيده على عدم التمديد والتوريث بالاضافة الى تشكيل حكومة وطنية، وبالتالي تفويت الفرصة على أية محاولات للاضرار بالوطن وأمنه واستقراره.. بل ان البعض رأوا ان الرئيس بمبادرته تلك أتاح للمعارضة فرصة تاريخية لاينبغي لها فقط ان تستجيب لها وانما تتمسك بها حتى لو لم تكن تمثل انفراجاً كاملاً للأزمة القائمة على حد تعبيرهم، فهي تعبَّد الطريق الى ذلك الإنفراج.
ماكان متوقعاً بعد ذلك ان تشهد الساحة اليمنية نوعاً من الهدوء الذي يهيئ الى البدء الفعلي في تنفيذ بنود مبادرة الرئيس بجلوس السلطة والمعارضة، في طاولة المفاوضات من جديد، الا ان ماحدث جاء مغايراً تماماً فما أن تنحى مبارك حتى بدأنا نشهد حركةً غير طبيعية صاحبها تدفقاً لمئات المواطنين من المناطق المجاورة الى العاصمة، واغلاق للشوارع الرئيسية وحشد لعشرات المئات من المواطنين في وسط العاصمة مما خلق نوعاً من التوتر والقلق وادخل الخوف والرعب في نفوس الناس.
لقد كان بديهياً ان تخرج مسيرات تؤيد نجاح ثورة الشباب المصري التي أرغمت مبارك على التنحي، غير ان ما كان واضحاً في تلك المسيرات التي خرجت سواء في صنعاء او في تعز وعدن بأنها تقليد لما جرى في مصر، اذ أخذت هذه التظاهرات طابعاً آخر استبدل فيه المتظاهرون تلك الشعارات التي كانوا يرفعونها ويعلنون فيها رفضهم للتأبيد والتوريث.. الخ بشعارات تطلب برحيل النظام، حتى ان بعض الشباب راحوا يقلدون في طريقتهم شباب مصر في كثير من الأساليب وطرق الاحتجاج.
قد يكون بعض مايطرحه المتظاهرون حول اخطاء واخفاقات النظام صحيحاً والمقصود بالنظام هنا مؤسسات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، فليس هناك من هو منزه من الأخطاء، وخاصة مايتعلق بالفساد الذي صار اليوم أمراً مزعجاً للغاية بعد ان تفشى بشكل مخيف ليشمل العديد من مرافق الدولة والحكومة دون رادع، حتى أصبحنا نرى أن بعض المسؤولين يمتلكون ثروات هائلة ماكان لها ان تتحقق لو كانوا نزهاء وأمناء على ما أوكل اليهم من مهام ومسؤوليات.. فما أصبح يمتلكه هؤلاء خلال فترة وجيزة بات بالفعل مثار تساؤل الكثيرين، اذ كيف يمكن لمسؤول لم يمض على تعيينه عشر سنوات أو حتى عشرين سنة يمتلك مليارات الريالات!.
لقد رمى الرئيس بالكرة في ملعب الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد اثناء لقائه بهم الاسبوع الماضي عندما طالبهم صراحة بتحريك كافة ملفات الفاسدين أياً كانوا ومهما كانت مواقعهم.. مؤكداً بأن لا أحد فوق القانون.
والحقيقة ان ماينتظره المواطن الذي اصبح يعرف من هم عتاولة الفساد ورموزه هو ان يراهم في قفص الاتهام يحاكمون امام الشعب الذي نهبوا ثرواته وحولوها الى ملكية خاصة لهم ولأسرهم ولعائلاتهم.
وغير الفساد المالي الذي أصبحت تعاني منه البلاد، هناك اشكال عديدة للفساد الاداري الذي يكاد أن يكون سمةً للكثير من المؤسسات الحكومية ومرافقها الوسطية والدنيا، وليس العليا فقط الى الحد الذي يجعل الانسان يشعر بالحزن على مايشاهده في هذه المرافق والمؤسسات الحكومية من غياب كامل للنزاهة، وعدم شعور بالمسؤولية واللامبالاة والاستبداد الذي يمارسه البعض على المواطنين مستغلين مناصبهم، وغير ذلك من الأشكال الاخرى التي جعلت المواطن يعتقد بأن ذلك ماتريده الدولة والحكومة، ولذلك فهو اليوم ساخط على الدولة وعلى النظام الذي أساء اليه مثل هؤلاء المسؤولين.
اعود لأقول انه ليس بالضرورة ان يتكرر في اليمن ماحدث في تونس أو في مصر، فبالاضافة الى اختلاف الظروف بين اليمن و البلدين والتي أدت الى تنحي الرئيسين ابن علي ومبارك، فإن ما يريده الشارع اليمني الآن هو الإصلاحات بمعناها الشامل والشروع في ذلك بارادة حقيقية وجادة، واذا حدث ذلك ف «يادار مادخلك شر» اما التهويل والتضخيم الذي يفتعله البعض لاستمرار حالة التوتر فهو أمر غير مطلوب.
ولعل الكثيرين من قادة المعارضة بل والشباب الذين يهتفون اليوم برحيل الرئيس يتفقون معي بأن علي عبدالله صالح هو الأكثر قدرة على قيادة اليمن في هذه المرحلة التي يمر بها اليمن والمنطقة خاصة وانه قد تعهد باجراء جملة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والتي من شأنها ان تفضي الى الاصلاحات الشاملة التي أشرنا اليها كما يأمل الجميع وبتعاونهم.
اما مايجري في الشارع اليوم من مظاهر للفوضى غير المحببة ومواجهات بين المتظاهرين الموالين والمعارضين فهو حسبما يراه الكثيرون من العقلاء في السلطة والمعارضة- ليس من الحكمة في شيء، بل انه في حالة استمراره سيجر الى المزيد من التعقيد للأزمة بدلاً من تهدئتها، ولهذا لابد ان يتدخل الرئيس وبماعرف عنه من حكمة وعقلانية وبعد نظر لكبح جماح البعض من الطرفين ممن يريدون تأزيم الأوضاع اكثر واكثر دون ادراك للعواقب التي يمكن أن تنتهي اليها مثل ممارساتهم هذه غير المسؤولة.
< همسة:
بغض النظر عمّن يدير موقع «البيضاء برس» على الانترنت أو من يمولونه فان مانشره يوم الاثنين الماضي 14 فبراير تحت عنوان «ثورة المولدات» عبّر عن مدى السخف والانحطاط الفكري التي وصل اليها البعض باساءتهم ليس لمن ورد أسميهما في الخبر المنشور، وإنما لكل ابناء اليمنيين المولودين في الخارج، والتشكيك في ولائهم للوطن.
ولهم أقول: من الذي اعطاكم الحق لتصنيف الناس وفرزهم، ومن الذي قال ان ولاءكم وحرصكم على اليمن اكبر من حرص وولاء المولودين في الخارج؟!.
استحوا، فالوطن يكفيه مافيه !!
|